شيرين أحمد.. الطريق إلى العالمية من مسارح برودواي

أنثروبولوجية مصرية تفوز ببطولة مسرحية "سيدتي الجميلة".
الخميس 2021/03/25
في الصفوف الأولى بين نجوم المسرح

يقول الخبر الذي بدا سارا ومحزنا في آن واحد، إن شابة مصرية أميركية، اسمها شيرين أحمد، تم اختيارها مؤخرا للعب دور البطولة في مسرحية “سيدتي الجميلة” والمقتبسة من مسرحية “بيغماليون” للكاتب العالمي برنارد شو، سوف تعرض قريبا على مسارح برودواي بنيويورك، ثُم سيتم لاحقا عرضها في كافة مسارح أميركا.

يتمثل دافع من يسرهم الخبر أنها المرة الأولى التي تُمثل فيها  فتاة أميركية من أصول عربية دور البطولة في إحدى المسرحيات العالمية المعروضة على مسارح برودواي، ويعني ذلك كسر الصورة النمطية السائدة عن الإنسان العربي، والمشار إليها غالبا بمصطلح “الشرق أوسطي”، والبادية دوما وكأنها تشير لإنسان شديد التعصب، مُعاد للآخر، متحفز للأبد ضد الغير، بل ومنغلق على ذاته. كما أن ذلك يُمكن اعتباره دليلا على أن الشخصية العربية محبة للفنون والجمال ومقبلة عليهما ومستوعبة للإبداع بمختلف صوره، بل ولديها قدرات وإمكانات عظيمة قادرة على إبهار العالم.

محل الحُزن في الخبر قد يكون في الإيحاء بأن تحقّق الموهوبين في فن المسرح من الشباب العربي ينجح في الخارج لا الداخل، ما يعني أن فن المسرح بالعالم العربي مُتراجع، وربما مُتقزم ومنسي، وقد لا يسمح بلمعان موهوبين جُدد في ظل انهيار واضح يواجهه منذ سنوات طويلة، زاده سوءا تفشي جائحة كورونا، وما صاحبه من عدم إقبال الناس على الذهاب لمشاهدة المسرحيات حية.

وهنا، فإن مجرد طرح حكاية هذه الفنانة يستدعي بالضرروة بحث تساؤل مُلح وموضوعي، وهو إن كان يُمكن لهذه الفتاة الطموحة أن تُحقق ما حققته من نجاح، لو مارست فن التمثيل المسرحي في بلدها الأصلي، مصر. تميل الإجابة بشدة ناحية النفي، نظرا لما يشهده المسرح في مصر، وغالبية الدول العربية، من أزمات متتالية حجّمت كثيرا من ظهور مبدعين شباب وشابات خلال السنوات الأخيرة.

مُجتمع مساند

مسرحية “سيدتي الجميلة” التي تعرض على مسارح برودواي منذ العام 1965 وحتى اليوم، تعلقت بها شيرين أحمد إلى حد كبير، منذ أن شاهدتها وهي طفلة، حتى أنها حفظت مقاطع كثيرة منها، نظرا لتعبيرها عن مرحلة مهمة من مراحل الرومانسية في العالم. (الصور من الصفحة الرسمية للمسرحية على فيسبوك)
مسرحية “سيدتي الجميلة” التي تعرض على مسارح برودواي منذ العام 1965 وحتى اليوم، تعلقت بها شيرين أحمد إلى حد كبير، منذ أن شاهدتها وهي طفلة، حتى أنها حفظت مقاطع كثيرة منها، نظرا لتعبيرها عن مرحلة مهمة من مراحل الرومانسية في العالم. (الصور من الصفحة الرسمية للمسرحية على فيسبوك)

تُعد أحمد نموذجا لفتاة موهوبة لعبت الأقدار دورا في صعودها وتألقها المدوي، المستند لدهشة الميديا العربية من سرعة لمعانها وتفوقها اللافت، لكننا نستطيع القول إن حكاية الفنانة الشابة تبدو أيضا نموذجا للإشارة لدور المجتمعات المثالية في إنارة السلالم للمبدعين والموهوبين للصعود سريعا دون مُنغصات أو إحباطات. فالبيئة ذاتها لها دور مُهم في الانتصار لأصحاب المواهب العظيمة.

ولأن العالم مسرح، كما يقول الكاتب الأيرلندي الكبير أوسكار وايلد، وتوزيع الأدوار فيه سيء، فالبازغ هنا ليس كالبازغ هناك، وصاحب الموهبة ربما يرتقي إلى عليين في بلد يُقدر الموهوبين، وقرينه في الموهبة قد يهبط إلى أسفل سافلين، منسيا، منبوذا، ومجهولا في أرض أخرى تُسيسها الخرافة، ويحكمها الجهل، ويُسيّرها التخلف.

لا تغادر الذاكرة عبارة آسرة للمخرج العالمي لويس بونويل وردت في مذكراته يقول فيها “أكره شتاينبك حتى الموت. ما كان شتاينبك أن يكون شيئا لولا المدافع الأميركية، وأضع في الخانة نفسها دوس باسوس، وهيمنغواي، فمن كان سيقرأ أعمالهم لو كانوا ولدوا في بارغواي أو تركيا؟ إنها سلطة البلد هي التي تقرر الكتاب والمبدعين العظام. إن غالدوس روائي كثيرا ما قورن بدوستويفسكي، لكن هل هناك من يعرفه خارج إسبانيا”.

يعني هذا ببساطة أن فرص الإبداع ودرجة تحقق المبدع ورضاه عن ذلك التحقق تتباين من بلد إلى آخر، ومن محيط اجتماعي إلى آخر، وهو ما يُفسر ذبول موهبة في موطن صاحبها الأصلي، وانطلاقها وتفجرها في بلد غريب.

جيل جديد مختلف

الفنانة الشابة مثلها مثل المصري الكندي مينا مسعود النابغ في هيوليوود الذي لفت الأنظار إليه بعد بطولته لفيلم “علاء الدين”، والسبرانو المصرية فاطمة سعيد المتألقة في أوبرات أوروبا كصوت عذب خلاب وساحر، والممثل الأميركي المصري رامي مالك الحائز على جائزة أوسكار لأفضل ممثل عن دوره في فيلم “الملحمة البوهيمية”.

جميعهم يقدمون بتفوقهم دليلا عمليا على أنه لا توجد جينات موروثة لدى أجناس بعينها، وغائبة عن أجناس أخرى، تجعل الإنسان موهوبا أو مبدعا أو أكثر ذكاء من غيره، فالإنسان في أي مكان هو الإنسان، لكن موقعه قد يلعب دورا كبيرا في تحققه وتفوقه.

حتى السمات الشخصية الموجودة لدى الشخصية الألمانية والأميركية واليابانية أو غيرها من الشخصيات الموصومة بالصلابة والإصرار، وقبول التحدي ورفض المستحيل، موجودة لدى الناس جميعا، لكنها تتحين الفرصة للانطلاق دون قيود، والتحليق دون موانع اجتماعية أو سياسية أو غير ذلك.

كتبت صحيفة “واشنطن بوست” الأميركية مطلع فبراير الماضي، وكررته “نيويورك تايمز”، ونقلته عنهما بعض وسائل الإعلام المصرية، وكل تلك المنابر تشير إلى أن الفنانة الصاعدة التي تبلغ من العمر 26 عاما، ابنة لمهاجر مصري اسمه طارق أحمد، يقطن في بلتيمور، ويعمل بالتجارة، ولديه محل لبيع المجوهرات والحُلي في ولاية ميريلاند. وكان مثل الكثير من المهاجرين العرب الذين سافروا واستقروا في العالم الجديد، قد اختار غربته بحثا عن حياة أفضل، وتعرف على فتاة أميركية تعمل مُعلمة للغة الإنجليزية، وعاشا قصة حب عظيمة قبل أن يتزوجا، واضعين بذلك أسس إقامة عائلة عصرية تُعبر عن أصالة الشرق وحداثة الغرب.

شيرين أحمد تنضم إلى جيل جديد من الشباب العربي في أميركا، إلى جوار مينا مسعود الذي لفت الأنظار في هيوليوود بعد بطولته لفيلم "علاء الدين"، والسبرانو فاطمة سعيد، وحامل الأوسكار رامي مالك

مثل شقيقيها خالد البالغ من 24 عاما، ورمزي البالغ 22 عاما، تربت على مبدأ حرية القرار المُستند على وعي وإدراك وفهم تام لطبيعة الحياة وظروف كل عائلة ومجتمع، ما جعلها تهتم بدراستها وتنبغ فيها لتحصل على بكالوريوس في علم الأنثربولوجيا، وتتخصص في مجال العدالة الجنائية، وتحديدا في الصحة العقلية، ودرست في جامعة تشارلز في براغ بالتشيك، وتابعت الدراسة بجامعة تايسون، وصارت مؤهلة لمتابعة عالم الجريمة.

لم يعد هذا التفوق والنجاح العملي يمثل لها دافعا لترك حب حياتها الأول وهو الفن الذي كانت مع تفوقها الدراسي مُنكبة عليه، مانحة إياه الأولوية، وتُتابعه في كل مكان، وتتلقى دروسا فيه، وتقوم باختبارات هنا وهناك للعمل في المسارح الغنائية والاستعراضية، وتقوم بتقليد سيلين ديون، وتُحاكي ماريا كاري وتينا تيرنر، وغيرهن من نجمات العالم الكبيرات.

ذكرت في إحدى المقابلات الصحافية التي أجريت معها في الولايات المتحدة، أنها استفادت من دراستها للعدالة الجنائية، إذ دفعها البحث الدائم عن المجرمين ودوافعهم لارتكاب الجرائم إلى حالة من الشغف والرغبة في المعرفة والتتبع، والسعي لحل ألغاز الحياة، وهو ما صقل تجربتها الإنسانية بشكل عام، وزاد شغفها بالفن بحثا وتعلما وممارسة.

قالت إن الفرصة متى سنحت للإنسان، عليه أن يُمسك بها بكل ما يستطيع من قوة وإصرار وعزيمة، لأنها قد لا تسنح له مرة أخرى. كانت الفتاة الرقيقة الجميلة الطموحة تُحب وتتابع فن المسرح بوله وإفراط منذ الصغر، وكما تحكي والدتها، فقد كانت وهي بعمر عامين أو ثلاثة، تقف فوق منضدة صغيرة في البيت وتُغني وترقص أمام الضيوف باللغتين الإنجليزية والعربية دون خجل أو تهيب.

بدا وقتها صوتها شديد البراءة، حتى أن ساندرا تقول إنها كانت تعتقد أن كافة الأطفال في مثل عمرها يغنون بالطريقة ذاتها، لكنها في ما بعد اكتشفت تفرد ابنتها وبراعتها اللافتة والمميزة مقارنة بأقرانها.

سيدتي الجميلة

Thumbnail

عندما بلغت الثانية عشرة من عمرها شاهدت مسرحية “سيدتي الجميلة” وتعلقت بها إلى حد كبير حتى أنها حفظت مقاطع كثيرة منها، وصارت ترددها بين الحين والآخر.

كانت المسرحية منذ بدء عرضها على مسارح برودواي سنة 1956 محل اهتمام ومتابعة جمهور الفن عموما، نظرا لجمالها وتنوع شخوصها وتعبيرها عن مرحلة مهمة من مراحل الرومانسية في العالم.

يبدو فن المسرح مثل التحقيق في الجرائم، يحتاج نوعا من المواجهة مع الجمهور، وهو إبداع مباشر، غير مُفلتر، أو مُسجل، وغير خاضع لعملية مونتاج، أو خدع بصرية، وهو الأقدر في اعتقاد شيرين على إثبات موهبة الموهوبين، لذا فهو يُناسب طاقاتها وسماتها الشخصية النادرة تماما.

خطت النجمة المسرحية خطوات الصعود درجة درجة، بصبر واجتهاد وجدية، فلم تستسلم لفكرة “فقر الموهبة” الموصوم بها بعض العرب في أميركا وأوروبا، لم تتقبل أن تتحول إلى مجرد مُتفرجة على الفن، أو حتى متذوقة، وعرفت أن لديها طاقة استيعاب تجعلها منتجة للإبداع والفن.

تحقّق الموهوبين في فن المسرح من الشباب العربي ينجح في الخارج لا الداخل، يعني أن هذا الفن في العالم العربي مُتراجع ومنسي، في ظل انهيار واضح يواجهه منذ سنوات طويلة، زاده سوءا تفشي جائحة كورونا، وما صاحبه من عدم إقبال الناس على الذهاب لمشاهدة مسرحيات حية

خطت الفتاة خطوات واضحة في طريقها عندما بدأت الدراسة في مسارح برودواي لتكتسب مهارات حقيقية، ولتتلقى رسائل لمعجبين ومتابعين من الكثير من دول الشرق يعتبرونها نموذجا لأصحاب المواهب في التمثيل المسرحي والغناء الاستعراضي يُمكن احتذاء به والتعلم منه.

يوما بعد آخر اقتربت أكثر من حلمها وقبلت الغناء في حفلات سياحية، ثُم قبلت بعد ذلك العمل كممثلة بديلة للفنانة لورا بنتاني لأكثر من عام انتظارا لتحل محلها يوما ما.

وهي مُصممة على استكمال مسيرتها دون تردد أو تقوقع، خاصة أن لديها الوعي الكافي، والمساندة اللازمة من عائلتها لاستكمال حلم حياتها. إنها تقرأ بعناية، وتتابع باهتمام، وتتدرب يوميا على أداء دورها وتهتم بالتعرف على آراء النقاد والمتابعين والمشاهدين، والوقوف على أي ملاحظات، والعمل على تطوير أدائها دائما، وتجويده بما يدفعها للصدارة والنجومية التامة.

كونها مصرية عربية أو مسلمة، أو من أصول مغايرة لا يعني لها سوى أنها في حاجة لجهد أكبر وتعلم أفضل وتدريب دائم لتُصبح مُبهرة ولامعة ومستحقة أن تحتل مكانا مرموقا في الصفوف الأولى بين نجوم فن المسرح، ذلك الفن الذي يتصور البعض أنه خفت وتهمّش.

12