ثورة خضراء في بريطانيا.. من الناس وإليهم

العالم يحتاج إلى وظائف صديقة للبيئة لا تتخلى عن الأفراد والمجموعات.
الاثنين 2021/03/22
عمال المناجم في خانة النسيان

من غير الممكن تحقيق ثورة خضراء دون الاهتمام بالناس في عملهم وحياتهم، فالأمر يحتاج إلى توفير وظائف خضراء وتدريب العمال على مهارات تواكب عصر الحياة دون كربون، وهذا ما تطالب به المنظمات في إنجلترا وخاصة في ما يتعلق بعمال المناجم الذين لا يزالون يعانون من التهميش.

لندن - في منتصف الثمانينات، كانت منطقة يوركشاير بشمال إنجلترا موطنا لأكثر من 60 ألف عامل مناجم فحم، كان آخرها في 2015، لكن بعد أن قررت حكومة رئيسة الوزراء آنذاك مارغريت تاتشر إغلاق المناجم، تم الاستغناء عن هذه الوظائف.

ولا تزال المنطقة تعاني الحرمان الاجتماعي وانعدام الأمل الذي توارثته الأجيال، وفقا لبيل آدامز السكرتير الإقليمي في يوركشاير وهامبر في هيئة نقابات العمال.

وقال خلال مناقشة عبر الإنترنت هذا الشهر، إن الوقت قد حان لاتباع نهج مختلف، حيث تواجه القوة الصناعية السابقة تحولا آخر ناجما عن تغير المناخ وخطة بريطانيا لخفض الانبعاثات إلى الصفر بحلول سنة 2050.

وقال آدامز في قمة دعم تحالف الفحم السابق “لا نريد أن نرتكب نفس الأخطاء مرة أخرى، لم نعد نريد مجتمعات متخلفة عن الركب”.

بينما تنطلق الحكومات والشركات في أنحاء العالم نحو عالم خال من الكربون، تقف التجارب القاسية لعمال المناجم في إنجلترا في تناقض صارخ مع هذا الانتقال الذي يسعى الكثيرون الآن إلى تحقيقه.

وقالت الأمينة العامة للاتحاد الدولي لنقابات العمال شاران بورو، إن العقد الجديد يجب أن يشمل أيضا وظائف صديقة للمناخ لا تتخلى عن الناس والمجتمعات، وإن الركائز الأساسية لضمان “انتقال عادل” في الصناعات التي تواجه إصلاحا نظيفا (مثل إنتاج الطاقة والبناء) يجب أن تشمل معاشات تقاعدية آمنة، والتدريب على المهارات، والأجور اللائقة، والاستثمار في التجديد الاقتصادي في المناطق المتضررة.

التجارب القاسية لعمال المناجم في إنجلترا تقف في تناقض صارخ مع الانتقال إلى عالم خال من الكربون

وأشار آدامز إلى أن هذا ليس ما حدث في يوركشاير عندما أغلِقت مناجم الفحم، مضيفا أن مبالغ صغيرة من الأموال الحكومية ذهبت لإنعاش الاقتصاد المحلي المنهك، بينما قدّمت بعض شركات الخدمات اللوجستية وظائف منخفضة الأجر وغير آمنة.

ولفت إلى أن المنطقة لا تزال تعاني من ارتفاع معدلات الفقر والبطالة وهجرة السكان وقضايا الصحة الصناعية المستمرة ومشكلات الإدمان على المخدرات والكحول، مضيفا “هذا ليس السبيل إلى خلق انتعاش أخضر ونابض بالحياة أو المستقبل”.

ويكمن الأمل هذه المرة في التخطيط الأفضل وإشراك الحكومات المحلية والخبراء والشركات والمواطنين، فمن المتوقع أن يؤدي إلى تشكيل التغيير الذي يقلل من التفاوتات الاقتصادية والاجتماعية، بدلا من مفاقمتها.

وقالت لجنة المناخ في يوركشاير وهامبر، وهي مجموعة استشارية مستقلة، إنها ستتابع هذا الهدف في جهودها للمساعدة في خفض الانبعاثات، وإعداد السكان للصدمات المناخية، مثل الفيضانات المتفاقمة.

وقالت رئيسة اللجنة ليز باربر “من المهم حقا أن نعمل بطريقة شاملة لضمان إشراكنا في قطاع عرضي حقيقي من يوركشاير وهامبر وكسب الناس إلى جانبنا”.

وأعلن رئيس الوزراء بوريس جونسون العام الماضي عن “ثورة خضراء” للبلاد، وأكد أنها ستجمع 12 مليار جنيه إسترليني (16.7 مليار دولار) من الأموال الحكومية وتخلق 250 ألف وظيفة خضراء عالية المهارات بحلول سنة 2030.

ويقدر برنامج تتبع وظائف الانتقال العادل، الذي طورته شبكة العمل المناخي القائمة على المكان، أن حوالي 6.3 مليون وظيفة في بريطانيا من المحتمل أن تتأثر بالتحول الأخضر.

وسيحتاج حوالي 3 ملايين عامل، خاصة في قطاع البناء والتصنيع وتجارة السيارات والنقل والمرافق، إلى مهارات جديدة.

وقال أستاذ السياسة البيئية في جامعة ليدز آندي غولدسون، الذي يرأس لجنة ليدز للمناخ التي أُنشئت في 2017، إن المهارات يمكن أن تشمل ميكانيكي سيارات الذي يجب أن يتعلم كيفية العمل مع السيارات الكهربائية أو سباكا يتحول من تركيب غلايات الغاز إلى مضخات الحرارة.

ددد

وحاولت لجنة ليدز تجاوز الاستماع إلى “الخضر من الطبقة الوسطى” من خلال تعيين هيئة محلفين من 20 عضوا، للحصول على مجموعة واسعة من وجهات النظر من مختلف الجماعات العرقية والدينية وحسب الدخل.

وقال غولدسون “لقد بذلنا الكثير من الجهد وكانت له نتائج جيدة حقا”. وذكر أن هناك رغبة في المنطقة التي تعاني من ندوب التعدين في التحول إلى مجتمع منزوع الكربون ليكون “انتقالا يحقّقه الناس من أجل الناس، وألا يكون إجراء مُحددا لهم”.

كما أنشئت لجان مناخية أخرى في بلفاست وإدنبرة، في حين أصدرت لجنة كامبريدج شير وبيتربورو المستقلة المعنية بالمناخ، والتي تغطي جزءا ريفيا من شرق إنجلترا، تقريرا سلطت فيه الضوء على الحاجة إلى خفض الانبعاثات، التي تزيد بنسبة 25 في المئة للفرد عن متوسط ​​المملكة المتحدة، وتقليل المخاطر “الحادة” للفيضانات، وارتفاع حرارة الصيف، ونقص المياه، والأضرار التي تلحق بمخازن الكربون الطبيعي.

وأضاف التقرير، أنه عند الاستثمار لمواجهة تلك التحديات، فإن “ضمان العدالة يظل هو الجوهر في هذا المسار”.

ولفت أستاذ التمويل المستدام في كلية لندن للاقتصاد نيك روبينز، إلى أن السلطات المحلية ستكافح لإجراء مثل هذه التغييرات واسعة النطاق وحدها، إذ لا يمكنها الاستفادة من التمويل المطلوب في معظم الحالات.

وقال “كيف نطور استراتيجيات تمويل من القاعدة إلى القمة لتقديم حالات الطوارئ المناخية، التي تستجيب لاحتياجات تلك المجتمعات وتربطهم بمجموعات كبيرة من رؤوس الأموال التي تبحث عن صفقات؟”.

وأشار إلى الدور الذي يمكن أن يلعبه مديرو صناديق التقاعد والمساهمون الآخرون في دفع الشركات لأخذ العدالة الاجتماعية في الاعتبار، حيث أن الكثيرين يضعون خططا للتحول إلى نموذج أعمال صفري في العقود القادمة.

واستشهد بمثال شركة أس.أس.إي التي تتخذ من أسكتلندا مقرا لها والتي نشرت خطة “انتقال عادل” في نوفمبر، قائلة إنها كانت أول شركة بريطانية تفعل هذا.

ووعدت الشركة باستثمار 4 ملايين جنيه إسترليني يوميا في البنية التحتية للطاقة والكهرباء منخفضة الكربون على مدى السنوات الخمس المقبلة، معظمها في مزارع الرياح.

وقالت رئيسة الاستدامة راشيل ماكوين، إن الشركة خلقت ألف وظيفة خضراء خلال الوباء، مضيفة “نحن بحاجة إلى عمال يتمتعون بمهارات علمية وتكنولوجيا هندسية”.

وتعمل الشركة على تطوير أكبرمزرعة رياح في العالم، قبالة ساحل يوركشاير.

وأشار بيل آدامز إلى هذه الخطة وغيرها من خطط الأعمال الواعدة في المنطقة لبناء النقل الأخضر واحتجاز الكربون وتخزينه، فضلا عن الطاقة المتجددة. وقال “أعتقد أن لدينا فرصة رائعة لتغيير الطريقة التي نعمل بها في المملكة المتحدة”.

20