إدانة عنصر من المخابرات السورية في برلين.. بارقة أمل لوقف سياسة الإفلات من العقاب

برلين – رحّب وزير الخارجية الألماني هايكو ماس الأربعاء بصدور “حكم تاريخي” بحق عنصر سابق في الاستخبارات السورية، في أول محاكمة في العالم على ارتباط في عمليات تعذيب منسوبة إلى نظام الرئيس بشار الأسد.
وكتب ماس في تغريدة “إنه أول حكم يحاسب مسؤولين عن التعذيب في سوريا” مشيراً أيضاً إلى “الدلالة الرمزية العالية” التي يحملها بالنسبة للسوريين حكم القضاء الألماني بالسجن أربعة أعوام ونصف العام على عنصر سابق في الاستخبارات لضلوعه في جرائم ضد الإنسانية.
وأصدرت محكمة ألمانية الأربعاء حكما على عسكري سابق في الاستخبارات السورية بالسجن أربع سنوات ونصف السنة بعد إدانته بتسهيل تعذيب 30 سجينا.
ومع اقتراب الذكرى العاشرة لانطلاق الانتفاضة الشعبية في سوريا في 15 مارس 2011، هذه هي المرة الأولى في العالم التي تصدر فيها محكمة حكما في قضية مرتبطة بالقمع الوحشي والدامي من قبل نظام الرئيس السوري بشار الأسد للاحتجاجات من أجل الحرية التي جرت في إطار "الربيع العربي".
ولمحاكمته، طبقت ألمانيا مبدأ الولاية القضائية العالمية الذي يسمح بمحاكمة مرتكبي أخطر الجرائم بغض النظر عن جنسيتهم ومكان حدوث الجرائم.
وتشكّل هذه القضية الأولى من نوعها فسحة أمل للاجئين السوريين في ألمانيا وأوروبا لإنهاء سياسة الإفلات من العقاب والتمكن من افتكاك حقوقهم وتخفيف ذكرى انتهاكات أرغمت كثيرين منهم على الهجرة.
وكشف محام سوري أن إياد الغريب (44 عاما) أدين بالقبض على ما لا يقل عن 30 من نشطاء المعارضة في دوما، كبرى مدن الغوطة الشرقية بالقرب من دمشق، بعد مظاهرة مناهضة للأسد وإرسالهم إلى منشأة تابعة للمخابرات، وهو يعرف أنهم سيتعرضون فيها للتعذيب في معتقل سري تابع للنظام ويسمى “الفرع 251” أو الخطيب في سبتمبر وأكتوبر 2011.
وكان المتهم قد وصل في 25 أبريل 2018 إلى ألمانيا بعد رحلة طويلة في تركيا ثم في اليونان ولم يخف ماضيه يوما. وعندما روى رحلته الشاقة للسلطات المسؤولة عن البت في طلب اللجوء الذي قدمه، أثار اهتمام القضاء الألماني ما أدى إلى اعتقاله في فبراير 2019.
ويؤكد الادعاء أنه كان جزءا من نظام يمارس فيه التعذيب على نطاق واسع.
ولزم الغريب خلال جلسات الاستماع التي استمرت عشرة أشهر، الصمت وأخفى وجهه عن الكاميرات. ومع ذلك فقد كتب رسالة أعرب فيها عن حزنه على الضحايا.
وكان يبكي وهو يستمع إلى محاميه يطالبون ببراءته بحجة أنه كان سيعرض حياته وحياة أسرته للخطر إذا لم ينفذ أوامر في نظام يسحق كل نية للعصيان.
وكشفت التحريات الألمانية أن المتهم كان تحت إمرة ابن خال بشار الأسد والمقرب منه حافظ مخلوف المعروف ببطشه. ومع ذلك، استنكر أحد محامي الادعاء المدني باتريك كروكر صمته. وقال إن أشخاصا “من رتبته يمكن أن يكونوا مهمين جدا لإعطائنا معلومات (عن المسؤولين السوريين) الذين نستهدفهم بالفعل، لكنه اختار عدم القيام بذلك”.
وتزداد الدعاوى المرفوعة أمام المحاكم الوطنية في ألمانيا والسويد وفرنسا بمبادرة من اللاجئين السوريين في أوروبا. وهي حاليا الإمكانية الوحيدة للحكم على الانتهاكات المرتكبة في سوريا مع شلل القضاء الدولي.
وأدلى أكثر من عشرة سوريين بإفاداتهم حول الانتهاكات المروعة التي تعرضوا لها في سجن الخطيب.
وجرت مقابلة بعض الشهود دون كشف هوياتهم وتم إخفاء وجوههم، أو جعلهم يضعون شعرا مستعارا خوفا من الانتقام من أقاربهم الذين ما زالوا في سوريا.
وللمرة الأولى عُرضت صور من “ملف قيصر” على المحكمة. وقام مصور سابق في الشرطة العسكرية بتسريب خمسين ألف صورة مجازفا بحياته، يظهر فيها 6786 معتقلا سوريا قتلوا بوحشية أو يتضورون جوعا أو يعانون من آثار تعذيب.
والصور التي تم تحليلها في المحكمة من قبل أخصائي الطب الشرعي البروفيسور ماركوس روتشيلد تشكل أدلة مادية دامغة.