حزب العمل الإسرائيلي يبحث عن زعيم ينقذه من الانقراض

"غولدا مائير" جديدة تعيد الحياة لبيت القادة المؤسسين للدولة.
الخميس 2021/02/04
صوت تقدمي رائد داخل الكنيست

مثل جسد شارف على الموت وامتدت إليه يد طبيب ماهر لتنقذه وتعيد إليه النبض، بدأ حزب العمل الإسرائيلي الذي ارتبط تأسيس دولة إسرائيل بكبار قادته الأوائل، يستفيق من غفوته ويستعيد مكانه على الساحة السياسية الإسرائيلية، وذلك بفضل جهود امرأة، وهي زعيمة الحزب الجديدة ميراف ميخائيلي، التي أعادت إلى الذاكرة الجمعية للإسرائيليين صورة المرأة الحديدية والزعيمة التاريخية غولدا مائير.

تل أبيب - بدا الأسبوع الماضي أن حزب العمل الإسرائيلي يتجه نحو الانقراض، حيث أشارت استطلاعات الرأي إلى أنه لن يفوز بعدد كافٍ من الأصوات في الانتخابات المقبلة لدخول البرلمان. لكن بعد انتخاب النائبة التقدمية، ميراف ميخائيلي، زعيمة جديدة للحزب، بدأ الحزب يعود إلى الحياة مرة أخرى.

وبات الحزب، الذي قدم في وقت من الأوقات رؤساء وزراء مثل إسحاق رابين وشيمون بيريز وإيهود باراك، الآن واحدا من الأحزاب الأصغر، ويتعين عليه النضال من أجل تخطي عتبة 3.25 في المئة من أصوات الناخبين لدخول الكنيست في الانتخابات المقررة في مارس المقبل. ومع ذلك فإن ميخائيلي مصممة على جعله مرة أخرى قوة رئيسية في السياسة الإسرائيلية وقد تنجح في أن تكون “غولدا مائير” جديدة تعيد الحياة لبيت القادة المؤسسين للدولة، حسب ما ذهبت إليه تيا غولدنبرغ في تقرير نشره مركز بيغن السادات للأبحاث الإستراتيجية.

وتنتمي ميخائيلي إلى الجناح اليساري للحزب، وهي مناصرة قوية للمرأة وحقوقها من بين أمور أخرى. وتروج لرسالة نادراً ما تُسمع في السياسة الإسرائيلية خلال السنوات الأخيرة؛ حيث تسعى إلى تحقيق العدالة الاجتماعية والمساواة لجميع الإسرائيليين وتنادي بإحلال السلام بين الإسرائيليين والفلسطينيين.

ورغم ذلك لن تستبعد الدخول في ائتلاف مع أحزاب اليمين، مما قد يعرقل جدول أعمالها، إذا كان يحتوي على الهدف المشترك المتمثل في الإطاحة برئيس الوزراء بنيامين نتنياهو.

وذكرت ميخائيلي لوكالة أسوشيتد برس في مقابلة هاتفية “يمكنك أن تختلف معي أيديولوجيًا، لكنني هنا وأنا أكافح من أجل المساواة والسلام. أعتقد أن حزب العمل لم يمت، وهو ضروري لمستقبل إسرائيل”.

حزب العمل دخل مرحلة الكفاح من أجل البقاء منذ توقف عملية السلام مع الفلسطينيين وظهور خيارات أخرى في يسار الوسط

ويبدو أن انتخابها منح حزب العمل زخماً أكبر، غير أنه يواجه تحديات بعد أن ترك العديد من الناخبين التقليديين الحزب. كما أن معسكر يسار الوسط الإسرائيلي منقسم، ولا تزال الأحزاب اليمينية بقيادة حزب نتنياهو، الليكود، مهيمنة.

وتوقعت استطلاعات الرأي في الأيام الأخيرة فوز حزب العمل بقيادة ميخائيلي بخمسة مقاعد في الكنيست الإسرائيلي المكون من 120 مقعدًا. وقد يزداد هذا العدد في الأيام المقبلة إذا انسحبت الأحزاب الصغيرة -كما هو متوقع- التي تحظى بفرصة ضئيلة لدخول البرلمان من السباق قبل الموعد النهائي الخميس.

وعلى الرغم من أن التوقعات أقل بكثير من أيام مجد حزب العمل، إلا أن الأداء المتواضع يمكن أن يجعل ميخائيلي صانع القادة في ائتلاف من الأحزاب متوسطة الحجم معارضة لنتنياهو.

وقاد حزب العمل البلاد خلال العقود الثلاثة الأولى من عمرها، ورسخ قيم الديمقراطية الاجتماعية الأكثر وضوحا اليوم في الرعاية الصحية الشاملة، لاسيما أثناء الجائحة. وعلى الرغم من أنه قاد إسرائيل خلال حرب عام 1967 في الشرق الأوسط وبنى المستوطنات الأولى في الضفة الغربية المحتلة، إلا أن حزب العمل وقع لاحقًا على اتفاقيات سلام أوسلو التاريخية مع الفلسطينيين ويفضل اليوم حل الدولتين لإنهاء الصراع الإسرائيلي – الفلسطيني.

ومع ذلك، كافح الحزب من أجل البقاء على مدار العقدين الماضيين بالتزامن مع توقف عملية صنع السلام مع الفلسطينيين، وكذلك ظهور خيارات أخرى في يسار الوسط وتبني الكثير من الناخبين لأيديولوجيا نتنياهو المتشددة.

ويأتي تولي ميخائيلي رئاسة حزب العمل بعد عام صعب إثر دخوله البرلمان. وتشذرم الحزب بعد انضمام زعيمه السابق إلى حكومة نتنياهو على الرغم من التعهدات بعدم فعل ذلك، مما أدى إلى إبعاد الناخبين وإضعاف قاعدته الشعبية.

واختارت ميخائيلي البقاء في المعارضة وتقول إنها لن تبقى أبدًا في ائتلاف برئاسة نتنياهو لعدة أسباب، من بينها ثلاث لوائح اتهامات بالفساد.  وهي تعتقد أن قرارها البقاء خارج الحكومة، بالإضافة إلى رسالتها الخاصة بالعدالة الاجتماعية، سيعيد الناخبين إلى الحزب مرة أخرى.

وقالت ميخائيلي “ما زال الوقت مبكرا لأقول إنني تمكنت من تعزيز حزب العمل، لكنني أعتقد أن الناس لديهم ثقة أكبر في إمكانية أن يحدث ذلك”.

Thumbnail

وكانت ميخائيلي البالغة من العمر 54 عامًا شخصية معروفة في إسرائيل منذ فترة طويلة، حيث عملت لسنوات كصحافية وناشطة في مجال حقوق المرأة قبل دخول السياسة في عام 2013 كنائبة عن حزب العمل. وهي معروفة على نطاق واسع بآرائها البديلة: إنها تتجنب الزواج، على الرغم من أنها على علاقة بمذيع تلفزيوني شهير، وتقول إنها لم ترغب أبدًا في إنجاب أطفال في مجتمع نشأ من الوصية التوراتية. وهي معروفة بارتدائها الدائم للملابس باللون الأسود، والتي قالت إنها تهدف إلى التقليل من تحديد معالم جسدها.

وعندما انتقلت إلى المعارضة وعدت ميخائيلي قائلة “لن ندع حزب العمل يمُتْ”. والآن، كونها رئيسةً للحزب، سيتم اختبارها في ما إذا كان بإمكانها الوفاء بهذا التعهد وتحقيق الاستقرار في حزب مرّ عليه ستة قادة منذ تولي نتنياهو السلطة عام 2009.

وقد رحب يوسي بيلين -وزير العمل السابق منذ فترة طويلة والذي تحدى ابنه ميخائيلي في سباق القيادة- بانتخابها.

وقال بيلين “كلمات المدح سابقة لأوانها. لكن ميراف ذكية، ولديها أيديولوجيا، وقد أثبتت نفسها في الكنيست ولم تنجذب لفكرة الانضمام إلى الحكومة الأخيرة”.

وفي حين لم تكن ميخائيلي وزيرة في الحكومة، إلا أنها كانت مشرّعة نشطة وصوتًا تقدميًا رائدًا في الكنيست، حيث دعمت حقوق المرأة وقضايا مجتمع الميم وحقوق العمال بالإضافة إلى أنها سعت لتحقيق السلام مع الفلسطينيين. وكانت خطوتها الأولى كقائدة هي سحب الحزب من الحكومة الحالية، مما دفع وزيري العمل إلى ترك الحزب. وقد تعهدت بتمثيل متساو للنساء في قائمة الحزب. وتعتزم استمالة قاعدة الناخبين التقليديين لحزب العمال، الذين فروا إلى أحزاب أخرى.

وعزت ميخائيلي تراجع يسار الوسط إلى سنوات من “التحريض ونزع الشرعية” من قبل نتنياهو واليمين المتشدد. وأوضحت أن بعض الأخطاء حدثت من تلقاء نفسها، مثل انضمام الحزب مرارًا إلى حكومات يمينية تتعارض قيمها مع قيمه.

وترى تال شنايدر، المراسلة السياسية لـ”تايمز أوف إسرائيل”، أن ميخائيلي أظهرت البراعة السياسية اللازمة لدفع الحزب في اتجاه جديد.  ورغم ذلك لن يغير فوز ميخائيلي الفوضى في معسكر يسار الوسط في إسرائيل. وخلصت شنايدر “المشكلة أعمق من ذلك. لكن ليس هناك شك في أنها أنقذت الحزب من الانقراض”.

7