كورونا يجتاح ولاية القيروان التونسية في ظل منظومة صحية هشة

القيروان (تونس) - دخلت ولاية القيروان، وسط تونس، في وضع صحي حرج وأسرة إنعاش ممتلئة، في ظل اجتياح فايروس كورونا للولاية منذ منتصف الأسبوع الماضي، ليجد سكانها، نحو 600 ألف نسمة، أنفسهم في مواجهة انتشار سريع وواسع للوباء القاتل.
ولم تعد في القيروان أسرة شاغرة في المستشفيات، إذ بلغت أقصى طاقتها الاستيعابية، وهي 21 سريرا مخصصا للإنعاش و200 سرير لتزويد من يعانون ضيق التنفس بالأوكسيجين.
والسبت أمر الرئيس قيس سعيّد بإنشاء مستشفى عسكري ميداني في القيروان، إثر الانتشار السريع للفايروس داخلها، فيما أعلنت السلطات الحجر الصحي الشامل في الولاية، بدءا من الأحد، مع حظر جزئي للتجوال بين الخامسة مساء والخامسة صباحا (16:00 ـ 04:00 ت.غ).
ومنذ يومه الأول، استقبل المستشفى الميداني العسكري 6 مصابين في حالة خطيرة، ووضع اثنين منهم على سرير الإنعاش (العناية المركزة) بالخيمة، فيما قرر إرسال 10 مصابين حالتهم خطيرة إلى مستشفيات في ولايات مجاورة، مثل صفاقس وتونس العاصمة وسوسة.
ويوميا، تسجل القيروان متوسط إصابات يفوق 300، وفق إحصاءات الإدارة الجهوية للصحة، إضافة إلى 6 ـ 8 وفيات في مستشفيات دون احتساب الحالات في المنازل.
وتسارعت وتيرة دفن موتى الوباء تحت إشراف البلديات، ومنها بلدية القيروان، وبلغت عملية دفن كل ساعة، بحسب موظف مشرف على عمليات الدفن التي تتواصل ليلا تحت الأضواء الكاشفة.
وفقدت روضة السبري أفرادا من عائلتها الصغيرة والكبيرة، واعتبرت ما حدث فاجعة حلت بهم وبالمنطقة وبالجهة. ولم تمض أيام على فراق زوجها بالفايروس، حتى رحل أقارب لها آخرون من شباب وكهول، بلغ عددهم 10 من منطقة واحدة، وهي "سيدي محمود" في ريف القيروان.
وهذه العائلة هي واحدة من مئات غيرها فقدت أحباء، منهم من فقد فردا ومنهم من فقد أكثر، من بين ما يزيد على 400 وفاة في الأيام العشرة الأخيرة.
وتمتلئ أقسام المستشفيات المخصصة بالمرضى، فلا يجد المصاب الوافد حديثا أي سرير أو قارورة أوكسيجين.
وعند قسم الطوارئ في مستشفى "ابن الجزار" وسط مدينة القيروان، كان هناك عدد من المصابين، بعضهم على أسرّة وآخرون يفترشون الأرض، فيما تكدس غيرهم على مقعد أسمنتي.
وينتظر جميع المرضى قبولهم في القسم لنيل نصيب من الأوكسيجين، ومن ثم إدخالهم إلى أحد الأقسام الاستشفائية، من طرف طبيب وحيد غارق وسط ملفات مرضى متراكمة، وتحت وطأة صراخ مرافقيهم، وأحيانا تحت طائلة عنف لفظي ومادي.
وقالت الطبيبة حنان الحليوي، وهي نائبة مدير جهوي للصحة، "ارتفع عدد المصابين بالمستشفى الميداني من 40 مريضا في آخر مايو الماضي إلى 60 في بداية يونيو الجاري، وهذا مؤشر على أن الوضع الصحي أصبح حرجا".
وتابعت أن "المستشفى الميداني انتقل من مرحلة قبول مصابين في وضعية صحية مستقرة، إلى إيواء من حالتهم خطيرة، الذين يتم تحويلهم إلى مستشفيات مجاورة".
وأوضحت أنه "مع قدوم المستشفى العسكري الميداني، أصبحت طاقة إيواء المستشفى الميداني 80 مصابا".
وشددت على أن "الوضع صعب جدا وحرج، وأن الأطباء وموظفي الصحة يواجهون ضغطا وصعوبات، وسط نقص كبير في المعدات والكوادر الطبية وشبه الطبية (…) ونقص سيارات الإسعاف والأدوية ووسائل الوقاية".
وهذا الوضع الصعب كانت له انعكاسات سلبية على إيواء المصابين والخدمات العلاجية.
وتمكن حوالي 170 شخصا من مغادرة المستشفى الميداني مؤخرا، بعد تقلص حدة المرض وتمكينهم من أجهزة أوكسيجين اصطناعي، لمواصلة العلاج في منازلهم، وترك الأسرة لمصابين غيرهم، لكن لا تزال غرف الإنعاش المكتظة تودع مصابين بأعداد تقترب من الفاجعة، ففي نهاية الأسبوع الماضي مثلا توفي 15 شخصا، بحسب تصريح صحافي للمدير الجهوي للصحة في القيروان محمد رويس.
وتسعى السلطات إلى تدارك الضعف في منظومة التسجيل والتلقيح في القيروان، حيث أعلن وزير الصحة فوزي المهدي خلال زيارته المدينة مؤخرا، أنها الأضعف ولم تتجاوز 10 في المئة، وهو ما يستوجب مراجعتها.
وتواجه تونس موجة جديدة من انتشار الفايروس، ما دفع الحكومة الأحد إلى إعلان الحجر الصحي الشامل في 4 ولايات، هي القيروان، وسليانة وباجة (شمال غرب)، وزغوان (جنوب العاصمة).
وأفادت رئاسة الحكومة في بيان الأحد بأن نسبة الإصابة بالفايروس في الولايات الأربع بلغت 0.4 في المئة (400 مصاب لكل 100 ألف)، خلال الـ14 يوما الماضية.
وإجمالا، سجلت وزارة الصحة حتى الأربعاء 391 ألفا و411 إصابة بكورونا، منها 14 ألفا و318 وفاة، و340 ألفا و834 حالة تعاف، في بلد يبلغ عدد سكانه نحو 11 مليونا و700 ألف نسمة.
وتدرس السلطات التونسية إمكانية فرض حجر صحي شامل، في محاولة للحد من انتشار الفايروس، وذلك بعد اكتشاف 6 إصابات بالنسخة الهندية المتحورة من كوفيد - 19، على الرغم من الأوضاع الاقتصادية الحرجة التي لا تسمح بتوقف حركة الإنتاج في البلاد.