النساء في اليمن يخضن معركة الحياة دون سلاح

تكشف المرأة، وهي التي تُعرف بنعومتها ودلالها، عن قوتها وحزمها حين تجبرها ظروف الحياة على الوقوف بصلابة للدفاع عن عائلتها وأطفالها، تماما كالمرأة اليمنية التي أجبرتها الحرب على أن تكون سيّدة الأسرة في البيت والشارع. ورغم ما يصيبها من حزن جراء فقد أحد أقربائها، إلا أنها تظل صامدة في أغلب الأحيان ولا تأبى الانكسار.
صنعاء - قرابة سبع سنوات من الحرب أثرت بشكل كبير على الأمهات في اليمن، حيث تعيش الكثير منهن حاليا أسوأ أزمة إنسانية في العالم.
لكن رغم الظروف الصعبة غير المسبوقة، ثمة كفاح وصمود دائمان جعلا النور ينتشر في صفوف العديد من الأسر رغم تفشي الظلام الناجم عن الحرب والصراع في البلد الفقير الذي يعتمد معظم سكانه على المساعدات.
في مارس من كل عام، تحيي دول العالم اليوم العالمي للأم؛ فيما المعارك باليمن تشهد تصعيدا غير مسبوق، بعد أن أثرت بشكل سلبي على مختلف أفراد المجتمع بمن فيهم الأمهات.
ومع ذلك، تجد الأمهات في اليمن مستمرات في كفاحهن، سواء في عملهن كطبيبات أو معلمات، أو مسعفات في الأوقات الحرجة، فضلا عن عملهن الدائم في الجانب الإغاثي، ومختلف المهن الأخرى كالتجارة والزراعة.
وتعتبر الأمهات من بين أكثر الفئات ضعفا في اليمن حيث تموت أم واحدة وستة مواليد كل ساعتين بسبب مضاعفات الحمل أو الولادة، وفق تقارير أممية سابقة تحدثت بأن الرعاية الصحية الأساسية لدعم الأمهات على وشك الانهيار التام.
وتقول الأمم المتحدة إن 1.1 مليون امرأة حامل ومرضعة في اليمن، بحاجة إلى علاج لسوء التغذية الحاد والوخيم، فيما النساء يشكلن نصف النازحين جراء الحرب، والبالغ عددهم قرابة أربعة ملايين.
الأم اليمنية خرجت للعمل رغم خطورة الأوضاع الأمنية، في ظل الأوضاع المعيشية الصعبة
وخلفت الحرب في اليمن كتلة من الآلام بالنسبة إلى العديد من الأمهات، وفي الوقت نفسه كان الصراع سببا في اتساع رقعة الطموح لدى أسر كثيرة حاولت صنع نجاحات من رحم الواقع المأساوي.
تقول أم عبدالله، وهي ربة بيت وأم لأربعة أطفال، مقيمة في مدينة تعز جنوب غربي اليمن، إن الحرب أثرت بشكل كبير على واقع الأمهات، من النواحي السلبية، أو الإيجابية.
وروت تجربتها في ظل الحرب قائلة، “عانيت كثيرا خلال السنوات الماضية، وقد دفعنا الصراع إلى النزوح لمرتين مع الكثير من الأمهات، وتأثرنا نفسيا بشكل سلبي بسبب فقدان الأحبة”.
وأضافت، “اثنان من أسرتي قتلا أثناء مشاركتهما في القتال مع القوات الحكومية ضد الحوثيين، فيما ثلاثة آخرون أصيبوا جراء المواجهات، من بينهم شاب بات مشلولا بسبب رصاصة قناص حوثي”.
وأفادت بأن الكثير من الأمهات تأثرن نفسيا بشكل سلبي جراء فقدان أقاربهن جراء القتال، حيث إن البعض منهن أصبن بأمراض خطيرة جراء صدمات الحرب المستمرة.
وتؤكد أم عبدالله، أن العديد من الأمهات تأثرن بشكل سلبي جراء الحرب، لكن ثمة أخريات تحدين الواقع وخضن تجارب حياتية إيجابية سواء في العمل بالميدان أو من المنزل للمساهمة في بناء المجتمع ومواجهة تداعيات الحرب.
وتقول إن إحدى قريباتها تعلمت الخياطة وأصبحت تساعد أسرتها من دخلها، فيما قررت أم عبدالله حاليا تعلم الخياطة أو فتح محل ملابس مستقبلا لمواجهة صعوبات الحياة ومساعدة أولادها الأربعة.
لا استسلام في قاموس الأم اليمنية، فهي تواصل كفاحها ونضالها الدائمين، في ظل إصرار واضح على مواصلة الحياة رغم كل التعقيدات.
تقول الإعلامية اليمنية نسيم شمسان، إن الأمهات في بلادها يعتبرن كل يوم بالنسبة إليهن معركة كفاح ضد الأوضاع الصعبة التي يعشنها في ظل الحرب المستمرة منذ سنوات.
وأضافت، “الأم اليمنية خرجت إلى ساحات العمل رغم خطورة الأوضاع الأمنية، في ظل الأوضاع المعيشية الصعبة، وغياب الرواتب في الجهات الحكومية”.
وتابعت، “في اليمن نجد المعلمة والممرضة وعاملة النظافة، ملتزمات وفاء للوطن الجريح بالحرب”.

وتابعت، “دوام هؤلاء الأمهات واستمرارهن في خدمة الوطن في حد ذاته صمود وكفاح”.
وأردفت “اليوم هناك من الأمهات من هن صاحبات مشاريع صغيرة بدأن مشاريعهن في ظل ارتفاع الأسعار الجنونية، ومع ذلك انتشرت هذه المشاريع بشكل كبير بسبب غياب الرواتب”.
ومضت قائلة، “أعمال الأمهات واستمرارهن في هذه المشاريع، من الأمور التي جعلت الاقتصاد لا ينهار بهذا الشكل المخيف”.
وختمت شمسان “اليوم مشاريعهن الخاصة تنافس أسماء محلات كبيرة في مجال الأغذية أو حتى الملابس… يمكن اليوم ألا يكون تأثير الأمهات بالشكل الواسع، لكن مستقبلا سيكون حضورهن طاغيا وداعما للوطن بشكل ملحوظ”.
استمرار الحرب للعام السابع، لم يفقد الأم اليمنية أملها في الخلاص من الصراع، فهي دائما تأمل كثيرا في العيش بواقع ملؤه المحبة والوئام، وتناشد بشكل متكرر الأطراف المتصارعة للعمل على إنهاء النزاع في أقرب وقت.
تقول عفاف الأبارة وهي صحافية مهتمة بالشؤون الإنسانية والحقوقية، إن الأم اليمنية عانت كثيرا في ظل الحرب والتشرد، وقد آن الأوان لوقف هذه المأساة من قبل أطراف الصراع.
وأضافت، “هناك من الأمهات من تعرضن للقتل أو الإصابة، فيما أخريات تجرعن ويلات السجون والتعذيب، وثمة من فقدت راتبها وأصبحت من دون أي عمل، فصارت تعيش ألما معيشيا ونفسيا يتسع مع استمرار الحرب”.
وأردفت، “في مارس يتم الاحتفاء باليوم العالمي للأم واليوم العالمي للمرأة، فيما النساء اليمنيات بمن فيهن الأمهات، يحلمن كثيرا في تحقيق أبسط الأحلام، من قبيل العيش في مساحات آمنة خالية من الرصاص والقذائف”.
ومضت قائلة، “صحيح الأم اليمنية عانت كثيرا وثمة أسر تدمرت جراء الصراع؛ لكن هناك أيضا قصص نجاح كبيرة محل فخر واعتزاز للأمهات اليمنيات”.
وتابعتن “هناك أمهات أصبحن يتحملن أعباء البيت بعد فقدان الآباء جراء الحرب، فيما أخريات فتحت مشاريع خاصة وأصبح يشار إليهن بفخر وتقدير بسبب نجاحهن في هذه المرحلة الحرجة”.
وأكدت الأباره، بأن الأم اليمنية حاليا هي بحاجة ماسة إلى إنهاء الحرب في أقرب وقت وعودة النساء النازحات إلى ديارهن، ومن ثم خلق واقع إيجابي تكون فيه المرأة اليمنية مشاركة حقيقية في صنع السلام ومستقبل آمن خال من أي صراعات مقبلة.