ماكرون يعتذر عن دور فرنسا في مذابح رواندا

اعتراف الرئيس الفرنسي بارقة أمل لباريس من أجل رأب الصدع في العلاقات بين البلدين.
الجمعة 2021/05/28
بداية مرحلة أكثر انفتاحا

كيغالي - شكل اعتراف الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون “بمسؤوليات” بلده في حملة إبادة التوتسي خلال الحرب الأهلية في 1994 في رواندا بارقة أمل لباريس من أجل رأب الصدع في العلاقات بين البلدين، بعدما ظل البلد الأفريقي على مدى عقود يتهم الفرنسيين بالتواطؤ في المذابح التي شهدتها البلاد قبل أكثر من ربع قرن.

وتفتح الخطوة التي جاءت خلال زيارة ماكرون إلى كيغالي المجال أمام استئناف العلاقات مع رواندا، التي وصفها الرئيس الفرنسي ونظيره الرواندي بول كاغامي بأنها “قوية وغير قابلة للعكس” رغم مؤاخذات بعض المنظمات الأهلية حول ضبابية الموقف الفرنسي.

وقال ماكرون الخميس أمام نصب جيسوزي التذكاري لضحايا الإبادة الجماعية في كيغالي “بوقوفي بجانبكم اليوم بتواضع واحترام، جئت للاعتراف بمسؤولياتنا”، مؤكدا في الوقت نفسه أن فرنسا “لم تكن شريكة” في الإبادة التي أوقعت أكثر من 800 ألف قتيل.

ويسعى الرئيس الفرنسي جاهدا لتحسين صورة فرنسا في أفريقيا لكن يبدو أن أمامه الكثير ليفعله خاصة وأن مسألة الاعتذار للجزائر عن الحقبة الاستعمارية لا تزال محل توتر بين الجزائريين والفرنسيين، وتكشف عن ازدواجية المعايير في التعامل مع دول القارة.

ورغم ترحيب كاغامي بخطاب ماكرون أثناء مؤتمر صحافي مشترك، معتبرا أنه ينم عن “شجاعة هائلة وأهم من اعتذار”، لكن إيجيدي نكورانغا رئيس المنظمة الكبرى للناجين من الإبادة “إيبوكا” أبدى أسفه لعدم قيام ماكرون بـ”تقديم اعتذارات واضحة باسم الدولة الفرنسية” أو “طلب الصفح”.

ومع ذلك، رأى نكورانغا في الوقت نفسه أن الرئيس الفرنسي “حاول فعلا توضيح الإبادة ومسؤولية فرنسا. وهذا مهم جدا، إذ يثبت أنه يفهمنا”.

وبرر ماكرون موقفه بالقول إن “الاعتذارات التي يرغب فيها سياسيون فرنسيون أيضا ليست مناسبة” وأنه يفضل “الاعتراف بالوقائع”. وأضاف أنه “بالنسبة للصفح فلست أنا من أمنحه”.

وألقى ماكرون كلمته التي كانت تنتظر بترقب كبير في مستهل زيارته الأولى إلى رواندا، بعدما توجه إلى نصب الإبادة الجماعية على أحد تلال كيغالي، حيث ترقد رفات 250 ألف شخص من أصل أكثر من 800 ألف قتلوا في الإبادة.

وقال إنه يأمل أن يتمكن “الذين عبروا الليل من أن يغفروا لنا”. وأعرب عن أسفه لأن فرنسا “فضلت لزمن طويل الصمت على النظر إلى الحقيقة”.

إيجيدي نكورانغا: ماكرون لم يقدم اعتذارات واضحة باسم الدولة الفرنسية

وكان الهدف المعلن لماكرون “استكمال تطبيع العلاقات بعد نحو 27 عاما من المسافة المريرة من عدم الفهم والمحاولات الصادقة ولكن الفاشلة للتقارب”.

وسبق أن أقر الرئيس الأسبق نيكولا ساركوزي، أول رئيس فرنسي زار كيغالي منذ الإبادة الجماعية، بـ”أخطاء جسيمة” و”نوع من التعامي” من جانب السلطات الفرنسية، كانت لهما “عواقب مأسوية تماما”.

غير أن ماكرون أشار إلى أن فرنسا “لم تكن متواطئة” مع مرتكبي الإبادة، وهو ما أكده تقرير أُعدّ تحت إشراف المؤرخ فينسان دوكلير وصدر في مارس
الماضي.

وقال ماكرون إن “القتلة الذين كانوا يسكنون المستنقعات والتلال والكنائس لم يكن لهم وجه فرنسا. الدماء التي أريقت لم تكن عارا على أسلحة ولا أيدي جنودها الذين شاهدوا هم أيضا بعيونهم الفظائع التي لا توصف، وضمدوا الجراح وكبتوا دموعهم”.

لكنه تابع “في اليوم التالي، بعدما وجد مسؤولون فرنسيون الوضوح والشجاعة لتوصيف ما جرى بالإبادة، لم تحسن فرنسا استخلاص النتائج المناسبة”.

ورأى أن بلاده “إذ أرادت منع وقوع نزاع إقليمي أو حرب أهلية، فقد وقفت فعليا بجانب نظام ارتكب إبادة. وبتجاهلها الإنذارات الصادرة عن المراقبين ذوي الرؤية الأكثر وضوحا، إنما تحملت مسؤولية فادحة في تسلسل أحداث قاد إلى الأسوأ في حين كانت تسعى تحديدا لتداركه”.

وتكريسا لتطبيع العلاقات، أعلن ماكرون تعيين سفير فرنسي قريبا في رواندا، وهو منصب شاغر منذ 2015 بسبب التوتر بين البلدين. وقال “تطبيع علاقاتنا لا يمكن أن يتم دون هذه المرحلة”، في وقت يتولى قائم بالأعمال حاليا تمثيل فرنسا في كيغالي.

غير أن المعارضة في رواندا تأسف لبقاء ماكرون “صامتا حيال السلطة الاستبدادية والانتهاكات لحقوق الإنسان” في عهد كاغامي الذي يترأس البلاد منذ 2000، وبإمكانه البقاء في السلطة حتى 2034 بموجب تعديل دستوري أقر العام 2015.

وقام ماكرون بمبادرة حيال كيغالي العام 2018 إذ أيد انتخاب الرواندية لويز موشيكيوابو على رأس المنظمة الدولية للفرنكوفونيةن في حين تعطي بلادها الأولوية منذ عدة سنوات لتعليم الإنجليزية.

وسعيا لقلب هذا التوجه، دشن ماكرون المركز الثقافي الفرنكوفوني، الذي لن تقتصر مهمته على نشر الثقافة الفرنسية، بل كذلك تشجيع جميع موارد الفرنكوفونية وخصوصا الفنانين في المنطقة.

وكانت مسألة دور فرنسا قبل وخلال الإبادة الجماعية التي أوقعت أكثر من 800 ألف قتيل غالبيتهم الكبرى من التوتسي بين أبريل ويوليو 1994 بحسب الأمم المتحدة، موضع خلاف كبير على مدى سنوات بين البلدين، قادت إلى قطع العلاقات الدبلوماسية بينهما بين 2006 و2009.

لكن الأمور أخذت تتحسن مع بداية ولاية ماكرون الذي باشر سلسلة من المبادرات للخروج من الأزمة، وآخرها صدور تقرير دوكليري الذي خلص إلى “المسؤوليات الجسيمة والمروعة” لفرنسا و”تعامي” الرئيس الاشتراكي حينذاك فرنسوا ميتران ومحيطه حيال جنوح حكومة الهوتو المدعومة آنذاك من باريس، إلى العنصرية والإبادة الجماعية.

وصرح كاغامي في ذلك الحين أن بإمكانه “تقبل” هذه الخلاصات التي أكدها لاحقا تقرير وضعه مكتب محامين بطلب من كيغالي.

5