التفاعل بين التطعيمات القديمة ولقاحات كورونا يحقق مناعة غير متجانسة ضد الأوبئة

الذاكرة المناعية ضد الفايروسات السابقة تمنح الجسم القدرة على مقاومة كوفيد – 19.
الخميس 2021/06/24
خط الدفاع الأول للجسم ضد المرض

يستخدم الجهاز المناعي مجموعة معقدة من آليات الحماية ضد مسببات الأمراض المختلفة، وبالنسبة إلى الحصانة ضد كوفيد – 19، فإن الذاكرة المناعية الموجودة مسبقا تجاه الفايروسات أو البكتيريا الأخرى قد تمنح الجسم الدعم وتساعده على مقاومة كورونا.

لندن - تختلف الطريقة التي تؤثر بها الإصابة بفايروس كوفيد -19 المعدي الناجم عن فايروس سارس – كوف – 2، من شخص إلى آخر، ويُطلق خبراء الصحة على ذلك اسم “التباين بين الأفراد”، مرجعين الاختلافات في تطور المرض والنتيجة إلى الاختلافات في الوظيفة المناعية.

وتعتبر اللقاحات من العناصر الأساسية التي تدرب الجهاز المناعي على محاربة مجموعة متنوعة من الفايروسات التي تسبب المرض. كما أنها تحفز الاستجابة المناعية “الفطرية”، وهي خط دفاع الجسم الأول ضد المرض. وهذا ما دفع العلماء للتحقيق فيما إذا كانت اللقاحات السابقة يمكن أن توفر الحماية ضد الأمراض الأخرى، بما في ذلك كوفيد – 19.

وبرغم من أن فكرة أن اللقاحات القديمة قد تساعد في مكافحة كوفيد – 19 سيطرت على المجتمع العلمي منذ الأيام الأولى للوباء، إلا أنها مازالت راسخة إلى اليوم ودفعت الكثير من العلماء إلى إجراء مجموعة من الدراسات والاختبارات للتحقق من نتائج توقعاتهم.

واعتمدت التطعيمات البشرية الأولى على استخدام فايروسات أضعف أو مخففة لتوليد المناعة، وققد تحتوي على فايروسات حية مُليَّنة أوهنت أو غُيِّرت حتى لا تسبب المرض، أو مجرد أجزاء من العوامل المسببة للأمراض.

وحتى الآن، سيطرت اللقاحات الحية المضعفة مثل لقاح الحصبة على الأبحاث وساد الكثير من الجدل حول هذه المسألة، وبالنسبة إلى لقاح السل، على سبيل المثال، اقترحت بعض الأبحاث أنه يمكن أن “يعزز الاستجابة المناعية الفطرية للعدوى اللاحقة” ويقلل من التهابات الجهاز التنفسي.

ومع ذلك، فقد بحثت الدراسات الأحدث في اللقاحات المعطلة لمعرفة ما إذا كانت اللقاحات السابقة مفيدة ضد كوفيد – 19، واستنتجت دراسة أجريت في 2020 عام أن حماية الأطفال المحتملة ضد كوفيد يمكن أن تكون نتيجة التفاعل المتبادل الذي تحفزه هذه اللقاحات.

ديفيد كاتلر: فوائد اللقاحات أكبر مما تم التفطن إليه في السابق
ديفيد كاتلر: فوائد اللقاحات أكبر مما تم التفطن إليه في السابق

ويعتبر التفاعل المتبادل آلية مهمة للمناعة غير المتجانسة، والتي تحدث عندما يحفز أحد مسببات الأمراض استجابة مناعية لمسببات الأمراض غير ذات الصلة في المستقبل.

ونظرا لأن المناعة تتضاءل بمرور الوقت، خاصة عندما لا يتلقى الأشخاص جرعات معزٍّزة، فقد خلص الباحثون إلى أن هذا قد يفسر سبب تعرض كبار السن للإصابة بأعراض كوفيد -19 الحادة.

وعلى الرغم من أن البكتيريا تسبب الإصابة بالدفتيريا والتيتانوس والسعال الديكي بينما ينتج كوفيد – 19عن فايروس، فقد أظهرت دراسات متعددة استجابة مناعية لمستضد ما عند التعرض لمرض مختلف.

واقترحت دراسة أجريت عام 2021 في مجلة ميديكال هيبوثيس أن التطعيم ضد التيتانوس قد يساهم في تقليل شدة كوفيد – 19.

وتماشيا مع هذه الفرضية، أضافت دراسة حديثة لم تخضع للمراجعة بعد إلى الأبحاث الحالية واقترحت أن كبار السن الذين تلقوا لقاحا معزَّزا ضد الدفتيريا أو الكزاز خلال السنوات العشر الماضية قد يكون لديهم خطر أقل للإصابة بأعراض خطيرة.

واختار الباحثون الإطار الزمني لمدة 10 سنوات لحساب تضاؤل الأجسام المضادة التي يسببها اللقاح بمرور الوقت، وهي الفترة التي يوصي الخبراء خلالها بالحقن المعززة.

وحلل الباحثون سجلات التحصين وبيانات اختبار كوفيد – 19 لـ103049 مشاركا، بمتوسط عمر 71.5 عاما، مع الأخذ في الاعتبار العمر والجنس وأمراض الجهاز التنفسي الكامنة والحالة الاجتماعية والاقتصادية.

وكان المشاركون الذين تلقوا لقاحات الخناق والسعال الديكي والكزاز خلال السنوات العشر الماضية، في المتوسط، أصغر سنا وكان لديهم وضع اجتماعي واقتصادي أعلى من أولئك الذين لم يتم تطعيمهم ضد هذه الأمراض في نفس الإطار الزمني.

وتجدر الملاحظة بأن الوضعيات الاقتصادية المتدنية، إلى جانب مجموعة واسعة من العوامل الاجتماعية الأخرى المؤثرة على الصحة تساهم في عدم المساواة الصحية، وقد تكون مرتبطة بارتفاع خطر الإصابة بكوفيد – 19 ونتائج أسوأ، وفقا لبحث سابق.

وأظهرت نتائج التحليل في المملكة المتحدة أن أولئك الذين تلقوا لقاح الكزاز أو الدفتيريا المعزز كانوا أقل عرضة لكوفيد – 19. ومع ذلك، وجد الباحثون علاقة ذات دلالة إحصائية بين اللقاحات المعززة واحتمال الإصابة بأعراض فايروس كوفيد -19 الشديدة.

وكان أولئك الذين تلقوا جرعة معززة من التيتانوس أقل عرضة للإصابة بأعراض فايروس كوفيد – 19 الشديدة، وكان احتمال إصابة أولئك الذين تلقوا جرعة معززة من التطعيم ضد الخناق أقل بنسبة 54 في المئة.

ولم يجد الباحثون “فروقا ذات دلالة إحصائية في احتمالية إجراء اختبار إيجابي أو الحالات خطيرة” مع لقاح السعال الديكي لصغر حجم العينة.

جرعة معززة

يتلقى الناس في معظم البلدان حول العالم، لقاحات ضد التيتانوس في مرحلة الطفولة، إلى جانب الدفتيريا والسعال الديكي أو شلل الأطفال. وتستخدم بعض البلدان برامج التحصين مدى الحياة لتكرار الجرعات المنشطة كل 10 سنوات، بينما يوصي خبراء الصحة في بلدان أخرى بتكثيف التمنيع عند السفر إلى الخارج أو بعد الإصابة.

وفي الولايات المتحدة، تستمر مراكز السيطرة على الأمراض والوقاية منها في التوصية باللقاحات المعززة كل 10 سنوات بعد سن الـ18. ومع ذلك، فهي ليست إلزامية.

كما يوصي المسؤولون أيضا باستخدام تطعيمات معززة منتظمة للكزاز والدفتيريا، وفي بعض الحالات، للسعال الديكي في العديد من البلدان الأوروبية، خاصة بالنسبة إلى كبار السن. ومع ذلك، وفي المملكة المتحدة، ونظرا لأن التحصين الروتيني على مستوى الدولة ضد التيتانوس لم يبدأ إلا في 1961، فإن أولئك الذين ولدوا قبل ذلك التاريخ لا يحملون أجساما مضادة للتيتانوس أو الدفتيريا.

ووفقا لبيانات منظمة الصحة العالمية لسنة 2019، لا يتلقى سوى 60 في المئة أو أقل من السكان حصصهم من حقن التيتانوس المعززة لاحقا في الحياة في البلدان الأفريقية مثل الكونغو والكاميرون وأنغولا وإثيوبيا.

وباستثناء العراق وسوريا، تظل معدلات تعزيز برنامج لقاح الخناق والسعال الديكي والكزاز أعلى من 70 في المئة في معظم البلدان في شرق البحر المتوسط والشرق الأوسط.

كما تختلف تغطية التطعيم في جميع أنحاء جنوب شرق آسيا، حيث حققت معظم الدول تغطية تزيد عن 70 في المئة. وبالإضافة إلى ذلك، وفي ما يتعلق بمسائل السياحة، لا تزال الشبكة الوطنية لصحة السفر ومنظمة الصحة العالمية يوصيان بأن يتلقى المسافرون حقنة ضد التيتانوس قبل سفرهم.

آليات الحماية

Thumbnail

يستخدم الجهاز المناعي مجموعة معقدة من آليات الحماية ضد مسببات الأمراض المختلفة، وبالنسبة إلى الحصانة ضد كوفيد – 19، فإن الذاكرة المناعية الموجودة مسبقا للفايروسات أو البكتيريا الأخرى قد تمنح الجسم الدعم.

ومع ذلك، يقر مؤلفو الدراسة بأن بياناتهم لا يمكن أن تثبت وجود علاقة سببية بين معززات اللقاحات القديمة، ولاسيما الدفتيريا والتيتانوس، وحدّة الإصابة بكوفيد – 19، ولكنهم يفترضون وجود علاقة قوية.

ويرجحون أن الحقن التعزيزية من اللقاحات ضد الفايروسات القديمة توفر درجة من الحماية ضد الأعراض الشديدة لوباء كورونا عن طريق تحفيز جهاز المناعة.

وقال الباحثون المشرفون على الدراسة إن “إحدى الآليات المحتملة لذلك هي أن هذه اللقاحات تغرس مناعة تفاعلية، أي أنها تهيئ الاستجابة المناعية لعدوى كوفيد – 19، ربما لتشابه تسلسل البروتين بين مسببات الأمراض”.

ومع ذلك، خلص المؤلفون إلى أن “احتمال تأثير هذه اللقاحات على الإصابة الحادة بكوفيد – 19 يستدعي إجراء المزيد من الدراسات للتأكد من ذلك”.

قال ديفيد كاتلر طبيب الأسرة في مركز بروفيدنس سانت جون الصحي في سانتا مونيكا في كاليفورنيا، إن “البيانات لم تكن مفاجئة بالنظر إلى الأدلة السابقة على أن اللقاحات غير ذات الصلة يمكن أن توفر الحماية ضد كوفيد – 19، لكنها تثير أسئلة أكثر من التي تجيب عنها. فهناك مجالات عدم يقين لا يمكن معالجتها في الدراسة. مثل هل تم احتساب جميع اللقاحات؟ هل كانت العوامل الاجتماعية الأخرى التي أدت إلى تلقي الأشخاص للتطعيم مسؤولة عن الوقاية من كوفيد – 19؟ وما هي طبيعة المناعة التي قد تؤدي إلى نتائج أفضل”؟

وأشار كاتلر إلى أن الفكرة القائلة بأن اللقاحات التقليدية تقدم فائدة ضد كوفيد – 19 كانت مثيرة للاهتمام، لأن “فوائد اللقاحات قد تكون أكبر مما تم إدراكه في السابق. وهذا تذكير قوي بتلقي لقاح كوفيد – 19 في أقرب وقت ممكن مع اللقاحات الروتينية الأخرى عندما يحين موعدها”.

17