غرباء ومرضى نفسانيون يغزون الشاشات

ليس المرض النفسي إلا عارض يمر به البشر بدرجات متفاوتة، وهو لا يختلف عن المرض الجسدي فكلاهما يتكاملان في هذا الكيان البشري. أما على أرض الواقع فالمرض النفسي يستدعي الخجل والشعور بالنقص وبالتالي التغاضي عنه وكأنه لم يكن.
لكنّ في المقابل غزت الشاشات جمهور المشاهدين بوفرة من قصص السايكوباثيين والعصابيين والفصاميين والعدوانيين وغيرهم من المصابين بشتى العقد النفسية والأمراض.
عندما قدم هيتشكوك رائعته “سايكو” في العام 1960 فإنه كان قد نبه السينمائيين إلى ذلك العالم الفسيح للشخصيات العصابية والفصامية وكيف بالإمكان توظيفها جماليا في دراما سينمائية مشوّقة لاسيما عندما يتم مزج المرض النفسي بالدوافع العدوانية المفضية للجريمة.
بالطبع كانت هنالك أعمال سبقت هذا الفيلم ضمن هذا المسار في الثلاثينات والأربعينات والخمسينات، وبإمكاننا أن نذكر العديد منها ومن ذلك “أم” للمخرج فريتز لانغ 1931، “الصقر المالطي” للمخرج جون هيوستون 1941، “النوم الكبير” لهوارد هوكس 1946، وفيلم “الرجل الثالث” للمخرج كارول ريد 1949، ولا ننسى هنا فيلم المخرج يوسف شاهين “باب الحديد” 1958 الذي قدم شخصية قناوي الإشكالية والمضطربة والتي لا تتورع عن القتل من أجل الاحتفاظ بفتاة المحطة.
على أننا مع تطور الدراسات النفسية وتفاقم الأمراض النفسية في المجتمعات الغربية خاصة صرنا أمام موجة من ذلك النوع من الأفلام المصنوعة بعناية سواء على صعيد السرد السينمائي أو على صعيد الشخصيات المصابة بعارض نفسي أو على الأقل تلك التي تسيطر عليها دوافع أنانية وعدوانية فتجعل منها شخصيات شديدة الشراسة وبعضها مستتر ومتوار خلف الشخصية الطبيعية بينما يخفي عللا قاتلة.
سوف نتذكر هنا أفلاماً نالت اهتماما نقديّاً واسعاً والبعض منها حصدت جوائز عالمية وكانت موضوعاتها الأساسية هي العلل والأمراض النفسية، بل قل عالم النفس البشرية وأهوائها وتحوّلاتها وعقدها وانفعالاتها.
سوف نتذكر هنا فيلم المخرج ستانلي كوبريك “الشروق” 1980، و”صمت الحملان” للمخرج جوناثان ديم 1991، و”الانفجار” لأنطونيوني 1966، و”الحاسة السادسة” للمخرج نايت شيامالان 1999، و”البجعة السوداء” للمخرج دارين أرونوفسكي 2010، و”أميريكان سايكو” للمخرجة ماري هارون 2000 وغيرها كثير.
على صعيد السينما العربية هنالك الكثير مما يجب الاشتغال عليه في ما يتعلق بالشخصيات العصابية والسايكوباثية في إطار المسكوت عنه من القصص التي تفصح عن مشكلات نفسية وعقلية غائرة، ما انفكت تتحول إلى أشكال شتى من السلوكيات الضارة لكونها متوارية في قاع الذات وفي اللاوعي ولا يسمح العرف السائد بالاقتراب منها. سوف نتذكر هنا أفلاما مثل “سونيا والمجنون” و”اللص والكلاب” و”العصفور” و”المستحيل” و”ميرامار” و”البريء” و”أغنية على الممر” و”بئر الحرمان” و”أين عقلي” و”زوجتي والكلب” و”ليل وقضبان” و”الفيل الأزرق” و”عمر قتلته الرجولة” و”الحلفاوين” و”صمت القصور” و”أحلام المدينة” و”طوق الحمامة المفقود” و”البراق” وغيرها من الأفلام.