"بانتورا سبيسيال" و"صحا الفنان" مسرحيتان في نقد المجتمع الجزائري

الجزائر - استمتع جمهور قاعة “الشباب”، مسرح الجزائر الوسطى مؤخرا، بالعرض المسرحي الموسوم “بانتورا سبيسيال” من إنتاج التعاونية الثقافية “تافتيكا للمسرح وفنون العرض” بالتعاون مع المسرح الجهوي للعلمة بسطيف، وذلك في إطار برنامج العروض خارج المنافسة الرسمية للمهرجان الوطني للمسرح المحترف في طبعته الـ14.
ورحل جمهور الفن الرابع الذي غصت به القاعة من العائلات والشباب وحتى الأطفال على مدار أكثر من ساعة من الزمن الركحي، إلى أحداث العرض المسرحي الهزلي الذي أخرجه سفيان عطية وكتب نصه بلال لعرابة، فيما صمم السينوغرافيا وساعد في الإخراج بوراس عاشور.
وقد استطاع الثنائي الذي حرك النص عاطف كرميش وبلال لعرابة، خلق أجواء مفعمة بالمواقف والمشاهد الهزلية تفاعل معها الجمهور، وكانت بمثابة مرآة تعكس بنكهة هزلية ذات دلالات واقع يوميات المواطن الجزائري والعربي، وهو يواجه اختلالات الواقع وما يفرزه الراهن الاجتماعي والسياسي والاقتصادي وغيرها من المظاهر.
وتدور أحداث المسرحية التي تم إنتاجها سنة 2017، وحازت على العديد من الجوائز الوطنية والمغاربية خلال العامين الفارطين على غرار جائزة لجنة التحكيم في مهرجان النخلة الذهبية بأدرار 2018، قصة شابين يمارسان مهنة الدهن تم تكليفهما بمهمة طلاء عمود إسمنتي لجدار إحدى مؤسسات التعليم الثانوي، وعوض إنهاء عملهما يدخلان في حوارية مستفيضة يستحضران بلهجة دارجة وعبر لوحات أدائية ما يشغلهما من قضايا تبرز من خلالها أهم المشكلات والسلوكات السلبية التي يعيشها ويحياها المواطن، كطغيان الماديات والثراء السريع وزواج المصلحة وتراجع القيم الأخلاقية والهجرة غير الشرعية ومشكلات التربية والتعليم والمخدرات وغيرها.
وأكد مساعد المخرج والسينوغرافي بوراس عاشور عقب نهاية العرض، أنه اشتغل في مسرحية “بانتورا سبيسيال” التي تم اقتباسها عن فكرة من كتاب “الأمير” لميكافيللي على جماليات اللغة الشعبية المشحونة بقاموس ثري، لتكون عنصرا حاسما في بناء روح العمل الكوميدي وكذا توجيه مساراته التي شكلت نقدا اجتماعيا شمل كافة مكوناته.
كما اعتمد عاشور وكافة الفريق على اقتصاد الفضاء من خلال بساطة الرؤية السينوغرافية بعناصرها المستعملة، كالمكنسة وأدوات الدهن التي تحولت إلى كائنات حية تتحرك وساهمت في توظيفها من طرف الممثلين على تمرير خطابهما الكوميدي ورسائلهما، مبرزا أنه أراد إشراك الجمهور في العملية المسرحية.
بدوره أشار الممثل وكاتب النص بلال لعرابة أنه أراد من خلال هذا العمل المسرحي أن يتناول بصبغة كوميدية ساخرة واقعا اجتماعيا معيشا، ويلقي بالمناسبة إطلالة إبداعية على واقع المجتمع الجزائري عبر نسج شخصيتين هزليتين بسيطتين تتحدثان بعفوية، لكنهما تطرحان بعمق ما يدور في المجتمع وهي إطلالة قريبة للجمهور ويتقبلها.
كما عرضت في إطار الطبعة الـ14 من مهرجان المسرح المحترف المونودراما “صحا الفنان”، التي تغوص في فضاء الإبداع الفني، وتنتقد ظروف الفنان في مجتمع استهلاكي.
وقد استمتع جمهور المسرح البلدي بالجزائر الوسطى، لمدة 60 دقيقة، بالعمل المسرحي الذي مثل الدور الرئيسي فيه، الفنان احسن عزازني، وكانت الموسيقى لعمار شريفي ومن تأليف وإخراج عمر فطموش.
ويتمثل الدور الرئيسي في عازف كمان، ينقص وتر من آلته الموسيقية، حيث يدرك بسرعة أن جميع محلات الموسيقى التي يعرفها قد تحولت إلى فضاءات “للإطعام السريع” في مجتمع استهلاكي “متردي”، حيث “يطغى مبدأ الحرص على الربح السريع”.
وفي محيط معاد لكل إبداع فني، حيث يتعذر إيجاد وتر لآلته الموسيقية، يقرر الفنان مغادرة البلاد، ومن أجل ذلك يذهب لرؤية “مول الخيط” أحد التجار الدهاة الذي يعرف كل الحيل لتفادي المشكلات، والذي يوفر له تأشيرة.
وفي الضفة الأخرى من المتوسط ينجح الفنان ويجد ضالته، حيث تمكن من تعلم العزف على الكونتروباس وهي الآلة التي اشتراها دون غلاف، واضطر عند رجوعه إلى البلاد لنقلها في نعش مدعيا أنها جثمان زوجته، المرأة الفرنسية التي تزوجها، ونجح في جعلها تعتنق الإسلام.
وقد سمح هذا الشكل الجديد الذي يمزج المسرح بالموسيقى الذي أراد عمر فطموش تجربته مع فرقته، بإحداث “تقارب أكبر مع الجمهور”، مما سهّل من توصيل الرسالة.
ويرمز الوتر الناقص من الكمان إلى جميع الآفات الاجتماعية، حيث استطاع عزازني أن يطرح بمهارة إشكالية “فضاء الإبداع الفني والإنتاج في الجزائر”.
ويذكر أن المونودراما “صح الفنان” التي أنتجت في سنة 2019 من قبل تعاونية “مسرح السنجاب” ببرج منايل بالتعاون مع المسرح الوطني الجزائري، وقد برمجت خارج المسابقة الرسمية للطبعة الـ14 من مهرجان المسرح المحترف، ستتبع بمسرحية “الصفقة” للمسرح الجهوي بتيزي وزو.
ويتواصل المهرجان إلى غاية 21 مارس بتقديم عروض ضمن المنافسة بالمسرح الوطني الجزائري، وأخرى خارج المنافسة مبرمجة بالمسرح البلدي بالجزائر الوسطى، وبفضاء حاج عمار وهي قاعة ملحقة بالمسرح الوطني الجزائري.