الصداقة بين برلمانات تركيا ومصر وليبيا لا تكفي لطي الخلافات

القاهرة – بدأت تركيا تحركات طموحة للتسلل الناعم إلى كل من مصر وليبيا بعد أن أبدت رغبة في وقف فصل مثير من المشاغبات الأمنية والسياسية في المنطقة، معتقدة أن الاستدارة الجديدة تطوي عددا من صفحات الخلاف المعقدة، وترسم صورة ذهنية تمكنها من استكمال تصوراتها بأساليب أخرى مع البلدين.
وتبنّى البرلمان التركي الأربعاء خطوة للتقارب الرمزي مع مصر، وقرر بالإجماع تشكيل لجنة صداقة مع نظيريه في كل من مصر وليبيا، قبل أيام من عقد أول لقاء رسمي بين ممثلي وزارة الخارجية في مصر وتركيا في الأسبوع الأول من مايو.
وتقدم حزب العدالة والتنمية الحاكم باقتراح إلى البرلمان التركي الأسبوع الماضي لتشكيل لجنة صداقة مع نظيره المصري، لكن المقترح اتسع بعد ذلك ليشمل البرلمان الليبي، في محاولة لإيجاد مساحة رمزية مشتركة بين الدول الثلاث.
وقال عضو لجنة الدفاع والأمن القومي في البرلمان المصري اللواء يحيى الكدواني، إن البرلمان المصري سيرد على الخطوة التركية بعد دراسة الأمر على مستوى الأعضاء والتعرّف على توجه السياسة الخارجية للدولة بشأن العلاقة مع تركيا.
وأضاف في تصريح لـ”العرب”، أن البرلمان “يرحب بأي مبادرات على المستوى الشعبي بعيدا عن سياسات أردوغان العدائية ضد الأمن القومي المصري وممارساته المغتصبة لحقوق الشعوب العربية، وأن تأثير المبادرة إيجابا أو سلبا يتوقف على ما يطرحه الجانب التركي من قضايا مشتركة للنقاش”.
وأكد أن تراجع أنقرة عن أدوارها العدائية “شرط أساسي للتطور في العلاقات، وكل فعل ملموس على الأرض سيقابله انفتاح مصري، وفي كل الحالات سيظل القرار النهائي بيد السلطة السياسية التي تحدد بوصلة العلاقة مع تركيا الفترة المقبلة”.
وتحمل خطوة البرلمان التركي دلالة معنوية للاعتماد على الدبلوماسية الشعبية، لكن مردودها قد لا يكون مؤثرا بسبب التباين في التوجهات السياسية لبرلمانات الدول الثلاث.

اللواء يحيى الكدواني: البرلمان يرحب بأي مبادرات بعيدا عن سياسات أردوغان
ويحظى حزب العدالة والتنمية بأغلبية داخل البرلمان التركي، غير أن به معارضة يمكنها توظيف مسألة الصداقة في قضايا قد تحرج الرئيس رجب طيب أردوغان وحزبه مع القاهرة، وانتقدته بحدة وحمّلته مسؤولية تخريب العلاقات مع مصر جراء دعمه الكبير لجماعة الإخوان.
كما أن البرلمان المصري وغالبيته الكاسحة مؤيدة للنظام الحاكم، لن يقدم على أي فعل يعكس الصداقة دون إشارة واضحة من الحكومة، وهو ما يتوقف على حجم التطور في القنوات الأمنية الخلفية وتوابعها اللاحقة.
وتعوق الانقسامات التي لا تزال بقاياها تعصف بالبرلمان الليبي تمكين لجنة الصداقة من أداء مهامها، فهناك مؤيدون ورافضون لتركيا، ما يجعل فكرة التعاون من خلال البرلمان قليلة الفائدة وتنحصر في الأعضاء الموالين لتركيا.
وأوضح محمد عامر العباني عضو مجلس النواب الليبي، أن تشكيل لجان في البرلمان التركي شأن سياسي داخلي خاص بأنقرة “ولا يعني أن تستقبل مصر وليبيا تلك اللجان بترحيب أو تعمل في ظلها أو تقيم معها علاقات”.
وشدّد في تصرح لـ”العرب” على أن الفكرة التركية لا تتسم بالنضج كي يتقبلها البرلمان الليبي، فالجراح العميقة يجب أن تضمد أولا كي تحقق الفكرة أهدافها وما تصبو إليه أنقرة من تفعيل لأدواتها الناعمة.
ويقول مراقبون إن أنقرة تحاول إعادة صياغة علاقتها مع القاهرة وطرابلس، وحل التناقضات التي تعتري تطويرها مع الأولى، وتهدئة الرفض العارم لها من جانب مسؤولين في السلطة التنفيذية الجديدة في الثانية، وعبّرت عنها وزيرة الخارجية نجلاء المنقوش أخيرا بتأكيدها على رحيل القوات التركية وفرق المرتزقة التي ترعاها.
ويشير المراقبون إلى أن تركيا تريد الحفاظ على مصالحها مع مصر وليبيا بشتى الطرق، ووجدت في توسيع نطاق العلاقات من خلال قنوات غير معتادة قد يسهم في تخفيف حدة الاحتقان معها، ويمنح القنوات السياسية والأمنية قوة دفع غير تقليدية.
وكشفت مصادر مصرية لـ”العرب”، أن تركيا على قناعة بأن استمرار وجودها في ليبيا يمر عبر التقارب مع مصر أولا، وتسعى الحكومة الليبية إلى إحداث توازن في المصالح مع الجانبين، ومنح أولوية للمجال الاقتصادي الذي لا يثير حساسية كبيرة.
وذكرت المصادر أن أنقرة تعلم أن توطيد العلاقات مع القاهرة مدخلها المهمّ لتخفيض مستوى الرفض لها في ليبيا، وكل خطوة أمنية أو برلمانية تقربها من مصر ستكون لها انعكاسات إيجابية على حضورها في ليبيا.
ولا تعارض القاهرة إقامة علاقات شعبية ودبلوماسية مع تركيا، إذا أوقفت التدخلات في الشؤون العربية، وأخرجت قواتها من ليبيا، وأوقفت غطرستها في شرق المتوسط، وقبلت بالقوانين الدولية التي ترسم الحدود والاستكشافات البحرية، وتمتنع عن المتاجرة بورقة الإخوان وتقوم بتسليم مطلوبين دون مناورات.
وذكر المتحدث باسم الرئاسة التركية إبراهيم قالين قبل أيام أن تطبيع العلاقات مع القاهرة “ينعكس إيجابا على الوضع في ليبيا”، بعد تصريحات سابقة أشار فيها إلى أن المحادثات التي ستُجرى في القاهرة “ستساعد في جهود إنهاء الحرب في ليبيا”.
وتدرك تركيا طبيعة الجغرافيا السياسية، وأن لمصر حدودا برية طويلة مع ليبيا تصل إلى 1200 كم، ما يشكل تهديدا أمنيا مباشرا لها، ولذلك تتفهم دواعي إنهاء الأزمة في ليبيا، لكن أنقرة تريد تطويع الأزمة ومخرجاتها لصالحها، ما يعني أن لجنة الصداقة لن تكفي لطفي صفحة قاتمة واحدة من صفحات الخلاف المتعددة.