الأوضاع الداخلية المقلقة والتحولات الإقليمية تدفع عمان صوب دمشق

عمان - تسارع عمان هذه الأيام لتعزيز التقارب مع دمشق مدفوعة بجملة من العوامل الداخلية والمتغيرات الإقليمية التي يسعى الأردن لمواكبتها وعدم التخلف عنها. وترجمت خطوات المملكة في عدة إجراءات لعل من بينها وقف حظر استيراد السلع من سوريا، ولجم تحركات النشطاء السوريين المناهضين لنظام الرئيس بشار الأسد، وحصرهم في أحد مخيمات اللجوء.
وشهدت العلاقة بين الأردن وسوريا تذبذبا على مدار السنوات العشر الماضية، حيث غلب عليها التوتر في السنوات الأولى من اندلاع الأزمة في سوريا في العام 2011، رغم أن الأمر لم يصل إلى حد إعلان قطيعة تامة، لتنفرج الأمور نسبيا بين الجانبين مع تغير المشهد الميداني لصالح النظام السوري بعد تدخل روسي مباشر في الأزمة في العام 2015.
ويقول محللون أردنيون إن عمان لم تكن منذ البداية متحمسة لما يجري في البلد الجار، خصوصا وأنها سبق أن ضاقت مرارة الأمر، حيث كانت أبرز المتضررين من انفجار الأوضاع في العراق نتيجة الاحتلال الأميركي في العام 2003، وانهيار نظام الرئيس الراحل صدام حسين، الذي شكل على مدى عقود الرئة التي يتنفس منها الأردنيون، لاسيما اقتصاديا.
ويشير المحللون إلى أنه مع انفجار الأزمة في سوريا لم يكن لدى عمان الكثير من الخيارات سوى التفاعل مع التطورات، في ظل التفاف دولي على دعم القوى الداعية للتغيير، فكان أن فتح الأردن المجال لغرفة “موك” التي تشرف على الفصائل في الجنوب السوري ومحيط دمشق، وحرص على تحقيق بعض المكاسب من هذه الخطوة، لاسيما لجهة توثيق روابطه مع عشائر المنطقة، وتحويل نفسه رقما جديرا بالحضور هناك.
ويلفت المحللون إلى أنه ومع التدخل الروسي، وعدم استشعار وجود رغبة حقيقية للولايات المتحدة في الإطاحة بنظام الأسد، وأن جل التفكير الأميركي يتمحور حول كيفية إدارة الصراع بدل حسمه، بدأت عمان تعيد النظر في استراتيجيتها، وكان أن شاركت في التوصل إلى اتفاق تسوية في العام 2018 تم بموجبه تسليم المنطقة الجنوبية للنظام.
وشكل ذلك الاتفاق مقدمة لانفراجة على صعيد العلاقات الأردنية السورية، فكان أن تقرر فتح معبر جابر نصيب الحدودي، بيد أن الأمور لم تجر كما ترغب عمان في ظل وجود موانع كثيرة تحول دون عودة العلاقات مع دمشق إلى طبيعتها، لعل في مقدمتها الموقف الأميركي المتشدد حيال هذه الخطوة، والانقسام العربي.
فتح باب الاستيراد من سوريا سيضمن استيراد سلع بأسعار مخفضة، كما أنه يخفض من الأعباء المالية على المستوردين
ويقول المحللون إنه رغم ذلك حرصت عمان على مدى السنوات الثلاث الماضية على الحفاظ على الحد الأدنى من العلاقات مع دمشق، من خلال زيارات الوفود غير الرسمية، لكن الأمر لم يكن يلقى قبولا لدى النظام السوري الذي يطمح للمزيد في سياق مساعيه لكسر العزلة العربية التي تطوقه.
وعن التحول الملموس مؤخرا في الموقف الأردني وسعيه لتعزيز انفتاحه على دمشق، يشير المحللون إلى أن جملة من العوامل ساهمت في التغير المسجل حاليا، لعل في مقدمتها الأوضاع غير المستقرة داخل المملكة والتي فضحتها أحداث “الفتنة” التي جرت الشهر الماضي والتي شكلت بمثابة ناقوس خطر لدى صناع القرار في المملكة.
وواجهت المملكة في أبريل الماضي هزة غير مسبوقة، من خلال الكشف عن مخطط لإحداث فتنة في البلاد اتهم بالتورط فيه ولي العهد السابق الأمير حمزة بن الحسين، وعدد من المسؤولين والشخصيات العشائرية.
ورغم أن الكثير من الغموض ما يزال يحيط بتفاصيل تلك الأحداث، وسط شكوك في جدية تلك التهديدات، بيد أن ذلك كشف الغطاء عن وضع مقلق داخل المملكة، وخصوصا التململ الحاصل في صفوف العشائر والمناطق الطرفية، وهو الأمر الذي قد يؤدي لانفجار على المدى المنظور، في ظل وضع اقتصادي يزداد تعقيدا.
ويقول كثيرون إن ما حصل هز القصر واضطره الى التحرك على عدة مستويات في الداخل وأيضا في الخارج لاسيما مع الجوار الرخو، لافتين إلى أن دمشق بدورها سعت للعب على وتر مخاوف المملكة، من خلال التلويح بشكل غير مباشر بوقف الحركة التجارية مع عمان، والتركيز مستقبلا على العراق الذي يشكل هو الآخر بوابة عبور للبضائع السورية لاسيما للدول الخليجية، في ظل امتعاض سوري من الإغلاقات المتكررة لمعبر جابر نصيب، والرسوم الجمركية الباهظة المفروضة على التجار السوريين.

هذا التهديد السوري جعل عمان تعيد النظر في سياساتها فكان أن أوفدت مبعوثيين لحل القضايا الخلافية على مستوى التبادل التجاري، وهو ما تحقق على مستوى فتح معبر جابر نصيب وأيضا السماح باستيراد السلع السورية.
وقالت غرفة تجارة الأردن الأحد إن فتح باب الاستيراد من سوريا سيضمن استيراد سلع بأسعار مخفضة، كما أنه يخفض من الأعباء المالية على المستوردين خصوصا المتعلقة بكلف الشحن وتقليص المدد الزمنية لوصول البضائع.
وأعلن رئيس الغرفة نائل الكباريتي أن قرار الحكومة الأردنية السماح باستيراد سلع من سوريا لن يؤثر على المنتج المحلي في البلاد. وأضاف الكباريتي أن السلع التي سمح باستيرادها من سوريا هي بالأصل يجري استيرادها من الخارج.
خطوات الأردن لم تتوقف عند حلحلة المشاكل التجارية التي تنغص على العلاقات مع سوريا، بل طالت أيضا النشطاء المعارضين للأسد داخل المملكة، والذين لطالما كان وجودهم يشكل حجر عثرة أمام العلاقات بين دمشق وعمان.
واتخذت عمان مؤخرا قرارا بترحيل عدد منهم بينهم حسنة الحريري المعروفة بـ”الخنساء” إلى مخيم الأزرق للاجئين، في ظل اتهامات يواجهونها بالتواصل مع معارضين في الداخل السوري، وتم توجيه أمر لأولائك النشطاء بالتوقف عن نشاطات قد يفهم منها استهداف لدمشق.
ويرى المحللون أن التغير في الموقف الأردني حيال سوريا، لا يمكن قراءته أيضا بمعزل عن الاختراقات الجارية في المنطقة سواء على مستوى العلاقة مع إيران، أو مع سوريا نفسها حيث كشفت أوساط مسؤولة عن لقاءات عقدت مؤخرا في العاصمة دمشق بين مسؤولين سوريين وسعوديين تمهيدا لتطبيع العلاقات بين البلدين وإعادة فتح السفارة السعودية.
ويشير المحللون إلى أن تحرك الأردن نابع بدرجة كبيرة من مخاوف من أن تتجاوزه التطورات، وأن تفاجئه الأحداث، ومن هنا يرى أن الإقدام على خطوات لتعزيز التقارب دون الاندفاع بشكل مبالغ بات مطلوبا.
وقال عضو الوفد السوري في لجنة مناقشة الدستور المصغرة محمد خير العكام في تصريحات لصحيفة “الوطن” القريبة من الحكومة السورية إن تحركات الأردن “خطوة في الاتجاه الصحيح”، لافتا إلى أن هناك “شيئا في الداخل الأردني جديدا” خاصة بعد الهزة الأخيرة.