وكالة الأناضول تنكر حق الرد الفرنسي على هجماتها الإعلامية

تعتبر وكالة الأناضول ووسائل إعلام تركية تغطيتها المكثفة للإسلاموفوبيا الفرنسية وانتقادها المستمر للسياسات الفرنسية حقا بموجب حرية التعبير والإعلام، لكنها في المقابل ترفض الرد الفرنسي على هذا التقرير وتصفه بالاستهداف المباشر لها، في حين يلتزم الطرفان الصمت حول الأسباب الحقيقية للحرب الإعلامية بينهما.
باريس – أبدت وكالة الأناضول التركية الرسمية انزعاجها مما أسمته استهداف المؤسسات الفرنسية لها بعد سيل من التقارير الإعلامية التي هاجمت فيها باريس وقالت إنها مجرد “نقل الضغوط التي يتعرض لها المسلمون والأتراك إلى الرأي العام العالمي، عبر أخبار وتعليقات أعدتها ضمن إطار حرية الصحافة”.
واختصرت وكالة الأناضول ووسائل الإعلام التركية الأخرى المقربة من الحكومة أسباب الحرب الإعلامية بالقول إن “نتيجة انتقاد السياسات التمييزية والمعادية للإسلام التي شهدت تزايدا في الآونة الأخيرة، تفضل فرنسا استهداف وسائل الإعلام العالمية التي تتناول هذه القضايا”.
واعتبرت أن “إدارة باريس، المدافعة عن حرية التعبير في جميع المنصات، استهدفت الأناضول على خلفية إعدادها أخبارا عن التطورات الأخيرة في فرنسا، أجرت خلالها لقاءات مع الضحايا وتتبعت الخطوات الملموسة التي اتخذتها المؤسسات المعنية“.
لكن في الأشهر الأخيرة بلغت العلاقات الفرنسية التركية مستويات غير مسبوقة من التوتر في خضم الحرب الكلامية بين زعيمي البلدين. إذ لم يتوقف الرئيسان عن إطلاق تصريحات نارية وجه بها كل من أردوغان وماكرون سهام انتقاداته لنظيره بطريقة تبتعد في أحيان كثيرة عن تقاليد وبروتوكولات الدبلوماسية.
وتتخطى أسباب الحرب الإعلامية بين البلدين ما زعمته الأناضول بشأن الإسلاموفوبيا الفرنسية، لتتضح في تضارب المصالح الفرنسية التركية في ملفات سياسية إقليمية، أبرزها النزاع على منابع الطاقة في شرق المتوسط والدور العسكري التركي في ليبيا.
وبلغ التصعيد مستوى غير مسبوق عندما دعا الرئيس التركي رجب طيب أردوغان الفرنسيين للتصويت ضد رئيسهم مانويل ماكرون في الانتخابات القادمة، التي من المتوقع أن يسعى خلالها ماكرون لولاية ثانية.
وقال أردوغان لصحافيين في إسطنبول بعد مشاركته في إحدى صلوات الجمعة في كاتدرائية آيا صوفيا السابقة التي تم تحويلها إلى مسجد في يوليو 2020، إن “ماكرون مشكلة بالنسبة إلى فرنسا. مع ماكرون، تعيش فرنسا فترة خطرة جدا. آمل أن تتخلص فرنسا من مشكلة ماكرون في أقرب وقت ممكن”.

أسلي أيدينتاسباس: التراشق الكلامي يخدم مصالح كل من أردوغان وماكرون على المستوى الداخلي وعلى مستوى التأثير الخارجي
وأجج أردوغان التوتر ضد ماكرون عقب الاعتداءات الإرهابية التي شهدتها فرنسا في أكتوبر الماضي، عندما قام متطرف بقطع رأس مدرس التاريخ صامويل باتي عقب عرضه رسوما كاريكاتورية عن النبي محمد على طلابه ضمن درس عن حرية التعبير، وقيام متطرف آخر بعد أيام بالهجوم بسكين على كنيسة نوتردام بمدينة نيس جنوب البلاد وأسقط ثلاثة قتلى.
وتنقل وكالة الأناضول التصريحات المهاجمة لفرنسا إضافة إلى التركيز المكثف على الأحداث التي تتعلق بالإسلاموفوبيا والإجراءات الفرنسية بخصوص المسلمين، قائلة إنها “وكالة أنباء دولية، تقوم بإيصال المعلومات للرأي العام العالمي ضمن إطار حرية التعبير واستنادا إلى مبادئ النشر الموضوعي”، في حين أنها لا تخفي اللهجة الحادة في هذه التقارير.
وأفاد رئيس مجلس إدارة وكالة الأناضول مديرها العام سردار قره غوز “أثارت هذه الممارسات الكثير من الانتقادات، وعلى هذا المنوال أدت وكالة الأناضول واجبها في إيصال المعلومات الصحيحة للرأي العام على أكمل وجه”.
وتابع “قد يثير محتوى وكالة الأناضول بشأن التمييز والإسلاموفوبيا حفيظة بعض الحكومات”.
وذهب إلى القول إن على هذه الحكومات تجنب التحريض على التمييز والإسلاموفوبيا، وتنظيم لوائح ديمقراطية حول المواضيع التي تتضمنها أخبار الأناضول عوضا عن مهاجمتها.
وتابع أن كافة وسائل الإعلام العالمية وليست الأناضول فقط، تابعت عن كثب الممارسات التي جرت باسم مكافحة الإرهاب ومشروع قانون “الانفصالية” أثناء مرحلة المصادقة من قبل الجمعية الوطنية الفرنسية.
لكن حديث قره غوز تجاهل أن تغطية وسائل الإعلام التركية لهذه الأحداث وتداعياتها في مختلف دول العالم تفوق أيا من وسائل الإعلام الدولية الأخرى، وهو ما أثار الغضب الفرنسي.
كما انتقدت الأناضول بيان اللجنة المشتركة بين الوزارات لمنع الجريمة والراديكالية (CIPDR) التابعة لوزارة الدولة لشؤون المواطنين في فرنسا، التي قالت فيه إن منشورات الأناضول “هاجمت فرنسا”.
وبدا انزعاجها واضحا من برنامج بثته محطة “فرانس5” الفرنسية العامة في 23 مارس الماضي بعنوان “السلطان أردوغان الذي يتحدى أوروبا”، قالت فيه إن الأناضول “أنتجت أخبارا كاذبة عن فرنسا” و”قامت بكل شيء لإظهارها كمعادية للإسلام”.
ووجه الرئيس الفرنسي تحذيرا لأنقرة بشأن التدخل التركي في الانتخابات الرئاسية الفرنسية العام المقبل، متهما إياها بنشر الأكاذيب عبر وسائل الإعلام التي تسيطر عليها الدولة.
ودعا ماكرون خلال مقابلة مع منصة “بروت” الإعلامية عبر الإنترنت، نظيره التركي أردوغان إلى التحلي بـ”الاحترام”، موضحا “مجتمعاتنا تزداد عنفا وهذا مرده أيضا إلى أن القادة يشكلون مثالا على العنف وأظن أن الحروب الكلامية بين القادة السياسيين ليست الوسيلة الناجعة”.
ويعتبر الإعلام التركي أن لديه كامل الحق بانتقاد المؤسسات والسياسات الفرنسية ومهاجمتها في كل مناسبة، وفي نفس الوقت يسحب هذا الحق من الإعلام الفرنسي عند التعامل بالمثل، حيث دعا رئيس دائرة الاتصال في الرئاسة التركية فخرالدين ألطون فرنسا لوقف استهداف “وكالة الأناضول” والترويج للإسلاموفوبيا عبر أجهزة الدولة، زاعما أن باريس تواصل سياستها القمعية تجاه المسلمين في المؤسسات الإعلامية أيضا.
الرئيس الفرنسي وجه تحذيرا لأنقرة بشأن التدخل التركي في الانتخابات الرئاسية الفرنسية العام المقبل، متهما إياها بنشر الأكاذيب عبر وسائل الإعلام التي تسيطر عليها الدولة
وقال ألطون عبر تويتر الأربعاء “لماذا تُزعج أخبار وكالة الأناضول فرنسا؟ نحن نسأل.. هل هذا هو فهمكم لحرية الصحافة؟”.
غير أن متابعين اعتبروا أن خلف هذه المزاعم والتصريحات بين الطرفين وإذكاء نار العداء بين أردوغان ومانويل، هناك رغبة لدى كل منهما في زيادة شعبيته داخليا.
وقالت أسلي أيدينتاسباس الزميلة في المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية في تصريحات سابقة لصحيفة واشنطن بوست “وجد كل من ماكرون وأردوغان في الآخر العدو المثالي. هذا التراشق الكلامي يخدم مصالح كل من الزعيمين بشكل غريب، على المستوى الداخلي وعلى مستوى التأثير الذي يسعى كل منهما لعرضه خارجيا”.
واعتبر الدكتور إيان ليسر المدير التنفيذي ونائب رئيس صندوق جيرمان مارشال أن لجوء أردوغان للانتقادات الدبلوماسية اللاذعة ليس بالأمر الجديد، إذ أن لديه نزعة “لاستخدام خطابه الشخصي كجزء من سياسته الخارجية”.
وأضاف “التوتر الفرنسي التركي ناجم جزئيا عن الشخصية… في بعض النواحي، يأخذ أردوغان هذا الخلاف بشكل شخصي، مع زيادة ضيقه بالغرب وموقع تركيا فيه، ويرى في فرنسا وقيادتها تمثيلا لكل ما يكرهه في أوروبا، حضاريا وسياسيا وجيوبوليتيكيا”.