البيت الأبيض يضع الصين على رأس التحديات ويتأهب لمواجهة إيران

في المقاربة بين اعتداءات إيران ضد جيرانها ونهج القاعدة وداعش، فإن واشنطن ستعامل طهران مثل التنظيمات الإرهابية.
السبت 2021/03/06
موازنة الوجود العسكري الأميركي في الشرق الأوسط

واشنطن – أصدر البيت الأبيض الأسبوع الماضي ملف توجيهاته الاستراتيجية في المرحلة الانتقالية والتي تحدد أولويات إدارة بايدن في التعامل مع التحديات الأمنية التي تواجه الولايات المتحدة وحماية الدور الأميركي الريادي في العالم.

وركز التقرير على الارتباط المتزايد بين مصير الولايات المتحدة والأحداث والمجريات التي تحصل خارج حدودها، وقدم أمثلة عديدة على ذلك منها جائحة كورونا والأزمة الاقتصادية العالمية، والتغير المناخي، وصعود الأفكار القومية المعادية للآخر في وقت تنحسر فيه الديمقراطية، والتنافس الآخذ بالازدياد مع دول الاستبداد كالصين وروسيا، والدور الذي يلعبه التقدم التقني في تغيير كافة أسس الحياة اليومية.

واختصر التقرير أولويات الأمن القومي الأميركي في ثلاث نقاط جوهرية، الأولى تتمثل في الدفاع وتدعيم مصادر قوة الولايات المتحدة الأساسية والمتمثلة في الشعب الأميركي والاقتصاد والقوة الدفاعية والديمقراطية في الداخل.

أما النقطة الثانية، فتتمثل في توزيع القوة الأميركية بشكل مناسب لدرء الأخطار على الولايات المتحدة وحلفائها ومصالحها ومنع الأنداد من السيطرة على مناطق أساسية أو منافذ رئيسية في العالم، وأخيرا قيادة نظام عالمي مستقر ومنفتح يعتمد على التحالفات بين الديمقراطيات والشراكات ودور المؤسسات الدولية والقانون.

ومع أن التقرير المؤلف من 24 صفحة والمذيل بتوقيع الرئيس الأميركي استند على الخطوط العريضة، وأتى خاليا من المفاجآت، إلا أن التركيز على الصين واللغة التي استخدمت لشرح خطرها فاقا التوقعات.

ففي الشأن الدولي أكد التقرير أن الصين آخذة بالتوسع بشكل متسارع، ووصفها أنها الدولة الوحيدة التي تملك القدرة على دمج قدراتها الاقتصادية والعسكرية والدبلوماسية والتقنية نحو تشكيل خطر على التوازن الدولي. كما ذكر بشكل واضح أن هدف الخطة الأمنية الحالية هو تعزيز قدرات الولايات المتحدة بما يؤهلها للانتصار في المنافسة الاستراتيجية مع الند الصيني.

ولم يهمل التقرير روسيا أيضا، فبالرغم من الإشارة غير المباشرة إلى أن روسيا لا تستطيع مواجهة الولايات المتحدة، إلا أنه حذر من الخطوات الفاعلة التي تقوم بها موسكو لتقويض القوة الأميركية ومنع الولايات المتحدة من الدفاع عن نفسها وحلفائها.

وقارن التقرير الخطر الإيراني بذلك الآتي من كوريا الشمالية حيث تسعى الدولتان لرفع مستوى دورهما الإقليمي السلبي عبر تطوير أسلحة غير تقليدية من شأنها تغيير قواعد اللعبة.

وجرى التركيز على ضرورة موازنة الوجود العسكري الأميركي في الشرق الأوسط لمجابهة خطر إرهاب القاعدة وداعش والاعتداءات الإيرانية في مقاربة واضحة بين تأثير هذين الخطرين المتشابه على أمن دول الشرق الأوسط والمصالح الأميركية في المنطقة وفي تأكيد على تواجد الخيار العسكري ضد إيران على الطاولة.

وظهر دور الدبلوماسية الأميركية طاغيا في التقرير الذي حددها كخيار أول في التعاطي مع الأزمات، لكنه أعلن بوضوح أن الولايات المتحدة لن تتردد أبدا في استعمال قوتها العسكرية إن جرى تهديد مصالحها القومية الأساسية.

Thumbnail

وفي الشأن الداخلي أتى التركيز كما كان متوقعا على تداعيات جائحة كورونا خصوصا على الاقتصاد الأميركي، وضرورة دعم الاقتصاد على المدى القصير لتجاوز آثار الجائحة وعلى المدى الطويل للحماية من أخطار مماثلة وغير متوقعة قد تظهر مستقبلا.

كما لم يتجاهل التقرير مشاكل الداخل من إرهاب محلي واضطرابات مدنية وحددها كأخطار محدقة بالأمن الأميركي في إشارة إلى المظاهرات وأعمال الشغب والعنف التي عصفت بمدن الولايات المتحدة خلال العام الماضي، خصوصا تلك التي تلت الانتخابات الرئاسية. وطرح ضرورة أن تكون جهود مكافحة الإرهاب متجاوبة مع المتغيرات بما فيها ظهور جماعات متشددة تنادي بالعنف داخل الولايات المتحدة.

وفي خاتمته أكد التقرير أن الولايات المتحدة تمر في لحظة تاريخية يجري فيها النقاش حول مصير العالم المستقبلي. ولتنتصر الولايات المتحدة في تحديات المرحلة القادمة عليها إظهار استطاعة الأنظمة الديمقراطية على تقديم ما تتطلع له الشعوب.

وهذا لن يحصل مصادفة أو تلقائيا، فعلى واشنطن الدفاع عن نظامها الديمقراطي وتدعيمه وتجديده عبر تقوية دعائم الاقتصاد، واستعادة الدور الأميركي البارز في المؤسسات الدولية، والحفاظ على القيم الأميركية والدفاع عن هذه القيم في أرجاء العالم، بالإضافة إلى تحديث قوتها العسكرية إلى جانب لعب دور دبلوماسي عالمي ريادي عبر تنشيط شراكاتها وتحالفاتها الدولية.

ولا يخفى عمن يقرأ هذه الورقة أن الأمن القومي للولايات المتحدة يواجه تحديات متزايدة وضغوطا مستحدثة من الداخل والخارج في آن واحد. ويظهر أيضا إدراك الإدارة الأميركية بضرورة استخدام الدبلوماسية والاعتماد على الحلفاء لحل الخلافات قبل اللجوء إلى القوة والخيار العسكري.

ومع أن القدرات العسكرية الأميركية أكبر بمرات من تلك التي يمتلكها أي ندّ، إلا أن الانخراط في نزاعات متعددة على جبهات متناثرة الأطراف وبشكل انفرادي هو توجه أثبت فشلا استراتيجيا عبر العصور. والرئيس الأميركي بايدن مصمم على عدم الانجرار نحو مواجهات عسكرية إن لم تكن هناك ضرورة ملحة أو تهديد مباشر للولايات المتحدة ومصالحها.

وقد أصبح التعامل مع التمدد الصيني ضرورة وليس خيارا، وهذا التحدي قد يكون أكبر من أن تواجهه الولايات المتحدة وحدها ودون مشاركة شركائها في أوروبا والأميركيتين. ومن غير المستبعد أن تلجأ إدارة بايدن إلى حرب الرسوم الجمركية التي أثبتت نجاحا في عهد الرئيس ترامب لكن بشكل موسع وبتنسيق مع الحلفاء.

لكن في ما يخص الشرق الأوسط وإيران تحديدا، كان التقرير صريحا حول ضرورة استمرار التواجد العسكري الأميركي في المنطقة للتعامل مع خطر إرهاب الدولة وإرهاب المنظمات على حد السواء.

وفي المقاربة بين الاعتداءات الإيرانية ضد جيرانها ونهج القاعدة وداعش موقف أميركي جديد وواضح حول استعداد واشنطن لمعاملة طهران كما تعامل المنظمات الإرهابية. فهل تنجح إيران هذه المرة في قراءة الرسالة الأميركية الجديدة بعد أن فشلت في التعامل إيجابا مع الخيارات الدبلوماسية التي فتحت أمامها؟

7