جرائم استغلال الأطفال والنساء تتصاعد في تونس

يؤكد خبراء علم الاجتماع أن تنامي جرائم استغلال الأطفال والنساء في تونس وتطور أشكالها يرجع إلى الإنجاب خارج إطار الزواج. ويعمد عدد من العصابات إلى استغلال شبكات التواصل الاجتماعي لاستقطاب الفتيات الحوامل خارج إطار الزواج وتوفير جميع احتياجاتهن مقابل تنازلهن عن مواليدهن ليقع بيعهم. ودعا المتخصصون في علم الاجتماع إلى تمكين الأمهات من التمتع بالخدمات الصحية المقدمة بصرف النظر عن وضعيتهن، حتى لا يلتجئن إلى التفريط في مواليدهن بالبيع، مشيرين إلى أن الظاهرة مرشحة للمزيد من الانتشار خلال الفترة المقبلة.
تونس - تفاقمت خلال الأعوام الأخيرة ظاهرة بيع الرضع في تونس لتعكس تنامي جرائم استغلال الأطفال والنساء في بلد يزخر بالقوانين الرامية إلى حماية حقوق الطفل ومكافحة جميع أنواع استغلاله.
وفي العام الفارط تم القبض على ثلاث نساء في محافظة جندوبة، شمال غرب تونس، تورطن في قضية التفريط في طفل، لتطفو على السطح مسألة بيع الرضع ودوافع الظاهرة وانتشارها وسبل معالجتها.
وأكدت روضة العبيدي رئيسة الهيئة الوطنية لمكافحة الاتجار بالبشر أن جرائم استغلال الأطفال والنساء في تونس تشهد تناميا مفزعا في منسوبها وتطورا بشعا في أشكالها، موضحة أن جرائم استغلال الأطفال والنساء أصبحت مستحدثة ومبتكرة حيث ترتكز جلها على الفضاء السيبراني أين يقع التغرير بالنساء لاستغلالهن جنسيا.
وقالت العبيدي إنه يتم استعمال هذا الفضاء لتنفيذ عدد من الجرائم ومن أبرزها جرائم بيع الرضع التي ارتفعت بنسبة 65.5 في المئة سنة 2020.
ولفتت العبيدي، في جلسة استماع بلجنة المرأة والأسرة والطفولة والشباب والمسنين في البرلمان، إلى أن بعض العصابات تقوم باستغلال شبكات التواصل الإلكتروني لاستقطاب الفتيات الحوامل خارج إطار الزواج وتوفير جميع احتياجاتهن الصحية والمالية والسكنية طيلة فترة حملهن، مقابل تنازلهن عن مواليدهن ليقع بيعهم.
وأضافت أن في تونس أكثر من 84 مكتب تشغيل، 24 منها فقط تشتغل بصفة قانونية والبقية تنشط بطريقة مريبة حيث تعمل على استقطاب النساء التونسيات للعمل في عدد من الدول العربية عبر عقود مزيفة ليقع في ما بعد استغلالهن في شبكات الدعارة والاتجار بالأعضاء.

روضة العبيدي: هذا النوع من الجرائم ارتفع بأكثر من 180 في المئة سنة 2020
واعتبرت العبيدي أن هناك أطرافا معينة تحمي مكاتب التشغيل غير القانونية، وسط غياب الإرادة السياسية والتقصير الواضح من قبل الفاعلين السياسيين في حماية الأطفال في تونس.
وأكدت أن الهيئة سجلت في تقريرها الأخير تناميا كبيرا في منسوب الاستغلال الجنسي للأطفال ليرتفع بنسبة تفوق 180 في المئة سنة 2020، علما وأن عدد الحالات لم يتجاوز 26 فقط سنة 2019، وهو ما يؤكد أن هذا النوع من الجرائم مصدره الأساسي الأسرة؛ حيث يستغل عدد من الأسر فرصة مكوث الأطفال لمدة أطول في المنازل بسبب فترة الحجر الصحي والدراسة بنظام الأفواج، بطريقة غير سوية.
وقال معز الشريف رئيس الجمعية التونسية للدفاع عن حقوق الطفل إن “هناك صعوبة في حصر حالات بيع الرضع في تونس؛ لأن هناك عدة حالات لا يتم كشفها من الهيئة الوطنية لمكافحة الاتجار بالبشر، باعتبار أنّ هناك شبه اتفاق بين الأم والعائلة المتكفلة بالرضيع وتتم تبعا لذلك التغطية على الجريمة”.
وأوضح الشريف في تصريح لـ“إرم نيوز” أن من أبرز أسباب تفشي الظاهرة الإنجاب خارج إطار الزواج، حيث تكون المرأة في وضعية حرجة وتكتشف حملها بعد فوات أوان إمكانية الإجهاض، أو تواجه صدا من المؤسسات الصحية التي لا تمكّن الأمهات العازبات من الولوج إلى الإجهاض، فتضطر المرأة إلى البحث عن حل للتخلص من رضيعها، وهذا يؤدي إلى الاتّجار بالأشخاص وإلى جريمة قتل الرضّع عند الإنجاب.
وأكد الشريف أنّ الحلول تتمثل في الوقاية أولا وتوعية المرأة لحماية نفسها من هذه الوضعيات، وتسهيل الولوج إلى مؤسسات الصحة الإنجابية لكل النساء التونسيات بقطع النظر عن وضعهن الاجتماعي.
بدوره اعتبر فؤاد غربالي الباحث المتخصص في علم الاجتماع أن الظاهرة جديدة ولها أسبابها، ومنها المنظومة الصحية نفسها التي رأى أنها غير شفافة. وقال غربالي إن الظاهرة مرشحة للمزيد من الانتشار خلال الفترة المقبلة؛ نظرا لصعوبة الوضع الاجتماعي والاقتصادي الذي تعيشه الفئات الشبابية.
ودعا إلى تمكين الأمهات من التمتع بالخدمات الصحية المقدمة بصرف النظر عن وضعيتهن.
جرائم استغلال النساء في تونس أصبحت مستحدثة ومبتكرة، حيث ترتكز أغلبيتها على فضاءات مواقع التواصل الاجتماعي
أما روضة بيوض عضو الهيئة الوطنية لمكافحة الاتجار بالبشر والممثلة عن وزارة الداخلية فدعت إلى ضرورة تعجيل النظر في مشروع القانون المتعلق بمكاتب التشغيل والإسراع بتنقيح مجلة الطفل وإضافة باب للمجلة يتعلق بحماية الأطفال من أجل توفير القوانين التشريعية اللازمة الكفيلة بمكافحة الجرائم المرتكبة في حق الأطفال والنساء عبر توفير الميزانيات والآليات اللازمة لجميع الهياكل ومنظمات المجتمع المتدخلة في هذا الشأن، فضلا عن ضبط إستراتيجية لوقاية الأطفال والنساء من جميع أشكال العنف والجرائم المسلطة عليهم.
ورغم أن التشريعات التونسية ثرية بالقوانين الرامية إلى حماية حقوق الطفل ومكافحة جميع أنواع الاستغلال التي يتعرض لها، إلا أن الأرقام الرسمية تكشف ارتفاعا سنويا مستمرا في الاعتداءات على الأطفال بجميع أعمارهم ومستوياتهم التعليمية والاجتماعية.
وكشف التقرير الرسمي لسنة 2019 الصادر عن مندوبية حماية الطفولة في تونس (منظمة حكومية تابعة لوزارة المرأة والأسرة والطفولة وكبار السن) أن عدد الإشعارات المتعلقة بالتبليغ عن حالات اعتداءات وتهديدات تمس الأطفال بلغ أكثر من 17 ألفا و500 إشعار في مختلف محافظات الجمهورية التونسية، سجلت أغلبها في إطار الأسرة.
وأكد المندوب العام لحماية الطفولة بتونس مهيار حمادي في تصريحات سابقة أن سنة 2019 تميزت بارتفاع عدد التبليغات عن الاعتداءات على الأطفال المهددين بنسبة تجاوزت الـ60 في المئة مقارنة بسنة 2016.
وأوضح حمادي أن النسبة الأكبر من الإشعارات تتعلق بالتبليغ عن التقصير البيّن في التربية والرعاية، ثم سوء المعاملة، ثم تعريض الطفل للإهمال والتشرد واستغلاله جنسيا.
وأكد حمادي تسجيل 181 شبهة اتجار بالأطفال جلهم تونسيون باستثناء اثنين من منطقة جنوب الصحراء، مبينا أن محافظة سيدي بوزيد وسط البلاد تحتضن العدد الأكبر من هذه الحالات بـ42 طفلا، تليها القيروان في المرتبة الثانية بـ36 طفلا بينهم 24 حالة استغلال جنسي و12 حالة استغلال اقتصادي، تليهما ثالثا تونس العاصمة بـ18 طفلا.