في أول أعداد الصيف "الجديد" تفتح ملف ترجمة الأدب وحرية الكتابة

لندن- صدر أخيرا العدد الـ77 من مجلة “الجديد” الثقافية في لندن، وهو أول أعداد الصيف من المجلة التي تواصل الإضاءة على أهم مشاغل الثقافية العربية وفي إطلالة على رموز الثقافة العالمية، عبر حوارات وقراءات كتب ومقالات وملفات دأبت المجلة على إثارتها في جل أعدادها السابقة.
وفي افتتاحية عدد يونيو من المجلة كتب رئيس تحريرها الشاعر السوري نوري الجراح افتتاحيته بعنـوان “من زمـن الشعتر وزمن المـأساة القصيـدة والشاعر والعـالم”. ويرى الجراح أن “موضوعة الشعـر والـزمن تكـاد تكون واحـدةً من الموضـوعات الأكثر جـوهريـة المطـروحة على العقـل المبدع. فالـزمن، في نظر الشـاعر، قبـل أن يكـون زمنا شعريا، هو بالضرورة زمـن كوني، لا يخضع لحواجز وضعية طارئة عليه تقسيمه بين ماضٍ وحاضرٍ ومستقبلٍ”.
ويلفت إلى أن الشعر يأنس بالضرورة كل ما له صلة بالميثولوجيا والأساطير. ولكونه مغامرة في الذات والعالم عبر اللغة، مشدّدا على أن الشعراء ربما يتكاملون في ما بينهم عندما يتناقضون ويختلفون وتتباعد طرائقهم، بينما لا يليق بالشاعر أن يكافئ نفسه بامتداح عمله. ويرى الجراح أن المكافأة الكبرى للشاعر هي مغامرة البحث عن القصيدة. تلك هي الهدية.
احتفى الملف الرئيسي للمجلة في عددها الجديد بالكاتب الجزائري محمد ديب، وتضمن الملف مقالات عنه شاعرا، إلى جانب مختارات من ثلاثة مجلدات شعرية ترجمها إلى
العربية الشاعر والكاتب الجزائري ميلود حكيم.
ويبرز هذا الملف الجهد الكبير الذي بذله حكيم في ترجمة الأعمال الشعرية الكاملة لمحمد ديب الذي عرف أكثر ما عرف ككاتب روائي بالفرنسية، لكن بصدور أعماله الشعرية مترجمة للمرة الأولى إلى العربية، إنما يفتح الباب واسعا على التجربة الريادية له شاعرا له بصمة خاصة.
في العدد مقالات فكرية وأخرى نقدية وفنية وآراء وحوارات وسجالات نقدية ويوميات ونصوص قصصية وشعرية عربية وعروض كتب ورسائل ثقافي، وهو ما دأبت المجلة على تقديمه للقراء العرب شهريا، في نظرة بانورامية على الإبداع والأدب العربيين من مختلف جغرافيات العالم العربي من مشرقه إلى مغربه.
وفي إطلالة على الأدب العالمي المعاصر كان حوار العدد مع الشاعر الفرنسي فرنسيس كومب أجراه للمجلة هياسانت شابير وترجمه أيمن حسن، وفيه يتحدث كومب عن مشاغله في الحياة الثقافية والنشر إضافة إلى رأيه في ما يكتبه العرب وسر عدم انتشاره بشكل كاف، كما يتطرق كومب إلى أسرار كتابته للشعر الذي يراه يبدأ بالضرورة من الفكرة.
ونشرت “الجديد” ملفا بعنوان “خيال متوسطي – عرب ويونانيون وإسبان” إلى جوار حوارين حول ترجمة الأدب إلى العربية، الأول مع الكاتب والمترجم المصري من اليــونانية إلى العربيــة خالد رؤوف، والثــــاني مع الكاتب والمترجم الإسباني أغناثيو فيــراندو عـن تـرجمة الأدب الإسباني إلى العربية.
ومن خلال هذين الحوارين نقف على تصورات فكريـة تأتــي من ضفتين من ضفاف المتوسط لواقع وظروف ترجمة أدب متوسطي إلى لغة الضاد، التي سبق لها أن عرفت مع الضفة اليونانية قديما تواصلا وتفاعلا وانفتحت على المنجز الفلسفي اليوناني على نحو رائع. ولعل النموذجين اليوناني والإسباني اليوم إلى جانب الإيطالي مؤخرا من بين أبرز الآداب المتوسطية التي تجدد الثقافة العربية العلاقة المباشرة بهما من خلال الترجمة إلى العربية من دون لغة وسيطة. الحواران ينفتحان على أسئلة الترجمة، وهموم المترجم، والعلاقات بين مترجمي الأدب ومؤسسات الثقافة على الجانبين.
الحوار مع خالد رؤوف يثير قضايا الترجمة من وإلى اليونانية من خلال مساهماته في الترجمة إلى العربية، ويثمّن على نحو خاص الجهود الجبارة التي بذلتها الكاتبة والمترجمة اليونانية بيرسا كوموتسي التي نقلت من العربية إلى اليونانية ما يزيد على أربعين كتابا أدبيا بينها 15 رواية لنجيب محفوظ من دون أي عون أو حتى اهتمام من أي مؤسسة عربية أو يونانية.
نشير هنا إلى كتاب “الرحلة الأوروبية” لفخري البارودي وهو عمل فاز بجائزة ابن بطوطة لأدب الرحلة بمثابة تحقيق ودراسة موسعة لرحلة الزعيم الوطني الدمشقي قام بها الكاتب إبراهيم الجبين، ويغطي الكتاب يوميات الرحلة من دمشق إلى أوروبا ما بين 1911 – 1912. والكتاب يستعيد ملامح من التحولات الكبرى في بلاد الشام عشية انهيار الإمبراطورية العثمانية وولادة الفكرة العربية والتطلعات الحداثية لشخصية عربية استثنائية.
وتثير مقالات العدد جملة من القضايا الفكرية والنقدية الشاغلة، والتي تعكس قلق الفكر ومغامرات النقد في قراءة الظواهر والمشكلات التي تشغل بال الفكر العربي اليوم. وفي نقد الكتب عدد من المطالعات والنقود التي ترصد جديد الرواية والشعر والفكر العربي اليوم.
بهذا العدد تواصل “الجديد” مغامرتها الجريئة في قراءة المنجزات الأدبية والفكرية العربية، والاحتفاء بالإبداع نثرا وشعرا وفكرا يضيء على مشكلات الأدب.