نواب تونسيون يتهمون الغنوشي بالاستعانة بأمن مواز لإسكات أصوات المعارضة

رئيس البرلمان التونسي يصدر قرارا بتعيين 24 عونا من الإدارة لحفظ النظام في المؤسسة التشريعية.
السبت 2021/05/01
تجاوز للسلطة وخرق للقانون

تونس - وجه عدد من النواب التونسيين انتقادات شديدة لرئيس البرلمان راشد الغنوشي على خلفية إصداره قرار تعيين أعوان من الإدارة لحفظ النظام في المؤسسة التشريعية، في خطوة تمثل تصعيدا لوتيرة الأزمة بين الغنوشي وخصومه، خاصة أنها مخالفة للقانون الذي يعطي للأمن الرئاسي وحده صلاحية حماية النظام داخل البرلمان.

وكشفت وثيقة مسربة تم تداولها عبر مواقع التواصل الاجتماعي، عن تحديد رئيس البرلمان راشد الغنوشي قائمة بـ24 شخصا، مكلفين بحفظ النظام بالبرلمان.

وجاء في الوثيقة المعنونة بـ"مذكرة تنفيذية تتعلق بضبط قائمة الأعوان المكلفين بحفظ النظام بمجلس نواب الشعب"، أن هذا القرار جاء تطبيقا لمقتضيات الفصل الثاني من قرار رئيس المجلس المؤرخ في 30 مارس الماضي والمتعلق بضبط قواعد وإجراءات حفظ النظام في البرلمان.

ووصفت البرلمانية مريم اللغماني، المذكرة التنفيذية الصادرة عن رئيس البرلمان، بـ"فضيحة الغنوشي".

وكتبت في تدوينة عبر صفحتها بموقع فيسبوك أن الغنوشي يمر إلى تأسيس أمن مواز بالبرلمان للجم أفواه المعارضين، مشيرة إلى "أنه لم يفهم أن صلاحياته مقتصرة على تنظيم العمل والإمضاء على المراسلات".

واعتبر النائب حسونة الناصفي رئيس كتلة الإصلاح (كتلة ليبرالية)، أن "استقالة الغنوشي أصبحت تفرض نفسها أكثر من أي وقت مضى"، مشيرا إلى تواصل التراكمات والعطالة على مستوى المجلس وسوء إدارة الأزمات، متهما الغنوشي بالكيل بمكيالين في التعامل مع الكتل وبعدم المساواة بين النواب.

وقال الناصفي في تصريحات لإذاعة "إي.أف.أم" المحلية "هذا الوضع لا يمكن أن يتواصل، ولا يمكن تحميل البلاد أكثر مما تحتمل بوجود الغنوشي على رأس البرلمان التونسي". 

وأضاف أن "الوثيقة التي صدرت مؤخرا والمتعلقة بتعيين أعوان لحفظ النظام، تؤكد مرة أخرى أننا أمام رئيس برلمان لا يمكنه إدارة الأزمات ولا يمكنه أن يدير الخلافات بطريقة سلسلة"، لافتا إلى أن هذا ما جعل البعض ينصحه بأخذ قرار استقالته مأخذ الجد.

وأوضح الناصفي أن اثنين من المجموعة أصبحا موجودين باستمرار أمام باب قاعة الجلسات العامة.

ويرى محللون ومراقبون أن هذا التعيين قرار سياسي يرمي إلى إقصاء النواب المحتجين على سياسة الغنوشي على غرار رئيسة الحزب الدستوري الحر عبير موسي والنائب اليساري منجي الرحوي، وإسكات الأصوات المعارضة.   

ويؤكد متابعون أن هذا الإجراء "غير القانوني" هو تعد على صلاحيات الأمن الرئاسي (التابع لرئاسة الدولة) في إطار الصراع المفتوح بين الرئيس قيس سعيد والغنوشي، كما أنه يغذي وجود أمن مواز داخل البرلمان يعمل لأجندات الإخوان فقط.

واعتبر المحامي والنائب السابق رابح الخرايفي في تدوينة نشرها على حسابه بموقع فيسبوك، أن قرار الغنوشي إنشاء هذه القوة تجاوز للسلطة وانحراف بها وخرق للقانون والنظام الداخلي.

وأشار الخرايفي إلى أن "القرار سيطرح عدة مشكلات خطيرة، وهي أنه كيف سيتعامل هؤلاء الأعوان الإداريون مع النواب الذين يرفضون الامتثال لأوامرهم"، موضحا "سيكون هناك عنف متبادل بين الطرفين، يستوعبها القانون الجزائي ويحال الطرفان على القضاء، فيمكن أن يوقف العون الإداري بينما يتحصن النائب بالحصانة البرلمانية".

وأضاف أنه "من حيث الاختصاص فإنه ليس من صلاحيات رئيس مجلس نواب الشعب إنشاء مثل هذه القوة الأمنية، لأن إنشاءها احتكار مطلق للدولة حسب الفصل 17 من الدستور. هذه القوة الجديدة تعد ميليشيا وهذا منزلق خطير".

وتتزامن هذه الخطوة، مع قرار منع مرافقة أعوان الأمن الرئاسي لرئيسة كتلة الدستور الحر داخل البرلمان، ما اعتبرته الأخيرة، "إشارة من الإخوان لتصفيتها جسديا".

وكانت موسي قد أكدت في تصريحات على فيسبوك بأن حياتها معرضة للتهديد بالقتل، وأن أطرافا إخوانية تقوم بتهديدها يوميا وتمنعها من ممارسة عملها كنائبة داخل مجلس نواب الشعب.

وتعرضت موسي إلى إجراءات عقابية من قبل إدارة الغنوشي خلال شهر مارس الماضي بمنعها من حضور ثلاث جلسات عامة بعد فضحها لتجاوزات حركة النهضة الإسلامية وتسلل الأجندات الإخوانية إلى عمل المجلس. 

ويعد القرار غير بعيد عن تمشي حركة النهضة الإسلامية، منذ وصولها سدة الحكم في تونس أواخر سنة 2011، حيث عمد وزير الداخلية الأسبق علي العريض إلى تطعيم المؤسسة الأمنية بعناصر تعمل لحساب حركة النهضة.

وكشف نشطاء في النقابات الأمنية التونسية (جهاز نقابي خاص بالأمنيين) عن وجود قرابة 300 عنصر من الجهاز السري الإخواني تم إدخالهم للمؤسسة الأمنية لقمع أي احتجاجات تقوم ضد حركة النهضة.

وأكد هؤلاء أن حزب النهضة يعمل منذ 10 سنوات من أجل التمكن من وزارة الداخلية وتوظيفها لخدمة مصالح الحزب الضيقة.

ويرى متابعون أن هذا القرار سيقوي جبهة الرفض لتواجد الغنوشي على رأس البرلمان، وسيعيد من جديد مسألة سحب الثقة منه بعد أن بلغت قائمة الموقعين على إزاحته 104 أصوات. 

وكانت النائب عن حزب التيار الديمقراطي سامية عبو قد أعلنت في مطلع شهر أبريل عن تجاوز القائمة لمئة نائب، وذلك على خلفية التجاوزات الخطيرة لرئيس المجلس راشد الغنوشي.