الخلافات السياسية في الكويت تقترب من منعطف تعطيل المصالح العليا للبلاد

إقرار الميزانية الحكومية للكويت في جلسة برلمانية شديدة التوتّر.
الأربعاء 2021/06/23
موقعة أخرى من "حرب" السلطتين

محاولة المعارضة الكويتية تعطيل جلسة برلمانية مخصّصة لتمرير الميزانية الحكومية أظهرت مدى ما وصلت إليه الخلافات السياسية في الكويت من عمق وتشعّب حتى أنّ بعض الخصوم لم يعودوا يوفّرون أي وسيلة لإحراج خصومهم وهزمهم ولو تطلّب الأمر تعطيل المصالح الحيوية للبلد.

الكويت – عكست جلسة عاصفة لمجلس الأمّة (البرلمان) الكويتي خُصصت لإقرار ميزانية الوزارات والإدارات الحكومية للسنة المالية 2021 – 2022، مجدّدا حالة التوتّر الشديد في علاقة الحكومة بالمعارضة النيابية والتي أفضت إلى تعطيل عقد الجلسات العادية للمجلس، الأمر الذي حتّم الدعوة إلى جلسات خاصّة لمناقشة القضايا والملّفات العاجلة مثل ملف الميزانية.

وكان رئيس البرلمان مرزوق الغانم قد دعا إلى عقد جلسة خاصة بجدول أعمال محدد وهو إقرار ميزانية الوزارات والإدارات في ظل تعذّر عقد الجلسات العادية بسبب إصرار نواب المعارضة على استجواب رئيس الحكومة الشيخ صباح الخالد الذي يتحصّن بقرار صدر في وقت سابق عن البرلمان ويقضي بتأجيل الاستجوابات الموجّهة إليه من قبل النواب إلى دور الانعقاد القادم.

وأحبط نواب المعارضة عقد أكثر من جلسة باحتلالهم المقاعد المخصّصة للوزراء كشكل احتجاجي على منح رئيس الحكومة تلك الحصانة الظرفية ضدّ الاستجوابات النيابية.

عبدالعزيز الصقعبي: مشكلتنا ليست مع الميزانية وإنما مع الحكومة
عبدالعزيز الصقعبي: مشكلتنا ليست مع الميزانية وإنما مع الحكومة

ولم يمنع الطابع الحيوي والضروري لجدول أعمال جلسة الثلاثاء طغيان الخلافات السياسية عليها، حيث اعتمد عدد من النواب الأسلوب نفسه في محاولتهم تعطيل سير الجلسة التي اتّسمت بالتوتر الشديد وصولا إلى التشابك بالأيدي.

واندلعت الفوضى بعد التصويت على الميزانية الذي شهد موافقة 32 نائبا من أصل 63 حضروا منهم 50 من الأعضاء المنتخبين والوزراء في الحكومة. ودخل أفراد أمن البرلمان القاعة لاستعادة النظام عندما تشاجر نواب من المعارضة مع نواب موالين للحكومة. وقد مضت الجلسة رغم احتلال نواب المعارضة مرة أخرى مقاعد مخصصة للوزراء.

وفي الأخير تمكّن المجلس بصعوبة من التصويت على مشروع قانون ربط ميزانيات الوزارات والإدارات الحكومية للسنة المالية الجارية التي تنتهي في مارس 2022.

ويمنح ربط ميزانيات الوزارات المؤسسات العامة حصتها من الموازنة العامة للدولة لبناء خططها المالية للسنة المالية الجارية. وقبل إقرار مشروع قانون الربط كانت الوزارات والجهات الحكومية تحصل على موافقة وزارة المالية في المالية لأوجه النفقات الجارية لها.

ويرتقب أن يعيد البرلمان مشروع القانون إلى الحكومة لنشره رسميا وتنفيذ بنوده بأثر رجعي اعتبارا من مطلع أبريل الماضي وهو بداية السنة المالية للبلاد.‎

وتترافق الأزمة السياسية في الكويت مع صعوبات اقتصادية ومالية واجهت البلد العضو في منظمة البلدان المصدرة للبترول، حيث انكمش اقتصاده بنسبة 9.9 في المئة في 2020 بسبب انخفاض أسعار النفط وجائحة فايروس كورونا.

وتتوقع الميزانية التي اقترحتها الحكومة في يناير الماضي إنفاق 23.05 مليار دينار (76.65 مليار دولار) للسنة المالية التي بدأت في الأول من أبريل وعجزا قدره 12.1 مليار دينار.

وقال الغانم “من حقنا أن نطلب جلسة خاصة لأن كل الجلسات العادية تعطلت”. ووقف وزراء عند مدخل القاعة بعد أن جلس نواب على المقاعد المخصصة لهم في حين قرع بعض النواب على الطاولات في محاولة لتعطيل المناقشات. وأدت الخلافات المتكررة بين الحكومة والبرلمان على مدى عقود إلى تعديلات وزارية متتالية وحل البرلمان، مما قوض الاستثمار والإصلاح.

واختارت صحيفة الرأي المحلية عبارة “العبور الصعب” لوصف جلسة إقرار الميزانية الحكومية. ونقلت جانبا من الجدال الحادّ بين نواب المعارضة ونواب الموالاة حيث تساءل النائب عبدالكريم الكندري عن “الأساس الدستوري والسند القانوني لعقد جلسة خاصة في تاريخ جلسة عادية، بينما اعتبر النائب سعود أبوصليب أنه لا يجوز إقرار ميزانية بالمليارات بينما لا يستطيع المجلس محاسبة الحكومة على دينار واحد، بحسب وصفه.

Thumbnail

وقال النائب المعارض عبدالعزيز الصقعبي “مشكلتنا ليست مع الميزانية وإنما مع الحكومة”. أما النائب سعدون حماد فذكّر بأن أربع جلسات برلمانية لم تعقد لجلوس نواب المعارضة، معتبرا أنّه ليس من المنطقي تعطيل جلسة مخصصى لإقرار الميزانية.

ومثّل الصخّب والتوتّر اللذين طبعا جلسة إقرار الميزانية نموذجا لتأثير الخلافات السياسية في قضايا حيوية للكويت تشمل ملفات الإصلاح الضروري لعدّة قطاعات وإطلاق برامج التنمية وفق المعطيات والظروف المستجّدة.

وترجع الخلافات التي كثيرا ما أدّت إلى إبطال البرلمانات وإقالة الحكومات الكويتية بشكل متلاحق، إلى مآرب سياسية لبعض التيارات ومن ضمنها تيارات الإسلام السياسي من سلفيين وإخوان مسلمين، لكنّها كثيرا ما ترجع إلى مجرّد خلافات شخصية وتصفية حسابات قَبلية وصراعات على السلطة بين بعض أفراد من داخل الأسرة الحاكمة وبمشاركة أنصارهم ومُحازبيهم من خارجها.

وأثارت شبكة بلومبيرغ مؤخّرا موضوع تأثير الخلافات السياسية بشكل مباشر على الملفات الاقتصادية والمالية من خلال الوضع الذي آلت إليه الهيئة العامة للاستثمار في الكويت التي أصبحت منسية منذ انتهاء فترة مجلس إدارتها قبل شهرين، حيث حالت الخلافات السياسية دون تشكيل مجلس جديد لها رغم أنّها تدير صندوقا سياديا حجمه 850 مليار دولار.

وتدير الهيئة أيضا صندوق احتياطي الأجيال القادمة المنتظر استخدامه حين ينفد النفط، وصندوق الاحتياطي العام وهو صندوق حكومي أصغر يستخدم في سد العجز. ونقلت الشبكة عن مصدر حكومي قوله إنّ “الموضوع قد يؤثر على شراء صندوق احتياطي الأجيال القادمة لأصول صندوق الاحتياطي العام، وبالتالي قد تتوقف هذه الآلية

لتمويل الميزانية”، بعد أن قدّمت هذه الآلية مليارات الدينارات في العام الماضي لتغطية العجز المالي. وقال مصدر قريب من الصندوق إن استثمارات هيئة الاستثمار الكويتية قد تتأثر أيضا.

3