جردة حساب بالغة السلبية لتجربة 18 عاما من حكم الأحزاب الدينية في العراق

جيل عراقي شاب يقيّم التجربة وفقا لأوضاعه ولا تعنيه المقارنة بالنظام السابق.
السبت 2021/04/10
جيل متمرد لا تروّضه الشعارات المستهلكة

تقييم الجيل العراقي الشاب للأوضاع في البلاد، والذي فتح عينيه بعد سنة 2003 في ظل تجربة الحكم التي انطلقت في تلك السنة على أنقاض نظام الرئيس الأسبق صدام حسين، يعكس فشل تلك التجربة في تجسيد الوعود التي جاءت بها من حرّية وديمقراطية ورفاه، لأنّ آراء هذا الجيل مستمدّة من واقعه اليومي بكل ما ينطوي عليه من مساوئ وخيبات.

الناصرية (العراق)- مرّت الجمعة الذكرى الثامنة عشرة لدخول القوات الأميركية إلى العاصمة العراقية بغداد، مُؤْذِنة بانتهاء حكم الرئيس الأسبق صدام حسين، وقيام نظام جديد في البلاد ضمن تجربة سياسية قالت واشنطن إنّها تقوم على الحرية والديمقراطية وحقوق الإنسان وتحقيق الرفاه للعراقيين، وهو ما لا يلمس منه الجيل الذي ولد وكبر بعد سنة 2003 شيئا. بل إنّ ما يلمسه في واقعه اليومي هو عكس كل ذلك تماما.

فعدا عن روايات كثيرة عن دكتاتورية وفظاعات النظام السابق الرائجة بشكل مكثّف في العراق الذي تقوده بشكل رئيسي أحزاب وشخصيات كانت معارضة لنظام صدّام، وبينها من خاض الحرب ضدّه بشكل مباشر إلى جانب إيران، لا يرى الجيل البالغ اليوم العشرينات من العمر سوى أوضاع اقتصادية واجتماعية بالغة السوء، وحالة أمنية شبه منفلتة وفوضى سلاح عارمة في ظل وجود العشرات من الميليشيات المسلّحة التي تشكّل سلطة موازية لا تتوانى في تصفية من يتناقض مع مصلحتها ومصلحة الأحزاب ذات الصلة بها، وهو ما قامت به فعلا ضدّ المشاركين في انتفاضة أكتوبر 2019 من خلال مواجهتهم في ساحات التظاهر والاعتصام، وملاحقتهم خارجها وقتل بعضهم واختطاف وتعذيب وإخفاء البعض الآخر.

وورد في تقرير لوكالة الأنباء الفرنسية نموذج عن حياة الشباب العراقيين في ظل تجربة الحكم الفاشلة التي تقود البلد. فلم يكن حسين المتحدّر من الناصرية في جنوب العراق يتجاوز الثالثة من العمر حين سقط النظام السابق قبل ثمانية عشر عاما.

وليس في ذاكرته عن ذلك الماضي سوى ما سمع عن نظام صدام الدموي الذي زج العراق في عدة حروب ذهب ضحيتها الكثيرون فضلا عن الخسائر الفادحة في الموارد جرّاء حصار اقتصادي فُرض على البلاد منذ 1990 ولسنوات طويلة.

وعندما دخل الجيش الأميركي بغداد على وعد الديمقراطية والحرية أمل العديد من العراقيين بحياة أفضل، لكن الجيل الجديد لم يعش إلا تحت نظام حكم فاشل وأحزاب فاشلة، بحسب حسين.

ويتذكّر الشاب العراقي مدرسته الطينية المتهالكة في قرية جنوبي الناصرية وهي تمثّل بالنسبة إليه نموج “الانهيار الكبير في البنى التحتية”. وكسائر أبناء جيله، كبر حسين وسط سلسلة حروب واضطرابات وحرمان من مقومات الحياة البسيطة من بنى تحتية وفرص عمل ومستشفيات وتعليم.

36 في المئة نسبة البطالة بين من هم دون الـ25 عاما والذين يشكلون 60 في المئة من السكان

وتضرّرت وانهارت منشآت البنى التحتية من دون أن يتم إصلاحها منذ الغزو الأميركي، فيما تعاني البلاد المصنّفة ثاني أكبر منتج للنفط في منظمة أوبك، من انقطاع متكرر في التيار الكهربائي ونقص في المياه وتردٍّ في خدمات الإنترنت.

ودفعت هذه الظروف القاسية إبراهيم البالغ من العمر واحدا وعشرين عاما لترك المدرسة منذ المرحلة المتوسطة بهدف العمل. وهو يقضي يومه في نقل البضائع على دراجة نارية إلى كشكه الصغير في وسط مدينة كربلاء المقدّسة لدى أبناء الطائفة الشيعية لبيعها.

ويقول لفرانس برس بينما يقف بين قطع حلوى “غزل البنات” الوردية التي يبيعها “كنت أحلم بالالتحاق بالكلية العسكرية لكن الفقير لا يستطيع أن يعيش هنا”.

ويوازن حسين من جهته بين العمل والدراسة لإعالة عائلته المكونة من سبعة أفراد منذ أن كان في سن الثالثة عشرة، في بلد معدّل الفقر فيه بين الأطفال واليافعين يصل إلى اثنين من بين كل خمسة أطفال، وفق منظمة الأمم المتحدة للطفولة يونيسف.

وإلى جانب متابعته دروسه الجامعية في كلية العلوم السياسية، لا يزال يسعى مع شقيقه الذي يصغره بعامين إلى إيجاد عمل بأجر يومي في متجر بهدف توفير مدخول للعائلة.

ورغم أن حسين سيكون أول فرد في عائلته يحصل على شهادة جامعية لكن أمله بالحصول على وظيفة ضئيل في ظل غياب الاستثمارات في القطاع الخاص في بلد يدخل فيه كل عام 700 ألف شاب جديد سوق العمل.

ويقف الفساد والزبائنية المستشريان أمام طموح الحصول على وظيفة في القطاع الحكومي الذي يتجه إليه العديد من الخريجين الجامعيين في ظاهرة متوارثة عن حقبة النظام السابق. ويقول حسين إن هذه التعيينات “تعطى فقط للمنتمين إلى أحزاب في السلطة أو إلى الميليشيات”.

وتصل نسبة البطالة بين من هم دون الـ25 عاما والذين يشكلون 60 في المئة من السكان الأربعين مليونا إلى 36 في المئة. ويعتبر هذا أحد أسباب انضمام الشباب العاطلين عن العمل إلى فصائل مسلحة تدفع رواتب شهرية، فيما الدولة عاجزة عن دفع رواتب موظفيها في مواعيدها المحدّدة.

انتفاضة شعبية في وجه نخبة سياسية فاسدة
انتفاضة شعبية في وجه نخبة سياسية فاسدة

أما خيار السفر لإكمال الدراسة في الخارج فصعب أيضا لأن معظم الجامعات العالمية لا تعترف بشهادات المؤسسات التعليمية العراقية، فيما كانت جامعة بغداد على سبيل المثال قبل قرن من أعرق الجامعات في العالم العربي.

ودفعت كل تلك الأسباب حسين للمشاركة في تحركات احتجاجية منذ كان في السادسة عشرة من العمر على الرغم من أنه نشأ في بيئة قبلية وعائلة محافظة.

ويروي أنّه في العام 2016 كان يبيع سلعا في ساحة الحبوبي بالناصرية عندما تجمّع فيها المحتجون فأنضم إليهم. ويقول “كنت أخاف حينها من موقف أهلي وكنت مضطرا للعمل لأوفر مالا للعائلة”. ومع تجدد الاحتجاجات في العام 2018 يقول حسين “صرت أشارك بعلم أهلي أو بدونه”. كما انضمّ لاحقا إلى تظاهرات أكتوبر 2019 غير المسبوقة. لكن كل هذه الاحتجاجات لم تثمر تجاوبا مع مطالب الشباب.

وكلّفت مشاركة الشابة روان في تلك التظاهرات الكثير. وعلى هويتها العراقية كتب أن مكان ولادتها هو طرابلس- ليبيا حيث كان والداها قد اضطرّا قبل ولادتها إلى الفرار من العراق هربا من النظام السابق فولدت هناك في العام 2003. وبعد 18 عاما غادرت روان محافظتها بابل جنوبا إلى السليمانية في كردستان شمالا تحت ضغط تهديدات تعرضت لها، على غرار العشرات من ناشطي انتفاضة أكتوبر.

وقتل في التظاهرات المناهضة للفساد نحو 600 متظاهر، فيما تتواصل حملة الترهيب والقتل بحق ناشطين رغم تراجع وتيرة الاحتجاجات بشكل كبير.

ورغم كل الظروف السيئة التي واجهتها، ترى روان أنّ “ما يميز هذا الجيل عن الأجيال التي سبقته هو أنه انفتح أكثر على عالم التكنولوجيا”. وتضيف “جيلنا فتح عينيه ولديه نظرة على الحياة في الدول الأخرى وبدأ يقارن وضعه بوضع الدول الأخرى”.

ووسط مناخ الخوف والحرمان، يرى حسين وروان أنه ينبغي مواصلة المطالبة بالحقوق والتظاهر والعمل على تغيير النظام. وتقول روان “التغيير السياسي ليس سهلا لكن مستقبل بلدي يعتمد على جيلنا”.

3