تشوهات النظام الضريبي تفاقم الاختلالات المالية المزمنة للأردن

الأردن يعتبر من أكثر الدول في العالم اعتماداً على ضريبة المبيعات في تحقيق الإيرادات الضريبية من مجمل الإيرادات الضريبية التي تحققها الحكومة وهو معدل يفوق السائد.
الجمعة 2021/05/21
مبيعات لا تعكس حجم العوائد الضريبية

تصاعدت ضغوط الأوساط الاقتصادية الأردنية على الحكومة لدفعها إلى الإسراع في إصلاح النظام الضريبي لتعزيز العوائد المالية لموازنة الدولة بعد أن أظهرت أحدث المؤشرات اتساع الفجوة بين حجم الاقتصاد والإيرادات العامة، مما يدل على وجود تسرب مالي يذهب خارج القنوات الرسمية.

عمان- أعطى تقرير أردني حديث صورة صادمة عن ضعف النظام الضريبي المعمول به حاليا والذي أدى إلى نشوء فجوة بين الإيرادات العامة وحجم الاقتصاد الكلي، في بلد يعاني من شح الموارد ويعتمد بشكل مفرط على المساعدات الدولية.

وأكد منتدى الاستراتيجيات الأردني أن النظام الضريبي للبلاد يعاني من عدة مشكلات هيكلية جعلته الأقل تطورا وكفاءة في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، مما ضيع على الدولة تحصيل إيرادات أكبر بسبب سوء الإدارة، في الوقت الذي يرى فيه مراقبون أن البيروقراطية والفساد قد يكونان سببين آخرين لذلك.

وسلط خبراء المنتدى في ورقة بحثية بعنوان “السياسة المالية في الأردن: نحو مقاربة جديدة”، نشرتها وكالة الأنباء الأردنية الرسمية، الضوء على مكامن الخلل في النظام الضريبي، والذي انعكس بوضوح في البون الشاسع في أرقام حجم الاقتصاد والعائدات الضريبية من سنة إلى أخرى.

وأفقدت هذه الاختلالات خزينة الدولة مصدرا مهما للأموال كان من الممكن الاعتماد عليه في وضع الخطط التنموية لتصبح البلاد أحد الاقتصادات الناشئة المليئة بفرص الاستثمار الواعدة.

ويرى محللون أنه لئن كانت هذه المشكلة عامة في كل اقتصادات العالم، وتتضح على وجه الخصوص في المنطقة العربية، فإن تأثيراتها تظهر أكثر إذا تم النظر إلى الشركات التي تستفيد من السياسات المتداخلة والتي تتسبب في ترسخ ظاهرة التهرب الضريبي.

ويقول المنتدى إن إجمالي الإيرادات الضريبية نسبة إلى الناتج المحلي الإجمالي للبلاد يعتبر منخفضا إذا ما قورن بدول غنية مثل الدنمارك على سبيل المثال، حيث يبلغ 46.1 في المئة. وبعض الدول الشبيهة بحالة الأردن، مثل تونس، تحصّل إيرادات ضريبية أعلى بنسبة تساوي 22.8 في المئة.

وتظهر الإحصائيات المستخلصة على امتداد العقدين الأخيرين أن حجم الاقتصاد الأردني ارتفع من 6 مليارات دينار (8.5 مليار دولار) عام 2000 إلى نحو 30 مليار دينار (42.43 مليار دولار) بنهاية العام الماضي، في حين ارتفعت الإيرادات الضريبية خلال الفترة نفسها من 960 مليون دينار (1.4 مليار دولار) إلى 4.96 مليار دينار (7 مليارات دولار).

أما الإيرادات غير الضريبية بالنسبة إلى حجم الاقتصاد وخلال الفترة ذاتها فقد ارتفعت من 1.4 مليار دولار إلى 3.2 مليار دولار فقط.

وتشير الأرقام الواردة في الورقة البحثية إلى أن نسبة الإيرادات غير الضريبية إلى الناتج المحلي الإجمالي في الأردن انخفضت من 10.8 في المئة في السنة المالية 2000 إلى 4.3 في المئة في عام 2020، في حين بقيت نسبة الإيرادات الضريبية إلى الناتج المحلي الإجمالي ثابتة بحدود 15 في المئة خلال العقدين الأخيرين.

وبتحليل تلك الأرقام يتضح أن الفجوة بين حجم الاقتصاد والإيرادات في اتساع مطّرد، وهو ما يدل على وجود ما يمكن وصفه بـ”التسرب المالي”، أي عدم القدرة على تحصيل بعض الإيرادات لأسباب عديدة.

ويعتبر الأردن من أكثر الدول في العالم اعتماداً على ضريبة المبيعات في تحقيق الإيرادات الضريبية، من مجمل الإيرادات الضريبية التي تحققها الحكومة، وهو معدل يفوق السائد في العديد من الدول المشابهة في المنطقة العربية، إذ تعادل هذه النسبة 11.8 في المئة في المغرب و12.8 في المئة في تونس.

وتشكل ضريبة المبيعات مصدر الزيادات الأسمية في إجمالي الإيرادات الضريبية، فقد ارتفعت من 44.35 في المئة في عام 2000 إلى 71.4 في المئة بنهاية العام الماضي.

وكشف تقرير لصندوق النقد الدولي أن حملة مكافحة التهرب الضريبي في الأردن أظهرت وجود نحو 2 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي كإيرادات ضائعة بسبب عدم الالتزام بالإبلاغ عن التزامات ضريبة الدخل.

وتعاني ضريبة دخل الشركات والضريبة العامة على المبيعات من وجود العديد من الأنظمة التفضيلية والإعفاءات التي تضيّق القاعدة الضريبية وتسهم في “تجزئة” النظام، وهو ما نجم عنه نظام ضريبي متداخل وصعب التطبيق وفيه الكثير من التشوهات.

وما يؤكد وجود اختلالات واضحة في النظام الضريبي وكفاءة عملية التحصيل الضريبي هو أن الموظفين العاملين بأجور شهرية يدفعون ضرائب دخل بحوالي 4 أضعاف ما يدفعه الأفراد (المهنيون والشركات الصغيرة والمتوسطة العاملة في القطاع الخاص).

وبلغت الإيرادات الضريبية من الموظفين بأجور شهرية في العام الماضي ما قيمته 2.1 مليون دينار (2.97 مليون دولار)، فيما بلغت الإيرادات الضريبية المحصلة من قطاع الأفراد في العام ذاته ما قيمته 52.6 مليون دينار (74.3 مليون دولار) فقط.

إجمالي الإيرادات الضريبية نسبة إلى الناتج المحلي الإجمالي للبلاد يعتبر منخفضا إذا ما قورن بدول غنية مثل الدنمارك على سبيل المثال

ويبدو أن الأردن في أمس الحاجة إلى التركيز على كفاءة تحصيل الإيرادات والإطار القانوني من خلال الربط بين التشدد في إجراءات التحصيل وتعزيز المنظومة القانونية الضابطة لذلك، وتوضيح المسار القانوني للإجراءات المتبعة وإصدار الإرشادات المتخصصة.

ويؤكد المنتدى أهمية تعزيز كفاءة التحصيل ورفع القدرات المؤسسية لضريبة الدخل من خلال تسهيل المنظومة التشريعية وآليات التطبيق، واتباع مسار إصلاح يوسع قاعدة ضريبة المبيعات العامة وإلغاء أنظمة ضريبة السلع والخدمات التفضيلية الحالية التي تحد من كفاءة التحصيل.

وشدد على أهمية دراسة هيكل الضرائب المتحصلة وعلاقتها بالمتغيرات الاجتماعية والبحث عن السبيل الأمثل لتحسين الأداء وتعزيز الشفافية والمساءلة، مشيرا إلى ضرورة الربط بين الضرائب المحصلة ونوعية الخدمات التي يقدمها القطاع العام في القطاعات الأكثر أهمية بالنسبة إلى دافعي الضرائب مثل البنية التحتية والتعليم والصحة.

10