كائنات تغادر الورق في رف الكتب

تمثل مجموعة “منمنم الوحوش” التي صدرت مؤخرا عن دار العائدون للنشر، بانوراما سردية تضم 30 نصّا للقاص المغربي أنيس الرافعي، وانتُقيت القصص من أبرز كتب الرافعي من قبيل “أشياء تمر دون أن تحدث فعلا” و”مصحة الدمى” و”خياط الهيئات”و”صانع الاختفاءات” وغيرها.
وتتسم النصوص المختارة بأنها ذات افتراضات وجماليات تجريبية هجينة ومتنوعة، تنفتح على تجربة التخوم مع الفنون الموازية، تلك التي “تكدّر صفاء الجنس، وتزيل حواجز النوع، وتضعف مناعة المطلق القصصي المتحصّن خلف أسوار نقائه الزائف”.
وتنضوي القصص عموما ضمن مشغل دينامي، ونظرية شخصية ينعتها صاحبها بـ”فن التجهيز القصصي في الفراغ”. وجميعها سبق أن تُرجمت إلى لغات أجنبية، أو صدرت ضمن مختارات أو أنطولوجيات مترجمة.
وكما كتب الكاتب العراقي أحمد خلف “مَن يعرف كنه البناء السردي، وكيفية تكوين الإيقاع الذي يغري بالقراءة، سيدرك حالا كيف يتأمل أنيس الرافعي كائناته ومخلوقاته الحية وهي تغادر الورق إلى الحيز المادي أو المجال الحيوي”.
يوميات زعيم وطني

كتاب “الرحلة الأوروبية 1911 – 1912” للزعيم الوطني فخري البارودي، يوميات حققها وقدّم لها الكاتب السوري إبراهيم الجبين، وتكتسب قيمة استثنائية، لكونها تعبّر عن جوانب منها أحلام وتطلعات وأفكار شخصية نهضوية سورية ذات تطلع تحرري.
فالرحلة المبكرة إلى أوروبا كانت فرصة للبارودي ليمتحن أفكاره المدنية، ويجد لتطلعاته النهضوية نموذجا. ففي كل سطر من سطور هذه اليوميات ثمة نفحة من أمل وهبة وتطلع، وطرفة تعكس روحا توّاقة إلى الجديد المبتكر في حياة الأمم المتقدمة، وطموح لزمن عربي جديد، عبّرت عنه هذه الشخصية، التي خاضت فور عودتها من أوروبا نضالا مجتمعيا متعدد الأوجه: ثقافي، وفكري، وفني، وسياسي.
وقد جعل البارودي من بيته في دمشق ملتقى للأدباء والمفكرين والفنانين والزعماء السياسيين على مدار أكثر من نصف من الحراك اليومي لأجل المستقبل. وحوّله إلى قلعة في مواجهة الاستعمار الفرنسي والقوى الرجعية معا، فأصبح البارودي بذلك أشهر زعيم دمشقي طوال النصف الأول من القرن العشرين، وبعض النصف الثاني منه.
متحف للأصدقاء
يجول الشاعر البحريني قاسم حداد من خلال كتابه “جوهرة المراصد” برفقة ثلة من أصدقائه، يقف معهم عند حكايات توطّنت في الذاكرة وشكّلت منعطفات في مسيرته.
ويقصّ حداد في كتابه الصادر عن دار روايات في 331 صفحة، حكاية لحظات مؤثرة جمعته بعدد من الأدباء والشعراء والمفكرين العرب، في سرد موجز ولغة شفيفة.
يظهر حداد رسّاما وهو يخطّ كلماته بصدق وعفوية، حتى إن القارئ يبدو وكأنه يجلس بجوار أدونيس ومحمود درويش وسليم بركات ومحمد الماغوط وغيرهم، ويقاسمهم اليومي والعابر والمتخيل والمرئي.
ويعيد الشاعر تأثيث ذاكرته برائحة أصدقائه وأصابعهم المحبرة، ليقصّ على القارئ حكايات تتوارى خلف الأعمال الإبداعية التي صاغها هؤلاء الأدباء الكبار الذين عاصرهم بشكل شخصي، وآخرون لم يسعفه لا الزمان ولا المكان في أن يقاسمهم التجربة، فحضر المتنبي ومايكوفسكي ويسينين، وكان لشعر بوشكين مكان في هذا الكتاب الذي يشبه متحف الذاكرة الفيّاض بالجمال والحبّ والغياب.