تضارب الأجندات يوتر العلاقات بين سعيّد والاتحاد العام التونسي للشغل

هيمنة بعض التوجهات السياسية على اتحاد الشغل تجعله غير متحمس لبحث تغيير النظام السياسي.
الأحد 2021/06/20
قيس سعيّد للطبوبي: لن أحيد عن الطريق

تونس - تشهد الأزمة السياسية في تونس المزيد من التعقيدات في ضوء المواقف المتباينة بين رئاسة الجمهورية والاتحاد العام التونسي للشغل حول أجندة الحوار الوطني، الذي كانت المنظمة الشغيلة بادرت إلى طرحه قبل أشهر.

وأبدت قيادات الاتحاد رفضا وغضبا من سعي الرئيس سعيّد إلى فرض أجندة جديدة لهذا الحوار، وعلى رأسها مناقشة تغيير النظام السياسي الذي ينظر إليه سعيّد على أنه سبب الانسداد الحالي.

وقال سعيّد "لا حوار وطنيا إلا بإدخال إصلاحات سياسية جوهرية منها تغيير النظام السياسي"، معتبرا أن الدستور الحالي "قام على وضع الأقفال في كل مكان"، ومشددا على أنه يريد حوارا مختلفا عن السابق الذي جرى في 2013.

وأثار تصريح سعيّد موجة من الانتقادات في صفوف قيادات الاتحاد، الذي اعتبر أن الحوار الوطني في 2013 جنب البلاد حربا أهلية كانت ستعصف بها، بعد الاغتيالات التي طالت رموزا سياسية وأمنيين وعسكريين ومواطنين.

وأضاف الاتحاد في بيان "نعتبر أنّ ما عبّر عنه (الرئيس سعيّد) هو تشكيك متواصل في المؤسّسات والمنظمات الوطنية والأحزاب السياسية، وتراجع منه عن التزامه بمبادرة الحوار الوطني التي اقترحها الاتحاد العام التونسي للشغل من أجل إنقاذ تونس من الوضع الصعب الذي دفعت إليه الأطراف الحاكمة وأصبح يهدّد كيان الدولة".

وقال نورالدين الطبوبي، الأمين العام لاتحاد الشغل، "رئيس الجمهورية، أخطأت المرمى بتشكيكك في وطنية الحوار الوطني والمنظمات المشرفة عليه"، مضيفا "المنظمات الوطنية كالاتحاد ومنظمة الأعراف من القامات الكبيرة التي قادت الحوار الوطني، ولا يحتاجون إلى شهادة كائن من كان لإثبات وطنيتهم".

وانتقد سامي الطاهري، الأمين العام المساعد للاتحاد، قيس سعيّد في تدوينة عبر حسابه بموقع فيسبوك، قائلا ''عفوا السيد الرئيس، حسين العباسي وقيادات الاتحاد والنقابيات والنقابيون وطنيون وليسوا في حاجة إلى تأشير من أحد".

وكان حسين العباسي، الأمين العام السابق لاتحاد الشغل، شن هجوما على سعيّد في مقابلة تلفزيونية على قناة حنبعل الخاصة، قائلا "من هو قيس سعيّد للتشكيك في وطنيتنا؟ ليس لأنه رئيس الجمهورية يسمح لنفسه بأن يقول أي شيء".

وأضاف "لقد ساعدنا في وضع اللمسات الأخيرة على الدستور، والقيادة نحو انتخابات ديمقراطية، وضمان الامتيازات التي يتمتع بها سعيّد اليوم، في ذلك الوقت لم تكن لرئيس الدولة أي صلاحيات".

وعقب موجة التنديد، نفى سعيّد توجيه اتهامات باللا وطنية لأي كان، قائلا "لم أتهم أحدا ولم أتعرض لعرض أحد"، مؤكدا في ذات السياق تمسكه بالطريق التي اختارها "لن أحيد عن الطريق".

وأشار سعيّد إلى استعداده للحوار لكن بشروط، حسب تعبيره، "أنا مستعد للحوار لكنني لست مستعدا للحوار مع من نهب الشعب التونسي"، مشددا في ذات السياق على أهمية تشريك الشباب في هذا الحوار.

وفي خضم هذه التوترات بين سعيّد والمنظمة النقابية، راجت أنباء عن توجه اتحاد الشغل إلى تنظيم حوار وطني دون مشاركة الرئيس سعيّد، لكن الطبوبي نفى ذلك مؤكدا أنه لم يسحب مبادرته من رئيس الجمهورية، داعيا في ذات الوقت إلى المضي في تفعيل المبادرة، قائلا "لكن إن تواصلت الأزمة تجب إعادة الأمانة إلى الشعب بتنظيم انتخابات مبكرة".

وتتباين أجندة الرئيس سعيّد بشأن الحوار الوطني مع الاتحاد الذي يريد حوارا على شاكلة نسخة 2013، الذي سبق وأن رعاه صحبة الاتحاد التونسي للصناعة والتجارة والصناعات التقليدية والرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان والهيئة الوطنية للمحامين التونسيين، وحصل عبره الرباعي على "جائزة نوبل للسلام"، وقام ذلك الحوار حينها على خلق حالة توافق سياسي لمعالجة التحديات الاقتصادية والاجتماعية.

ولا يبدو الاتحاد متحمسا لبحث تغيير النظام السياسي، ويرى مراقبون أن هذا الموقف للاتحاد يعود إلى هيمنة بعض التوجهات السياسية عليه والتي ترفض هذا الخيار، لأن أي تغيير سيخرجها من المعادلة، وهي تلتقي هنا بشكل ما مع حركة النهضة الإسلامية.

ولا تحظى هذه العملية - أي تغيير نظام الحكم في تونس - بإجماع لدى الطبقة السياسية في البلاد، حيث تصر حركة النهضة الإسلامية، التي حصلت على غالبية المقاعد في البرلمان في الانتخابات الأخيرة التي جرت في العام 2019، على موقفها القاضي بضرورة الإبقاء على النظام الحالي، وهو شبه برلماني.

وأكد فتحي العيادي، الناطق الرسمي باسم حركة النهضة، "نحن ضد تغيير النظام السياسي الحالي لأن العملية تتطلب وقتا، وحتى آليات الوصول إلى ذلك مفقودة الآن، والدعوات إلى تغيير النظام السياسي هي محاولة لإدخال البلاد في مسار غير دقيق ونتائجه - وعلى الأقل مخرجاته - غير معلومة. النهضة تبنت النظام البرلماني الذي هو موجود في الدستور الحالي".

ويرى مراقبون أن تمسك النهضة بالنظام السياسي الحالي يعكس تخوفها من أن يسحب البساط من تحت أقدامها باعتبارها الطرف الأكثر استفادة منه على أكثر من صعيد، حيث إنها ما زالت القوة السياسية الأساسية المتحكمة بإدارة السلطة وبالقرار السياسي، رغم تراجع شعبيتها.

هذا فضلا عن أن رئيسها الغنوشي يريد مواصلة البقاء في منصبه على رأس البرلمان، مستفيدا من الصلاحيات الواسعة التي منحها الدستور للمؤسسة التشريعية، لاسيما وأنه من المستبعد أن يرشح نفسه لمنصب رئاسة الجمهورية باعتباره الشخصية الأكثر نفورا في الشارع التونسي في ضوء نتائج سبر الآراء.