ضغوط الميليشيات الشيعية تثير حفيظة سلطات إقليم كردستان العراق

حملة تشنّها الميليشيات الشيعية الموالية لإيران على القيادة السياسية لكردستان العراق حيث تخشى أن تتحوّل أراضي الإقليم إلى موضع تمركز آمن للقوات الأميركية.
الجمعة 2021/03/19
خط كردي أحمر

أربيل (العراق)- تشهد علاقة القيادة السياسية لإقليم كردستان العراق بالميليشيات الشيعية المزيد من التوتّر بسبب ضغوط تمارسها على الإقليم تلك الميليشيات ذات التأثير في السياسة العراقية عبر علاقتها بالأحزاب السياسية وعن طريق ممثليها في البرلمان.

وتكاد تلك الضغوط تتحوّل إلى عملية خنق للإقليم وإفشال لسلطاته عندما تتعلّق بتعطيل تمرير الميزانية الاتّحادية ومنع حصول الإقليم على حصتّه منها والتي تمثّل بالنسبة إليه شريان حياة خصوصا خلال الفترة الحالية وما يميّزها من مصاعب وأزمات.

حكومة إقليم كردستان أعلنت عن تسليمها للحكومة الاتحادية جميع البيانات والإحصائيات المتعلقة بالنفقات والإيرادات النفطية وبعدد الموظفين

ولم يهدأ بعد التراشق حول عملية قصف مطار أربيل الذي تتمركز فيه قوات أميركية قبل حوالي شهر بالصواريخ واتّهام سلطات كردستان لميليشيا كتائب سيّد الشهداء بتنفيذ العملية، حتى أوقدت تصريحات لقائد الميليشيا ذاتها التراشق على نحو أكثر حدّة.

وهدّد أبوآلاء الولائي أمين عام كتائب سيد الشهداء بالمساعدة على إسقاط مسعود البارزاني زعيم الحزب الديمقراطي الكردستاني الذي وصفه بالدكتاتور، متوّعدا بمنع وصول أموال الموازنة الاتّحادية إليه.

وكتب في حسابه على تويتر “رسالتي إلى السيد مسعود البارزاني أنّنا سنعمل جاهدين على منع تمرير قانون الموازنة فيما لو سُمح لك بالسيطرة على أموال الشعب العراقي والكردي”، مضيفا “سنعمل على مساعدة الشرفاء من الأكراد في محافظات الإقليم ليتحرروا من طمعك وشراهتك وظلمك. فقد آن الأوان لوضع حدٍّ لدكتاتوريتك البغيضة”.

وأثارت التغريدة عاصفة غضب في إقليم كردستان لما تضمنه من مساس برمز كبير هناك، حيث يعتبر مسعود البارزاني رغم تنحيه عن رئاسة الإقليم وإسنادها إلى ابن أخيه نيجرفان الحاكم الفعلي للإقليم. وتجلّى ذلك في الردّ الذي أوكل إلى مؤسسة مكافحة الإرهاب في الإقليم في إشارة متعمّدة إلى أنّ الأمر يتعلّق بالتعامل مع إرهابي.

وجاء في بيان صدر عن المؤسسة وتوجّه بالخطاب للولائي “أنت لا تمثل العراق ولا تتولى أي موقع رسمي، ولست سوى إرهابي جبان يدمر البلاد تلبية لرغبات أسيادك، فأنت وأمثالك تنفذون كل يوم عملا إرهابيا في مكان ما، وتوقعون ضحايا من المدنيين الأبرياء وتستهدفون الأماكن العامة والمطارات المدنية بالقصف الصاروخي وتعتدون على التحالف”، في إشارة إلى التحالف الدولي ضدّ تنظيم داعش الذي تقوده الولايات المتّحدة.

الميليشيات تخشى أن تشكّل القيادة الكردية مع رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي معسكرا سياسيا مقرّبا من الولايات المتّحدة

ولا تنفصل حملة الضغوط التي تشنّها الميليشيات الشيعية العراقية المعروفة بعلاقتها الوثيقة بإيران، عن العلاقة المتينة التي تربط القيادة الكردية العراقية بواشنطن.

وتخشى الميليشيات ومن ورائها إيران أن تشكّل القيادة الكردية مع رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي معسكرا سياسيا مقرّبا من الولايات المتّحدة ومضادّا لمعسكر الموالاة لطهران والمشكّل من الميليشيات والأحزاب الشيعية.

كما تخشى أن تتحوّل أراضي الإقليم إلى موضع تمركز آمن للقوات الأميركية التي يطالب حلفاء إيران في العراق بإخراجها من البلاد وقاموا للغرض باستصدار قانون من البرلمان يجبر الحكومة على طرد القوات الأجنبية.

كذلك لا ترغب الأحزاب الشيعية الحاكمة في العراق منذ سنة 2003 في نشوء تحالف بين الكاظمي والقيادات الكردية قبل الانتخابات المبكّرة والمقرّرة لشهر أكتوبر القادم.

ودأبت القوى السياسية الكردية العراقية وعلى رأسها الحزبان الكبيران، الاتحاد الوطني الكردستاني والحزب الديمقرطي الكردستاني على الدخول بمناسبة الاستحقاقات الانتخابية، في مفاوضات ومساومات مع القوى السياسية الرئيسية في العراق والتي دأبت بدورها على التنافس على استمالة الحزبين اللذين يمتلكان كتلة انتخابية وازنة تؤمّن لهما حصّة مضمونة من مقاعد البرلمان الاتّحادي.

وتربط بين الكاظمي ومسعود البارزاني صداقة قوية. ولا تتردد الأحزاب والميليشيات الشيعية في اتّهام رئيس الوزراء بالتقرّب من قيادات إقليم كردستان العراق على حساب “مصلحة الدولة” خدمة لأغراضه السياسية الخاصّة، وذلك عن طريق التساهل معها في ما يتعلّق بالخلاف المالي الحادّ بين بغداد وأربيل حول حصّة الإقليم من موازنة البلاد.

وفي إشارة إلى اتّخاذ المسألة المالية وسيلة للضغط على إقليم كردستان، أضاف بيان مؤسسة مكافحة الإرهاب الكردية القول إن “دولة تكون موازنتها بيدك (الولائي) لتقرر بشأنها لا شك أن النتيجة ستكون نكبة المواطنين وأن يعيشوا تحت خط الفقر وأن يبحثوا عن لقمة العيش في مكبّ النفايات بأطراف المدن”.

أبوآلاء الولائي أمين عام كتائب سيد الشهداء هدد بالمساعدة على إسقاط مسعود البارزاني متوّعدا بمنع وصول أموال الموازنة الاتّحادية إليه

وتخوض حكومة إقليم كردستان العراق منذ أشهر مفاوضات صعبة بشأن حصول الإقليم على حصّته من الموازنة الاتّحادية، لكن مختلف الجهود ظلّت تتعثّر بسبب ضغوط جهات سياسية نافذة في بغداد وتمسّكها بشرط أن تقدّم السلطات الكردية كشفا واضحا بعدد موظفي الإقليم وحجم كتلة الرواتب التي يتقاضونها في ظل شكوك في تضخيم العدد للحصول على أموال إضافية،
وأن تسلّم أيضا للحكومة المركزية عوائد المنافذ الحدودية وعوائد النفط المنتج في الإقليم والذي تقوم سلطاته بتسويقه مباشرة دون تنسيق مع بغداد.

وأعلنت حكومة إقليم كردستان مؤخّرا عن تسليمها للحكومة الاتحادية جميع البيانات والإحصائيات المتعلقة بالنفقات والإيرادات النفطية وبعدد الموظفين. وجاء ذلك في سياق محاولة القيادة الكردية للحصول عن الأموال في أقرب وقت بعد أن أصبحت حكومة الإقليم تواجه صعوبات غير مسبوقة عجزت معها عن دفع رواتب الموظّفين في آجالها المحدّدة ووضعتها في مرمى غضب الشارع الكردي الذي سبق له أن خرج في أكثر من مناسبة للتظاهر والاحتجاج على الصعوبات الاقتصادية وسوء الأوضاع المعيشية.

3