الفوتوغراف يوثّق مسيرة أعرق المهرجانات التونسية

يمثّل معرض “قرطاج حينئذ والآن” المقام حاليا بمدينة الثقافة التونسية باكورة مشروع تونسي متكامل يسعى لحفظ ذاكرة مهرجان قرطاج الدولي من التلف والنسيان، والذي أتى في شكل مجموعة من الصور الفوتوغرافية والفيديوهات والمقالات الصحافية، التي تتحدّث عن المهرجان منذ انطلاقه وحتى بداية تسعينات القرن الماضي.
تونس- يتواصل بالبهو الرئيسي لمدينة الثقافة بالعاصمة تونس حتى الأحد، معرض “قرطاج حينئذ والآن” الذي يستحضر مسيرة مهرجان قرطاج الدولي (الصيفي) ومن وقفوا على خشبته منذ تأسيسه في العام 1964 وحتى بداية تسعينات القرن الماضي، وذلك من خلال مجموعة من الصور والمقالات الصحافية، التي توثّق للحظات استثنائية تثبت مكانة المهرجان التونسي العريق في الخارطة العربية والعالمية.
والمعرض، هو جزء من عمل كبير لتجميع أرشيف مهرجان قرطاج الدولي، اشتركت فيه الهيئة المديرة لمهرجان قرطاج الدولي 2021 والمؤسسة الوطنية لتنمية المهرجانات والتظاهرات الثقافية والفنية، بمساهمة العديد من المؤسسات العمومية التونسية، كقسم الأرشيف بوزارة الشؤون الثقافية ودار الكتب الوطنية والمركز الوطني للتوثيق ووكالة تونس أفريقيا للأنباء ومؤسسة الإذاعة التونسية.
قامات عالمية
يستعرض “قرطاج حينئذ والآن” مجموعة من الصور الفوتوغرافية النادرة التي يعود بعضها إلى بدايات المهرجان، منها صورة من حفل الفنانة الجنوب أفريقية ميريام ماكيبا، التي غنت في العام 1964 على خشبة المسرح الروماني العريق.
وماكيبا التي توفيت في العام 2008 لم تكن فنانة ذائعة الصيت فحسب، بل كانت مناضلة أيضا، وهي التي رافقت الزعيم نيلسون مانديلا في صراعه ضد العنصرية في جنوب أفريقيا. وعاشت جزءا من حياتها لاجئة في الجزائر التي شكرتها بأغنية “أنا حرة في الجزائر”.
وتقديرا لمسيرتها كفنانة وكمناضلة حقوقية، استقبل الرئيس التونسي الأسبق الحبيب بورقيبة الفنانة الجنوب أفريقية في قصره إبان زيارتها الأولى لتونس، قبل أن تتكرّر زيارتها للبلد ضمن مهرجان طبرقة للجاز، وهو ما يبرزه المعرض من خلال صورة أرّخت اللقاء الحميمي الذي جمع الفنانة الملقّبة بـ”أم أفريقيا” والزعيم التونسي الراحل.
كما يقدّم المعرض صورا للفنان السوري فهد بلان والفنانة اللبنانية صباح من حفليهما الأول بالمهرجان في العام 1966، مرفقا بالعديد من المقالات الصحافية التي تحدّثت عن الحفلين، وغير بعيد عن صورتيهما تحضر في المعرض صورة فوتوغرافية توثّق لواحدة من أهم التجارب في المسرح التونسي “جحا والشرق الحائر”، لفرقة مسرح الجنوب بقفصة في العام 1973 مع رؤوف بن عمر وفاضل الجزيري وجليلة بكار وسمير العيادي وفاضل الجعايبي.
ومن أرشيف المهرجان تحضر في المعرض صورة للفنان اللبناني وديع الصافي في إحدى حفلاته بالمهرجان التونسي التي تعود إلى العام 1975، وهي السنة ذاتها التي غنّت فيها الفنانة الإيطالية-المصرية داليدا أشهر أغانيها حينئذ، “جيجي لاموروز” (جيجي العاشقة) التي ألهبت مدرجات المسرح الروماني رقصا وتصفيقا.
ومن سبعينات قرطاج يبرز المعرض صورة للفنان العالمي راي تشارلز، التقطت له أثناء حفله التاريخي بالمهرجان في العام 1976، وهو الذي صنّفته المجلة الموسيقية المختصة “رولينع” أحد العشرة الخالدين في موسيقى السول والبوب والكانتري أميركي، وصاحب 13 جائزة غرامي.
ذكريات خالدة
بعد ثلاث سنوات من حفل تشارلز في قرطاج، استقبل المهرجان الدولي مسرحية “على نخبك يا وطن”، التي ما زالت تعتبر إلى اليوم واحدة من مرجعيات المسرح السياسي العربي.
والمسرحية السورية التي ألّفها محمد الماغوط وأخرجها خلدون المالح وقام ببطولتها كل من دريد لحام وحسام تحسين بك وصباح جزائري، مثّلت في العام 1979 ثورة في المسرح الاجتماعي السياسي، بنقدها الجريء للأوضاع الاقتصادية والاجتماعية في سوريا والعالم العربي بشكل عام.
وأتت الصور المعروضة للمسرحية مصحوبة بالعديد من المقالات الصحافية التي ترجمت وقع العرض على المتلقي التونسي آنذاك، منها مقال كتب فيه “لكي تكون شاعرا عظيما يجب أن تكون صادقا، ولكي تكون صادقا يجب أن تكون حرّا، ولكي تكون حرّا يجب أن تعيش، ولكي تعيش يجب أن تكون أخرس”، في إشارة إلى مؤلف المسرحية الشاعر السوري الراحل محمد الماغوط.
ومن ثمانينات قرطاج تستعرض الصور الفوتوغرافية حفلا للفنان التونسي أنور براهم الذي يعدّ اكتشاف المهرجان في العام 1985، كما تحضر صور أخرى من حفل الفنان الراحل الهادي الجويني أحد رموز الموسيقى التونسية العصرية في تلك الفترة.
ومن العروض التونسية أيضا تستعرض الصور حفلا للفرقة القومية للموسيقى في العام 1988، والتي كانت تجمع أفضل الأصوات التونسية في أواسط الثمانينات، على غرار الراحلة ذكرى ونجاة عطية وصوفية صادق وفيصل الرياحي والشاذلي الحاجي.
ومن الدورة ذاتها تحضر في ألبوم ذكريات المعرض المسرحية الكوميدية التونسية “حمالة في النازلة”، وهي من بطولة الأمين النهدي والمنجي العوني ونورالدين بن عياد.
المعرض يستحضر مسيرة ومسار مهرجان قرطاج ومن وقفوا على خشبته منذ التأسيس وحتى تسعينات القرن الماضي
وتستيقظ الكثير من الذكريات في معرض “قرطاج حينئذ والآن” مع صور تقتنص لحظات مؤثرة تأخذ المشاهد إلى العام 1991 مع عرض “النوبة” لفاضل الجزيري وسمير العقربي، وهو العرض الموسيقي الشعبي الذي مثّل حينها الحدث الفني بتونس التسعينات، حيث جمع بشكل غير مسبوق أشهر فناني الأغنية الشعبية التونسية “المزود” على خشبة واحدة، كالهادي حبوبة وفاطمة بوساحة وإسماعيل الحطاب وآخرين، كما جمع صورا وكواليس ولحظات لا تنسى.. مرفقة بمقالات كثيرة أتت بتاريخ 30 يوليو 1991 تروي تفاصيل العرض وتفاعل الجمهور الاستثنائي مع فقراته المتنوّعة.
وعن المعرض، يقول عماد العليبي المدير الفني لمهرجان قرطاج الدولي، “المعرض ليس إلاّ جزءا من أرشيف مهرجان قرطاج الدولي المتاح بأكمله على الموقع www.mediafic.tn”.
ويضيف “الموقع لن يمكّن الزائر من رفع المادة واستغلالها في البحث والدراسة فقط، إنّما يسمح أيضا بإضافة مواد توثيقية ليكون بذلك تجميع الأرشيف عملا تشاركيا بين العديد من الأطراف، ممّا يساعد المهرجان على التأسيس للمستقبل بشكل أفضل وأكثر نجاعة وقدرة على الاستمرارية، كما سنرفق الموقع بفيلم وثائقي وكتاب حول تاريخ المهرجان ليكونا مادة للباحثين والدارسين”.