تحقيق مصالحة وطنية شاملة التحدي الأبرز للحكومة الليبية الجديدة

دشن أداء رئيس حكومة الوحدة الوطنية الليبية عبدالحميد الدبيبة ووزرائه اليمين الدستورية الإثنين أمام البرلمان مرحلة جديدة في المسار السياسي في ليبيا عنوانها الأبرز ضرورة تحقيق مصالحة وطنية شاملة تضع حدا لحالة الانقسام وترحيل المرتزقة وتنظيم انتخابات في موعدها المحدد في الـ24 من ديسمبر المقبل.
طبرق (ليبيا) - أدى عبدالحميد الدبيبة رئيس حكومة الوحدة الوطنية الليبية المكلفة بإدارة المرحلة الانتقالية وصولا لانتخابات مقررة نهاية العام، اليمين القانونية الاثنين أمام البرلمان ليباشر بذلك مهامه وسط تحديات كثيرة تنتظره على رأسها تنظيم الانتخابات ولكن أيضا تحقيق مصالحة وطنية شاملة تُنهي حالة الانقسام والتشظي التي طغت على المشهد السياسي الليبي.
وبالرغم من أن خطاب رؤساء وأعضاء السلطة الانتقالية في ليبيا لا يكاد يخلو من مفردات المصالحة، غير أن مراقبين يرهنون تحقيق ذلك بوجود إرادة سياسية حقيقية من مختلف الفاعلين للقيام بخطوات تُنجح مسار المصالحة على غرار إطلاق سراح الأسرى وعودة المهجرين وتفكيك الميليشيات لإنهاء سطوتها على الدولة ومؤسساتها وما ينطوي عليه ذلك من تداعيات.
وعُقدت الجلسة البرلمانية في مدينة طبرق (مقر البرلمان المؤقت) الواقعة حوالي 1300 كيلومتر شرق العاصمة طرابلس. وكان مقررا تأدية اليمين في مدينة بنغازي، مهد الانتفاضة التي أدت إلى سقوط نظام معمر القذافي عام 2011، قبل نقلها إلى طبرق لاعتبارات “لوجستية”.
وقال الدبيبة “أقسم بالله العظيم أن أؤدي مهام عملي بكل أمانة وإخلاص وأن أعمل على تحقيق أهداف ثورة 17 فبراير وأن أحترم مبادئ الإعلان الدستوري وأن أرعى مصالح الشعب رعاية كاملة وأحافظ على استقلال ليبيا ووحدة أراضيها”.
وفي كلمة أعقبت انتهاء عملية أداء اليمين الدستورية للحكومة الجديدة، قال رئيس البرلمان عقيلة صالح “بقسم اليمين الدستورية أنجزنا التزاما دستوريا وخطوة أساسية لتمكين حكومة الوحدة الوطنية من أداء مهامها”.
وأضاف “حان الوقت لنتصافح ونتسامح… حيث ما تحقق اليوم جاء بعد سنوات طويلة من الانقسام وبعد شهور طويلة من التشاور والتحاور، لنشهد ميلاد حكومة واحدة تقوم على رعاية الليبيين”.
وتابع رئيس البرلمان “لنتجاوز الماضي ونتطلع إلى المستقبل ونبني الدولة وفق عملية انتخابية، وإتاحة الفرص للجميع دون تهميش وإقصاء”.
وكان رئيس المجلس الرئاسي الجديد محمد المنفي قد شدد الاثنين على ضرورة أن تكون السلطة التنفيذية “نواة” للمصالحة الوطنية.
وقال في كلمته “هذا اليوم هو نصر للشعب الليبي”، في إشارة إلى نجاح الحكومة الجديدة في نيل ثقة البرلمان وتوجهها لأداء اليمين الدستورية تمهيدا لمباشرة مهامها.
ووصف خوسيه ساباديل سفير الاتحاد الأوروبي لدى ليبيا جلسة أداء اليمين بأنها “رسالة قوية” للمصالحة.
ويأتي ذلك في وقت تُبدي فيه جل الأطراف المعنية بالشأن الليبي تفاؤلا حذرا بالمسار السياسي عقب سنوات من الجمود في البلاد المنقسمة إلى معسكرين (واحد في الشرق والآخر في الغرب).
وتم تعيين الدبيبة البالغ من العمر 61 عاما رئيسا للوزراء إلى جانب مجلس رئاسي من ثلاثة أعضاء في الـ5 من فبراير من قبل 75 مسؤولا ليبيا من جميع الأطراف مجتمعين في جنيف تحت رعاية الأمم المتحدة.
وحصلت حكومة الوحدة الوطنية التي يرأسها الدبيبة على ثقة نواب “تاريخية” الأسبوع الماضي حيث صوت لها 132 نائبا من مجموع 133 حاضرين.
وستحل حكومة الدبيبة بعد نيلها الثقة محل حكومة الوفاق الوطني التي نصبت في العام 2016 في طرابلس غرب البلاد والحكومة المؤقتة برئاسة عبدالله الثني ومقرها بنغازي الواقعة تحت سيطرة الجيش الليبي بقيادة المشير خليفة حفتر.

وتتولى السلطة التنفيذية الجديدة مسؤولية توحيد مؤسسات الدولة والإشراف على المرحلة الانتقالية إلى حلول موعد انتخابات 24 ديسمبر، عندما تنقضي مدتها بموجب خارطة الطريق الأخيرة.
ودعا الدبيبة، الذي يُعد أحد أعيان مدينة مصراتة الساحلية (غرب) وليس لديه خط أيديولوجي واضح وسبق أن تولى مسؤوليات عدة في عهد القذافي، مدينته في وقت سابق إلى قيادة المصالحة الوطنية.
ويرى مراقبون أن التحدي الأبرز للدبيبة يتمثل في حلحلة ملف المصالحة والمرتزقة، حيث يتعين على الرجل ضمان رحيل 20 ألفا من المرتزقة والمقاتلين الأجانب الذين مازالوا منتشرين في ليبيا.
وطالب مجلس الأمن الدولي الجمعة بـ”انسحاب جميع القوات الأجنبية والمرتزقة من ليبيا من دون المزيد من التأخير”.
وشدد المتحدث الرسمي باسم المجلس الأعلى للقبائل والمدن الليبية المبروك أبوعميد على رفض القبائل المطلق لوجود أي قوات أجنبية على الأراضي الليبية، مؤكدا “أهمية الدفع باتجاه المصالحة الوطنية التي تقوم على حسن النوايا بإطلاق سراح المعتقلين وعودة المهجرين”.
وفي الوقت الذي كان فيه الدبيبة ووزراؤه يؤدون اليمين القانونية قام عدد من أهالي وذوي المعتقلين السياسيين والأسرى العسكريين الليبيين بوقفة احتجاجية أمام مقر اللجنة العسكرية المشتركة بمدينة سرت، مطالبين بإطلاق سراح كل الأسرى والمعتقلين “دون قيد أو شرط” كخطوة أولى في سبيل تحقيق المصالحة الوطنية.