"الجنة الخضراء" مشروع مبتكر للزراعة المائية في ليبيا

شابان يسعيان لسد حاجيات سكان طرابلس من الخضروات.
الاثنين 2021/04/12
إنتاج أكثر بإمكانيات أقل

تعتبر الزراعة المائية ثورة حقيقية جديدة في الوطن العربي في ظل نقص المياه وارتفاع عدد السكان، وفي طرابلس التي عجزت فيها الزراعة التقليدية عن توفير حاجيات الليبيين يسعى شابان من خلال مشروع مبتكر للزراعة الحديثة إلى التغلب على نقص المياه والأراضي الزراعية.

طرابلس - في مزرعة داخل بلدة القويعة على بعد 40 كيلومترا شرق العاصمة طرابلس أقام شابان ليبيان مشروع “الجنة الخضراء” للزراعة المائية في خطوة مبتكرة في بلد تبدو فيه تقنيات الزراعة التقليدية قاصرة عن تلبية احتياجات سكانه.

وتمثل الزراعة المائية ثورة مستقبلية تمهد لتغيير إستراتيجي في عالم الزراعة للتحول من الطرق التقليدية إلى طرق حديثة بفضل استثمار مساحة أقل في زراعة عدد أكبر من النباتات. ولا تحتاج إلى استثمار كبير ولا طاقة كبيرة لتنفيذها، لكنها توفر أطعمة صحية ورخيصة.

وكما هو معروف بيولوجيا، يحتاج النبات إلى ماء ومغذيات بكميات متفاوتة، إضافة إلى ضوء الشمس، وإذا تم التوصل إلى حاجة النباتات فيمكن توفيرها في أي وسط زراعي، وهو ما بدأ يظهر في تجربة مشروع الجنة الخضراء في طرابلس.

مع مطلع كل صباح يزور المهندس الزراعي سراج بشيه وشريكه في المشروع منير المنشأة المعدنية التي أقاما فيها “الجنة الخضراء”، حيث يتفقدان الخضروات المغروسة في أنابيب بيضاء مجوفة معلقة، في منظرٍ غير معتاد في البلاد، ضمن مساحة 15 متراً على 6 أمتار.

هذه المساحة صغيرة نسبياً لكنها تجسد مزايا هذه التقنية، إذ بالإمكان زراعة محاصيل مختلفة في حيز أضيق مقارنة مع الزراعة التقليدية بمردود أعلى وفي مدة زمنية أقصر.

ويوضح المهندس الزراعي العشريني سراج بشيه “تلقينا تدريباً على الزراعة المائية في تونس قبل عامين، وبعد عودتنا فكرنا بأهمية تحويله إلى واقع، وباشرنا فورا في التخطيط لمشروع الجنة الخضراء لزراعة الخضروات من دون الحاجة إلى التربة”.

تناسب الزراعة المائية ليبيا ذات التربة الرملية وتصنف ضمن ست دول في منطقة الشرق الأوسط مهددة بالفقر المائي

وأطلق الشابان المشروع قبل بضعة أشهر و”باتت لدينا مساحة واعدة في هذا البيت الزجاجي والحلم صار أكبر، وسنواصل تطوير العمل بهذه التقنية” حسب قول سراج بشيه.

وأحدثت الزراعة المائية التي تقوم على خلط المياه بمجموعة من الأملاح المعدنية والمغذيات الأساسية ثورة في مجال الزراعة خلال الأعوام القليلة الماضية. وباتت دول العالم تتجه بصورة متزايدة إلى هذه التقنية المبتكرة.

ونظراً إلى طبيعة ليبيا ومناخها شبه الصحراوي لا تتجاوز الأراضي القابلة للزراعة 3 في المئة من إجمالي مساحة البلاد. كما أن هذه النسبة مرشحة للتراجع أكثر إذ أن القطاع الضيق للأراضي الزراعية الخصبة في شمال البلاد على سواحل المتوسط يدفع فاتورة باهظة جراء التمدد العمراني الزاحف.

ولا تزال الزراعة قطاعا هامشيا في ليبيا، حيث يهيمن النفط على الاقتصاد في بلد يحوي أكبر احتياطيات نفطية في أفريقيا.

لكن يمكن للزراعة المائية أن تكون خياراً إستراتيجياً للاكتفاء الذاتي من المحاصيل في ليبيا، كونها توفر إنتاجاً سنوياً مستداماً وبالتالي أرباحاً أكبر، بخلاف الزراعة التقليدية التي توفر إنتاجاً موسمياً فقط، بحسب سراج بشيه.

ويسعى القائمان على المشروع إلى نشر استخدام هذه التقنية الزراعية على نطاق واسع، خصوصا لأنها تضمن مردودا جيدا على مساحات صغيرة، مع محاصيل زراعية خالية من المبيدات الحشرية واستهلاك قليل للمياه، وفق بشيه.

وفي بلد يضم أكبر منظومة نهر صناعيّ في العالم، وهو مشروع ضخم أطلقه معمر القذافي قبل أكثر من ثلاثة عقود لنقل المياه من أعماق الصحراء إلى المدن، تواصل ليبيا الاعتماد على مصادر مياه غير مستدامة.

ويجعل ذلك أزمة شح المياه تلوح في الأفق بسبب الاستنزاف الجائر للمياه الجوفية والعمليات العسكرية التي دمرت ثلثي قنوات نقل المياه عبر منظومة النهر الصناعي التي توفر نسبة 83 في المئة من إمدادات المياه للأغراض الزراعية.

ورغم ردود الفعل المرحبة بهذا المشروع لا تزال عقبات عدة تعترض استمراريته وتحديات كثيرة ينبغي للقائمين عليه مجابهتها.

ويقول سراج “مشروعنا يُصنَّف ضمن المشروعات الناشئة، وطبيعي أن يمر بتحديات عدة، ونحتاج إلى الصبر والإيمان بالفكرة وتجاوز خيبات الأمل”.

ويوضح المهندس الزراعي أن التحدي الأكبر تمثل في “توفير المواد الأولية التي تدخل في تجهيز مشروعنا، واضطرارنا إلى شراء معظمها من خارج ليبيا” ما يرتب تكاليف باهظة.

ولعلّ مشاركة مشروع “الجنة الخضراء” ضمن معرض ليبيا للمشروعات الصغرى في نسخته الخامسة العام الماضي كانت من أهم محطات نجاح، خصوصا بعدما نال ثناء واسعا.

ويرى الخبير الزراعي عبدالكافي العمروني أن المشروع الذي عمل عليه الشابان يمثل “تحدياً” و”طفرة”.

ويقول إن المشروع سيفتح الباب “أمام تقنية زراعية ليبيا بأمس الحاجة إليها، خصوصا مع مناخها الصحراوي وتراجع الإمدادات المائية”.

وتناسب الزراعة المائية ليبيا ذات التربة الرملية والتي صُنفت ضمن ست دول في منطقة الشرق الأوسط مهددة بالفقر المائي الحاد في السنوات القليلة المقبلة.

ويختم الخبير الزراعي “يجب على الحكومة الاهتمام بهذه المشروعات الناشئة ودعمها، وهي ستحقق فوائد عدة من توفير غذاء نظيف وتشغيل الشباب” كما “يُتوقع من نجاحها سلب هيمنة زراعة التربة التقليدية”.

يذكر أن الزراعة المائية ليست نزعة معاصرة، إذ رأت النور عام 1937 على يد “د. جيريكيه” في الولايات المتحدة، وهو صاحب مصطلح هايدروبونيك (الزراعة المائية)، لكن يرجح أن تكون حدائق بابل المعلّقة قبل نحو 4 آلاف سنة هي أول تجربة لتلك التقنية، إضافة إلى حدائق الأزتيك العائمة في أميركا اللاتينية.

20