تركيا تعرض الوساطة في أزمة سد النهضة شريطة عدم تدخل الدول الغربية

أنقرة - عرض المبعوث الشخصي للرئيس التركي إلى العراق فيصل إيروغلو قيام بلاده بوساطة لحلّ أزمة ملف سد النهضة بين مصر والسودان وإثيوبيا.
وقال إيروغلو الأربعاء إن بإمكان بلاده “القيام بوساطة في أزمة ملف سد النهضة شريطة عدم تدخل الدول الغربية، لأن ذلك قد يقود إلى عدم المصالحة”، معتبرا أن سد النهضة "قضية تقنية ولدى بلاده الكثير من الخبراء الذين يمكنهم المساعدة في حلها".
ولم تتمكن المباحثات الدائرة على مدى سنوات من التوصل إلى اتفاق بين الدول الثلاث، حول تشغيل وملء السد الإثيوبي العملاق.
وأعلنت إثيوبيا مؤخرا عزمها البدء في الملء الثاني لبحيرة السد في يوليو المقبل، وهو ما تتمسك الحكومة السودانية برفضه معتبرة أن ملء السدّ يشكل تهديدا مباشرا لسد الروصيرص ومنظومات الري وتوليد الكهرباء ومحطات مياه الشرب على طول النيل الأزرق والنيل الرئيسي، الأمر الذي تعتبره الخرطوم تهديدا للأمن القومي السوداني.
وتصر أديس أبابا على ملء السد حتى لو لم تتوصل إلى اتفاق بشأنه مع القاهرة والخرطوم، فيما تصر الأخريان على ضرورة التوصل أولا إلى اتفاق ثلاثي، لضمان عدم تأثر حصتهما السنوية من مياه نهر النيل.
وتشهد العلاقات الإثيوبية التركية زخما في الفترة الأخيرة ترجمته الاتصالات الجارية بين الطرفين والتصريحات الودية، الأمر الذي أثار تساؤلات حول سر هذا التغير المفاجئ، لاسيما وأن العلاقة بينهما شابها نوع من الفتور خلال الأشهر الماضية، بعد اكتشاف أديس أبابا لشحنات أسلحة ضخمة يجري تهريبها من تركيا إلى أراضيها.
ورأى مراقبون أن هذا التحول الإثيوبي صوب تركيا، يعكس براغماتية الحكومة الإثيوبية بقيادة آبي أحمد، فالأخير يسعى للاستفادة من اهتمام الرئيس رجب طيب أردوغان بالمجال الحيوي لبلاده، ومحاولة استثمار الأمر في مواجهة السودان ومصر، لاسيما بعد فقدانه حليفا مهما وهو نظام الرئيس عمر حسن البشير في السودان.
ولتعزيز العلاقة مع أديس أبابا فوائد اقتصادية كبرى بالنسبة إلى تركيا التي تواجه أزمة اقتصادية حادة فاقمتها تداعيات الجائحة، وهي ترى في بلدان مثل إثيوبيا (ثاني أكبر كتلة سكانية في أفريقيا) سوقا مهمة.
ومتوقع أن تقدم أنقرة دعما متنوعا لأديس أبابا مع غياب أي أمد للحلول الفنية والسياسية لأزمة سدّ النهضة، في ظل توقعات دوائر عديدة بإمكانية لجوء مصر والسودان إلى استخدام القوة للدفاع عن النفس، طبقا للفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة.
ويتطابق الموقف المصري الحالي مع طريقة التفكير السودانية بشأن التعامل مع سد النهضة، في ممارسة أقصى درجات الضغط الدبلوماسي على أديس أبابا، مصحوبة بإشارات تحمل مضمونا يفيد بوجود خيارات أخرى، في حال فشلت جميع الخيارات السياسية.
وتدعم القاهرة مقترحا قدمته الخرطوم حول إقرار آلية تفاوض جديدة من خلال تشكيل لجنة رباعية دولية، تقودها الكونغو الديمقراطية بصفتها الرئيس الحالي للاتحاد الأفريقي، وتشمل الأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة، للتوسط في المفاوضات المتعثرة، رفضته أديس أبابا، الثلاثاء.
وتحاول تركيا أيضا إعادة العلاقات الدبلوماسية مع مصر بعد سنوات من التوتر، وفي وقت سابق الجمعة أعلن وزير الخارجية التركي مولود جاويش أوغلو بدء الاتصالات الدبلوماسية بين أنقرة والقاهرة، من أجل إعادة العلاقات إلى طبيعتها، وعدم طرح البلدين أي شروط مسبقة من أجل ذلك.
ويرى متابعون أن تركيا التي ما فتئت تستشعر عزلة دولية متزايدة مؤخرا، لم تجد من سبيل للخروج منها سوى عبر إعادة النظر في سياساتها الخارجية في محاولة لتدعيم نفوذها في أفريقيا واستعادة علاقاتها السابقة، لاسيما مع صعود إدارة الرئيس الأميركي الجديد جو بايدن الذي لا يخفي تحفظه على نهج الرئيس التركي رجب طيب أردوغان.