اندفاعة حماس تعيد إنعاش حظوظ نتنياهو السياسية

منحت حركة حماس باندفاعتها العسكرية قبلة حياة لنتنياهو الذي كان على وشك خسارة كل حظوظه في البقاء في منصب رئيس الوزراء، واليوم يبدو الوضع مختلفا تماما بالنسبة إلى زعيم ليكود لاسيما مع تفكك الجبهة المقابلة التي يقودها منافسه الرئيسي يائير لابيد.
غزة - يصر رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو على رفض كل دعوات التهدئة في قطاع غزة، ويبدو أن هذا الموقف لا ينحصر فقط في رغبة نتنياهو بتوجيه أكبر قدر من الضربات للفصائل الفلسطينية بغاية إضعافها وشل قدراتها الصاروخية، بل للأمر أبعاد سياسية، في علاقة بحسابات زعيم حزب ليكود الحكومية.
وقال نتنياهو في بيان صدر إثر اجتماع في مقر وزارة الدفاع الجمعة “قلت إننا سنكبد حماس ومجموعات إرهابية أخرى خسائر كبيرة.. إنهم يدفعون وسيظلون يدفعون ثمنا باهظا. الأمر لم ينته بعد”.
وكانت مصادر مطلعة كشفت في وقت سابق عن رفض إسرائيل كافة المبادرات والوساطات للتهدئة سواء من مصر أو من غيرها من الدول الأخرى التي توسطت أيضا، حيث يتمسك الجانب الإسرائيلي بالقيام بعملية عسكرية موسعة في غزة يمكنه بعدها العودة إلى التفاوض.
وقال مصدر قريب من وفد أمني مصري اجتمع مؤخرا مع مسؤولين إسرائيليين “من الواضح جليا أن إسرائيل لديها أهداف محددة من الهجوم على قطاع غزة تريد تحقيقها قبل وقف إطلاق النار من بينها تدمير الإمكانيات العسكرية للمقاومة الفلسطينية هناك وبالتحديد من حركة حماس التي أطلقت المئات من الصواريخ منذ الثلاثاء الماضي، بالإضافة إلى استهداف عدد من قيادات الحركة المطلوبين لدى إسرائيل”.
وتوقع المصدر استمرار العملية العسكرية الإسرائيلية عدة أيام يصل بعدها نائب مساعد وزير الخارجية الأميركي للشؤون الإسرائيلية الفلسطينية هادي عمرو إلى تل أبيب لبحث وقف إطلاق النار ووقف التصعيد من الجانبين بعدما تكون إسرائيل قد حققت أهدافها من العملية العسكرية.
ويشهد قطاع غزة منذ الاثنين تصعيدا خطيرا، أودى حتى الآن بحياة أكثر من 121 فلسطينيا بينهم 31 طفلا و19 سيدة، فضلا عن دمار كبير طال 500 وحدة سكنية ما بين هدم كلي وجزئي وتضرر 350 وحدة سكنية بشكل متوسط وطفيف، فيما تم قصف 32 برجا وبناية سكنية وهدمها بشكل كلي.
ويعد الهجوم الإسرائيلي الجمعة الأعنف في تاريخ الهجمات العسكرية الإسرائيلية على غزة من حيث حجم كثافة النيران بالنسبة إلى الوقت المستغرق في تنفيذها.
وانفجر التصعيد على خلفية اقتحام قوات إسرائيلية للمسجد الأقصى الأحد، ومحاولات مستوطنين إخلاء منازل في حي الشيخ جراح بالقدس الشرقية. ولا يستبعد متابعون أن تقدم إسرائيل على شن عملية برية في القطاع، مع حشدها للآلاف من جنود الاحتياط على الحدود مع غزة.
ويرى متابعون أن التصعيد الجاري لا يمكن أيضا قراءته بمعزل عن حسابات نتنياهو السياسية، حيث أن ما يحصل من عنف يخدم حظوظه الحكومية التي سبق وأن تراجعت بعد فشله في مهمة تشكيل حكومة.
ووجهت الأحداث الملتهبة في غزة والضفة الغربية والتي تمددت لمناطق 48 ضربة قوية لجهود يائير لابيد المنافس السياسي الرئيسي لنتنياهو لتشكيل حكومة جديدة والإطاحة بالزعيم الإسرائيلي بعد سلسلة من الانتخابات غير الحاسمة.
وقال نفتالي بينيت رئيس حزب يامينا القومي المتطرف، وأحد صناع الملوك بعد انتخابات برلمانية غير حاسمة في 23 مارس، إنه تخلى عن جهود تشكيل ائتلاف مع أحزاب الوسط واليسار بهدف تشكيل حكومة جديدة.
ولا تزال الساحة السياسية بعد الانتخابات دون تغيير إلى حد ما، إذ حصل نتنياهو على فرصة لتشكيل حكومة وأخفق. والآن لا يملك حزب (هناك مستقبل) المنتمي للوسط بزعامة لابيد أي مسار واضح لتشكيل أغلبية في الكنيست المؤلف من 120 مقعدا.
وقال بينيت، المنتمي لليمين والذي لم يكن دوما على الأرجح على وفاق مع لابيد الأكثر اعتدالا، إنه انسحب من محادثات تشكيل ائتلاف بهدف تشكيل حكومة وحدة أوسع نطاقا بما يخدم مصالح الشعب الإسرائيلي الذي يواجه أزمة.

ويترك هذا التطور المجال مفتوحا أمام احتمال إجراء انتخابات جديدة ستكون الخامسة في غضون ما يزيد بقليل على العامين.
ويقول المتابعون إن انهيار شراكة لابيد – بينيت في أعقاب العنف الجاري يمنح نتنياهو وقتا إضافيا لاتخاذ خطوة سياسية تبقيه في السلطة.
وقال بن كاسبيت المعلق في صحيفة معاريف الجمعة “من لحظة اشتعال (النار) ماتت حكومة التغيير وعادت (حكومة) نتنياهو إلى الحياة”.
وأمام لابيد ثلاثة أسابيع متبقية من تكليف مدته 28 يوما من الرئيس الإسرائيلي لمحاولة تشكيل ائتلاف حاكم. وكان اتفاق للتناوب على رئاسة الوزراء بين لابيد وبينيت مطروحا للمناقشة لكنه سيحتاج إلى دعم النواب العرب للحصول على أغلبية برلمانية.
ونقلت وسائل إعلام إسرائيلية عن بينيت قوله الخميس إن الصراع الحالي مع الأقلية العربية في إسرائيل التي تمثل 21 في المئة من السكان سيجعل تشكيل مثل هذه الحكومة مستحيلا.
وفتحت أعمال العنف بين إسرائيل وغزة جبهة جديدة بتأجيج التوتر بين اليهود الإسرائيليين والأقلية العربية. وتعرضت معابد للهجوم واندلعت اشتباكات في الشوارع مما دفع الرئيس الإسرائيلي للتحذير من حرب أهلية.
وقال منصور عباس، الذي يرأس القائمة العربية الموحدة، للقناة 12 في التلفزيون الإسرائيلي إن بينيت اتصل به ليقول إن ما يسمى “بحكومة التغيير” مع لابيد أصبحت الآن “غير مطروحة على الطاولة”.
وفي كلمة نقلها التلفزيون، عبّر لابيد عن أسفه لقرار بينيت لكنه قال إنه سيواصل جهوده لتشكيل ائتلاف. ولا يرى المعلقون السياسيون الإسرائيليون فرصة تُذكر أمامه للنجاح.
ويعتبر كثيرون أن حماس منحت باندفاعتها العسكرية نتنياهو قبلة الحياة حيث أنها مكنته من فرصة استعادة زمام الأمور، بعد أن اضمحلت حظوظه في منصب رئيس الوزراء.