التجربة الصوفية معين خصب لنصوص الشعر المغربي

ندوة "الشعر والصوفية" تشكل تحفيزا مضاعفا للتفكير في المنجز الشعري المغربي، على مختلف مرجعياته وتجاربه.
الجمعة 2021/04/16
الشعر روح وفكر (لوحة للفنان نجا المهداوي)

مراكش – تنظم دار الشعر بمراكش، ضمن سلسلة “ندوات” والخاصة ببرمجتها للموسم الرابع والتي تستقصي الخطاب الشعري، ندوة “الشعر والصوفية: الإقامة في القصيدة”، والتي تعرف مشاركة النقاد والباحثين خديجة توفيق ومنير عشقي ومحمد محي الدين، للحوار والنقاش واستقصاء سمات هذا الحوار الدائم المفتوح بين الشعر المغربي والصوفية.

وسيحتضن مقر دار الشعر بمراكش (المركز الثقافي الداوديات)، فعاليات هذه الندوة العلمية مساء الجمعة الـ16 من أبريل الجاري، فيما سيتم بث تفاصيل هذه الندوة، على منصات التواصل الاجتماعي للدار (قناة دار الشعر بمراكش يوتيوب، وبصفحتها على الفيسبوك).

الاحتفاء بالشعر المغربي
الاحتفاء بالشعر المغربي

وتواصل دار الشعر بمراكش، من خلال هذه الندوة، استقصاء الخطاب الشعري استكمالا لسلسلة الندوات، التي برمجتها خلال مواسمها السابقة: الشعر والترجمة، الهوية، مسرحة القصيدة، أسئلة الحداثة،المشترك الإنساني، أسئلة التلقي، أسئلة التحولات، التوثيق والرقمنة، النقد الشعري في المغرب، وظيفة الشاعر اليوم، الشعر والفلسفة انتهاء بمحور الشعر والصوفية، سعيا إلى الوصول إلى سمات ممكنة، بين الخطابين الشعري والصوفي.

ونظرا لأن هذا الاستقراء، ليس لحظيا ولا يرتبط بالجدة في إثارة موضوعاته، بحكم أنه ظل ديدن العديد من المناظرات والأبحاث والكتابات، ارتأى منظمو الندوة أن الحاجة اليوم، وعلى ضوء العديد من التحولات التي مست العالم، إثارة هذا النقاش لما يمكن أن يثيره من حداثة الرؤى، ومحاولة الوصول إلى أسئلة مركزية، تهم هذه “العلاقة الدائمة”.

وتروم هذه الندوة تمثل حضور الخطاب الصوفي في التجربة الشعرية المغربية اليوم، على ضوء ما تراكم من منجز شعري وعلى اعتبار تاريخية هذا الحضور للصوفية في الشعري المغربي.

إن تأكيد علاقات التواشج والصلات، بين الشعر المغربي والمرجعيات الصوفية، على مختلف تجلياتها وتجاربها، أفضى إلى استخلاص العديد من السمات المحددة اليوم، في القصيدة المغربية. وبما أن هذه العلاقة تنحدر جذورها التاريخية، قديما ولازالت، فيمكن اليوم التوقف عند سمات هذا الخطاب وشعريته. ويفيد هذا الحضور للخطاب الصوفي، في الاقتراب من التجارب الشعرية المغربية، وقدرتها على تخصيب أفق نصوصها وإعطائها ميسما خاصا، يرنو إلى الإقامة في اللانهائي حيث تسمو تجربة الشاعر، و”بلاغتها المتفردة”، في تشكيل النص الشعري برؤى وانشغالات معرفية عميقة، حيث اللغة والوعي الشعري المتقد، والذي يسمو إلى عمق الشعر وحقيقته الداخلية.

اختيار طرح موضوع “الشعر والصوفية”، من خلال التجربة الشعرية المغربية قديمها وحديثها، عبر سفر نقدي في ثنايا التجارب الشعرية وأكوان القصائد، هو رغبة في تفكيك الكثير من الصور النمطية التي شابت هذا الشعر، والتي تكرست في حصر العلاقة بين الشعر والصوفية في حدود التجاذب والتقاطع.

كما تسعى الندوة إلى تأسيس وعي متكامل لإدراك المرجعيات المعرفية للتجربة الصوفية، في إخصاب النص الشعري، وفي السمو بتجربة الشاعر وإلى دخول دهاليز أفق القصيدة ورهاناتها. وحين تستدعي دار الشعر بمراكش اليوم تجارب محمد السرغيني وعبدالكريم الطبال وأحمد بلحاج آيت وارهام وأمينة المريني وآخرين، فرغبة في التمييز بين قدرة الشاعر على السمو بتجربته الشعرية، في وشائج حواريتها مع التجربة الصوفية، والانتقال بهذه التجربة وأفقها الإبداعي إلى أنطولوجية رحبة.

وتكفي الإشارة إلى تجربة الشاعر السرغيني، والذي أدرك بوعي طافح قدرة تمثل هذا العالم الشعري، المسكون برؤى وفعل اختراق للنص واستعاراته، في تحول أثرى التجربة الشعرية المغربية وفتح آفاقها على منطق التحول.

إن هذه التجاذبات التي ظل المنجز الشعري المغربي، يحدد مساراتها تبعا لسياقات سوسيولوجية وسياسية وتاريخية، أفضت وعبر تاريخية ملموسة ضمن شواهد الشعر المغربي القديم، إلى تحول عميق في حضور الخطاب الصوفي، خصوصا في راهن الشعر المغربي اليوم. إذ تظهر تجليات هذا الخطاب وتمظهراته في مثون القصيدة المغربية الحديثة، وضمن أنساقها اللغوية وبنيات النص الشعري الداخلية.

الندوة تسعى إلى تأسيس وعي متكامل لإدراك المرجعيات المعرفية للتجربة الصوفية، في إخصاب النص الشعري، وفي السمو بتجربة الشاعر

إن سمو هذه العلاقة، وقدرتها على فتح كوة جديدة للقصيدة المغربية الحديثة، بل ونسج أفق مختلف نحو إقامة في القصيدة، بكل ما تحمل الكلمة من رمزية واستعارة التشكيل النصي والرؤيوي، هو ما يؤكد جدوى إعادة تمثل هذه العلاقة اليوم، بين الشعر والصوفية، وذلك على ضوء ما نسجه الشعر المغربي من منجز وتجارب شعرية، وما طرحه من أسئلة. هي علاقة تتكامل أحيانا، بين الشاعر والصوفي، في قدرتهما على إنتاج رؤى وجودية واستنباط بواطن الأشياء وروحها، والذهاب بعيدا في اللانهائي.

ولقد سبق لندوة “الشعر والفلسفة”، والتي نظمتها دار الشعر بمراكش شهر فبراير الماضي، أن لامست هذين البعدين الوجود والكينونة، من داخل ديدن هذه العلاقة، واختيار هذه الندوة اليوم نابع من بلورة هذين المسوغين، أفقا مختلفا للنص الشعري في المغرب.

وتفتتح ندوة “الشعر والصوفية” البرمجة الرمضانية لدار الشعر بمراكش في موسمها الرابع، وهي لحظة معرفية تشكل تحفيزا مضاعفا للتفكير في المنجز الشعري المغربي، على مختلف مرجعياته وتجاربه. وهي محطة جديدة، ضمن استراتيجية الدار، للمساءلة والتمحيص النقدي، ستتواصل مستقبلا، بالمزيد من الانفتاح والمقاربات، سعيا للإنصات البليغ لنبض النصوص ولجغرافيات شعرنا المعاصر اليوم وللاقتراب أكثر من نبض أسئلة النقد الشعري وقضاياه المحورية.

14