الغنوشي يتحرك إعلاميا في ظل ضغوط تطالبه بالانسحاب من المشهد السياسي في تونس

تونس – كثف راشد الغنوشي، رئيس البرلمان التونسي وحركة النهضة، خلال الأيام القليلة الماضية من تحركاته الإعلامية، سعيا منه لتحسين صورته بعد أن ارتفعت الأصوات داخل البرلمان وخارجه، محذرة من تداعيات استمرار بقائه في منصبه على الأداء البرلماني وعلى مستقبل الاستقرار السياسي في البلاد.
وكتب الغنوشي مقال رأي، نشرته صحيفة "يو.إس.أي توداي" الأميركية السبت، تحت عنوان "بعد عقود من الدكتاتورية، تونس لا يمكنها أن تحقق ديمقراطيتها وحدها"، ممضيا مقاله بصفته رئيس البرلمان التونسي.
وطالب الديمقراطيات العريقة بدعم تونس، معتبرا أن الديمقراطية التونسية لا زالت ضعيفة، وقال إن "تونس تحتاج دعم شركائها الدوليين" الذين يؤمنون بالديمقراطية، واصفا التحركات الاجتماعية الأخيرة التي شهدتها تونس في نهاية ديسمبر 2020 وجانفي 2021 بأنها أعمال شغب.
وتابع الغنوشي "يشعر الشعب التونسي بالإحباط من التقدم البطيء للإصلاح الاقتصادي منذ عام 2011، ولم يرَ بعد الوظائف ومستويات المعيشة الأفضل التي يتوقعها بحق. لم يواكب تقدمنا توقعات الناس".
وقال رئيس البرلمان، الذي تتهمه الأوساط السياسية والأحزاب بعرقلة عمل الحكومات المتعاقبة عبر محاولة حركته فرض أجنداتها، إنّ الحل للنهوض بالبلاد يختزل في "حكومة مستقرة تحظى بدعم أكبر عدد ممكن من الأحزاب السياسية والشركاء الاجتماعيين، لديها أفضل فرصة لسنّ إصلاحات مؤجلة ولكنها ضرورية".
ولقي مقال الغنوشي صدى واسعا لدى رواد مواقع التواصل الاجتماعي، وتراوحت الكثير من ردود الأفعال بين منتقد لزعيم حركة النهضة ومتندر بما جاء في المقال، لاسيما الجزء المتعلق بالإنجازات التي تحققت خلال العشرية الأخيرة.
وعلّقت الناشطة مريم عزوز على مقال الغنوشي في تدوينة عبر موقع التواصل الاجتماعي فيسبوك ساخرة من أن "العلاّمة راشد الغنوشي كاتب مقال بالإنجليزية يحلل ويفصل في الوضع التونسي...على أساس أنه يقود حركة وطنية تحررية... باهي حبيت نفهم علاش ما تفضلش بمقال بالعربي في جريدة تونسية وينور معاه القراء والجمهور التونسي بنظرياته الثاقبة العابرة للقارات؟ مادامو هو عامل روحو مقال تحليلي يطرح أمهات القضايا لشخصية وطنية بصفته رئيس البرلمان. (أردت أن أفهم لماذا لم يكتب مقالا في صحيفة تونسية باللغة العربية لينير الجمهور بنظرياته الثاقبة طالما أنه كتب مقالا تحليليا بصفته رئيس البرلمان التونسي)؟ الجواب: يظهرلي السيد مشى يشكي بينا للإنجليز والأميركان باش يعاقبونا". (يبدو أن الغنوشي يشكو التونسيين لدى الإنجليز والأميركان كي يعاقبونا).
وعلّق عبدالسلام عطي "تمجد ثورة 2011 لأنها أتت بك أنت وعائلتك وحركتك للحكم، وتنكر على الشباب حقهم في الاحتجاج لاستكمال مسار ثورتهم التي سرقتموها منهم، وتستقوي على مطالبهم المشروعة بالأجنبي المستعمر.. أنت وفكرك وحركتك، عملاء خونة ورأس حربة الثورة المضادة، التي التفت على أهداف ومطالب ثورة 2011.. لن يتواصل الظلم وسيسترجع الشعب ثورته ولو بعد حين..".
ويرى متابعون أن الغنوشي يحاول تطويع كل السبل لتلميع صورته خارجيا بعد أن صارت مهزوزة داخليا، وأضحى يواجه عقبات كثيرة سواء داخل البرلمان أو في علاقته برئاسة الجمهورية.
وكتب الصحافي والاتصالي المغربي نورالدين الأشهب معلقا على مقال رئيس حركة النهضة قائلا "الغنوشي يكتب مقالا عند الأميركان بلغتهم، وكذلك يفعل أردوغان وغيرهما من السياسيين في المنطقة، هذا نوع من التواصل السياسي موجه للداخل أكثر ما هو موجه للخارج، وهذه الطريقة من التواصل يتقنها أردوغان، والأمثلة كثيرة من 'وان مينيت' إلى مطالبة إخوان مصر بالعلمانية".
وكان القيادي السابق بحركة النهضة والمرشح السابق للحركة لرئاسة الجمهورية عبدالفتاح مورو، دعا في حوار أجراه مع صحيفة "العرب" الغنوشي إلى اعتزال السياسة، مشددا على فشل النظام السياسي الذي "لم يفرز غير الأزمات".
والسبت، بعث الغنوشي برسالة لرئيس الجمهورية قيس سعيد يدعوه فيها لعقد اجتماع بين الرئاسات الثلاث لحل الأزمة السياسية، أثارت ردود فعل متباينة، وذهب البعض إلى أن رئيس البرلمان يحاول البحث عن مصعد للنزول من الشجرة التي صعدها، بعد أن أظهر الرئيس عدم نية لتغيير موقفه من التعديل الوزاري.
وجاءت مبادرته بعد أن خسر مصداقيته السياسية بإلقائه برئيس الحكومة هشام المشيشي في قلب مواجهة مع الرئيس قيس سعيد، وبعد أن حاول لمرات كثيرة افتكاك صلاحيات سعيد سياسيا ودبلوماسيا، وأسهم في تحويل البرلمان إلى ميدان للاحتقان والعنف.
واتهمت الكتلة الديمقراطية (38 مقعدا) في بيان الغنوشي بالعبث بمؤسسة البرلمان، واعتبرت مبادرته لا تلزم الكتل البرلمانية "لأن مكتب مجلس نواب الشعب لم يجتمع أصلا لهذا الغرض".
وأضافت الكتلة في بيانها "لا علم لنا بذلك.. ونحن لم نكلف راشد الغنوشي بالحديث نيابة عنا عن إيجاد حل للأزمة السياسية الراهنة، وكنا دعونا رئيس الحكومة بالذهاب مباشرة لرئيس الدولة منذ انطلاق الأزمة عِوَض توريطه في سياسة الهروب إلى الأمام، ترضية لرغبات الغنوشي والحزام السياسي".
ويواجه راشد الغنوشي، للمرة الثانية، خطر الإبعاد من منصبه حيث جدد الحزب الدستوري الحر دعوته لسحب الثقة من الغنوشي، تزامنا مع دخول سامية عبو البرلمانية بالكتلة الديمقراطية في إضراب جوع مفتوح احتجاجا على ممارسات رئيس البرلمان ورفضه إدانة العنف المسلط على أحد النواب داخل المجلس النيابي.
وفي يوليو الماضي، تقدمت 4 كتل نيابية بلائحة لسحب الثقة من الغنوشي، أسقطها البرلمان في جلسة عامة، بعد تصويت 97 عضوا بـ"نعم" بينما عارض اللائحة 16 نائبا، فيما اعتبرت 18 ورقة ملغاة.
وتعيش تونس منذ سنوات مشكلات سياسية عميقة تسببت في إرباك قطاعات البلاد، ما أدى إلى أزمة اقتصادية حادة تفاقمت أكثر بعد انتشار فايروس كورونا.
وتحدث الغنوشي في مقاله بالصحيفة الأميركية عن المخلفات السلبية لأزمة انتشار فايروس كورونا، على بعض القطاعات الاقتصادية، وتعميق أزمة البطالة، وتراجع النمو الاقتصادي، وهو ما جعل جهود الحكومة متجهة نحو تحقيق توازن جيد بين حماية حياة التونسيين والحفاظ على سبل عيشهم.
ويواجه الغنوشي مشكلات داخل حركة النهضة حيث يرفض أكثر من 100 قيادي ترشحه لرئاسة الحركة مجددا، معتبرين أنه والشق الموالي له تغوّلوا في إدارة الشأن الداخلي للحركة، وضربوا الديمقراطية الحقيقية في تسيير شؤونها، ومنعوا تقدم جيل جديد إلى الصفوف القيادية في الحزب، الذي يعاني محنة الحكم والغضب الداخلي.
وشهدت الحركة تنامي موجة من الغضب وتوالي الاستقالات، ما يهدد تماسكها وينذر بإمكانية حدوث انقسامات شبيهة بالتي عصفت بحزب نداء تونس سابقا.
وكنتيجة لأزماتها التي طفت على السطح، واصل رئيس النهضة والبرلمان راشد الغنوشي، تصدّر قائمة أسوأ السياسيين في تونس في استطلاعات الرأي.
وفي استطلاع للرأي لمؤسسة "سيغما كونساي" اعتبر 68 في المئة من التونسيين أن الغنوشي أكثر شخصية سياسية في البلاد لا يثقون فيها، ولا يريدون منها أن تلعب دورا سياسيا في تونس.