المعارضة السورية.. كيانات مشتتة تفشل في تقديم بديل لنظام الأسد

قيادات معارضة رهينة أجندات الدول الداعمة.
الثلاثاء 2021/03/09
معارضة ضعيفة

دمشق - فشلت المعارضة السورية على اختلاف مكوّناتها في توحيد صفوفها وتقديم بديل سياسي فاعل عن نظام الرئيس بشار الأسد، بعد عشر سنوات من عمر النزاع في سوريا.

ولم تنجح مجموعات المعارضة السياسية المقيمة بغالبيتها في المنفى في بناء جسور مع الداخل السوري، وغالبا ما اتُهمت بعدم تمثيلها لصوت الشارع المعارض والفصائل المقاتلة التي تمكنت في سنوات النزاع الأولى من السيطرة على نحو ثلثي مساحة البلاد، وهو ما أدى إلى تقلص زخم الدعم الدولي والعربي لها.

ويرى مراقبون أن المعارضة لم تفرز قيادة بديلة تشكل محاورا يتمتع بالمصداقية للمجتمع الدولي، وبقيت رهينة أجندات دول تدعمها أو تحرّكها، ما شكّل خيبة أمل حقيقية للناشطين و"الثوّار" ونقطة قوة لدمشق.

وعقدت أولى اجتماعات المعارضة مطلع يونيو 2011 في مدينة أنطاليا التركية، بعد أسابيع على بدء التظاهرات الاحتجاجية في سوريا. وشارك في الاجتماعات ممثلون عن جماعة الإخوان المسلمين المحظورة في سوريا، وعن "إعلان دمشق" الذي ضم هيئات وشخصيات معارضة في الداخل والخارج، وشخصيات كردية وشبان يشرفون على تنظيم التظاهرات.

وفي أكتوبر 2011، وبعد اجتماعات في تركيا، تأسس المجلس الوطني السوري. وتحالف بعد عام مع مجموعات أخرى أبرزها لجان التنسيق المحلية التي دأبت على الدعوة وتنسيق التظاهرات أسبوعيا، والمجلس الوطني الكردي، تحت مسمّى الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة السورية.

وفيما منيت قوات النظام بخسائر متلاحقة في الميدان، حظي الائتلاف الذي تأسس في الدوحة باعتراف رسمي من أكثر من مئة دولة غربية وعربية في مؤتمر "أصدقاء سوريا" نهاية العام 2012 بوصفه "ممثلا وحيدا للشعب السوري".

ومع عسكرة النزاع، تعدّدت الفصائل المقاتلة التي تلقت دعما من جهات ودول لها أجندات خاصة، على رأسها قطر وتركيا، لكنها لم تحظ بدعم عسكري كاف لدحر قوات النظام كما توقّعت، لخشية الغرب من تكرار سيناريو الفوضى الليبي.

ببب

وأسهم تصاعد نفوذ التنظيمات المتشددة، لاسيما تنظيم الدولة الإسلامية، منذ العام 2014 في إضعاف المعارضة سياسيا وعسكريا. ومع استقطاب التنظيم الإرهابي للآلاف من المقاتلين الأجانب وتنفيذه هجمات دامية في الخارج، انصبّ تركيز المجتمع الدولي بقيادة واشنطن على دعم الفصائل الكردية (التي بقيت خارج تكتل المعارضة) وحلفائها لمواجهة الجهاديين عوضا عن دعم خصوم الأسد.

في مطلع العام 2014، شارك الائتلاف مع وفد من النظام في جولتي مفاوضات بإشراف الأمم المتحدة سعيا لإيجاد حل للأزمة، من دون إحراز تقدم. وبرعاية سعودية، تشكلت نهاية 2015 الهيئة العليا للمفاوضات التي ضمّت أطيافا واسعة من المعارضة أبرزها الائتلاف وفصائل مقاتلة، تمهيدا لبدء مفاوضات جديدة مع النظام في جنيف.

وظهرت لاحقا منصات أخرى تتحدث باسم المعارضة: منصة القاهرة التي ضمت معارضين من الداخل والخارج، ومنصة موسكو برئاسة نائب رئيس الوزراء الأسبق قدري جميل.

وفي الداخل، نشطت مجموعات معارضة، بعضها مقبول إجمالا من النظام، ضمت أحزابا قومية ويسارية وكردية وشخصيات وطنية، لم يسلم بعض أعضائها من الاعتقال، وأخرى محسوبة على دمشق. وقد دعيت جميعها إلى جنيف.

ومع انطلاق جولات المحادثات عام 2016، وجدت مجموعات المعارضة نفسها مطالبة بتوحيد وفدها رغم تباين مواقفها خصوصا من مصير الأسد. وفي نوفمبر 2017، تأسست هيئة التفاوض العليا على وقع ضغوط دولية للتخلي عن الشروط المسبقة، لاسيما تنحي الأسد، قبل بدء التفاوض.

وبعد خسائر ميدانية أبرزها في مدينة حلب (شمال) نهاية 2016، ثم الغوطة الشرقية قرب دمشق في أبريل 2018، بدا واضحا أن الدول التي دعمت المعارضة واستقبلت قياداتها باتت تتعاطى بواقعية أكبر مع بقاء الأسد.

وبدءا من 2017، طغت محادثات أستانا برعاية روسيا وإيران، حليفتي دمشق، وتركيا الداعمة للمعارضة، على مسار جنيف وأضعفته.

ببب

وبعدما كانت المعارضة تفاوض النظام في جنيف على مرحلة انتقالية بعد رحيل الأسد، تمهيدا لتسوية سياسية، باتت المحادثات تقتصر اليوم على لجنة دستورية تضمّ ممثلين عن الطرفين لبحث تعديل أو وضع دستور جديد، لكنّها لم تحقق تقدما بغياب "نية للتسوية" باعتراف الأمم المتحدة.

ويقول الناشط الحقوقي البارز مازن درويش الذي اعتقل لنحو أربعة أعوام في سجون النظام وخطف عدد من فريق عمله قرب دمشق، "المعارضة هي إحدى الخيبات".

ويضيف "بعض المعارضين يعملون كسفراء لدول أخرى ويمثلون مصالحها في سوريا تعاملوا مع النظام كما لو أنه سيسقط خلال أشهر، وكان الهم الأساسي من سيحظى بمنصب، بينما كنا نحن نحلم بتغيير النظام والحريات وحقوق الإنسان".

في إدلب التي نزح إليها بعد خروجه من الغوطة الشرقية قرب دمشق، يقول خالد عكاشة (23 عاما) "عند انطلاق الثورة، خرجنا من أجل هدف، حلمنا بسوريا المستقبل التي لا يحكمها نظام دكتاتوري يتحكم بكل شاردة وواردة.

لكن بعد عقد من الزمن خسرنا كثيرا. لن أقول فشلت المعارضة لكن المكاسب التي حققتها لا تعادل أبدا ما انتظرناه. خسرنا عشر سنوات من أعمارنا، تدمر البلد فيما النظام زاد قمعا وإجراما".

ويخلص إلى القول "ما لم تتمكن المعارضة من إنجازه خلال عشر سنوات، لن تتمكن من تحقيقه اليوم".