إستراتيجية سودانية شاملة لإنجاح الزراعة الشتوية

تكشف تحركات الحكومة السودانية اهتماما كبيرا بالقطاع الزراعي، حيث تركز على تعزيز إسهامات الزراعة في النمو وإزالة كافة العراقيل أمامه، في خطوة لتعزيز تصدير المنتجات الزراعية خصوصا بعد رفع الحظر الأميركي.
الخرطوم – تسعى الحكومة السودانية إلى تطوير القطاع الزراعي، من خلال إطلاق لجنة تعمل على متابعة المجال الزراعي عبر مواكبة احتياجات المزارعين وإزالة العقبات أمامهم، في محاولة لاستقطاب الاستثمارات الواعدة.
عرض رئيس الوزراء عبدالله حمدوك خلال اجتماعه باللجنة العليا لإنجاح الموسم الزراعي، خطته وقال إن “الحكومة تهتم بقطاع الزراعة كأساس للخروج من الأزمة الاقتصادية”.
وتركّز اللجنة التي تم تشكيلها بقرار من رئيس الوزراء على التدخّل والتنسيق بين مختلف المؤسسات، في مجال السياسات والخدمات والوقود والتمويل والإعلام والتسويق.
وأوضح المستشار الإعلامي لرئيس الوزراء باللجنة العليا فايز الشيخ في تصريح صحافي، أن لقاءهم مع رئيس الوزراء جاء بعد زيارة ميدانية للجنة الإعلامية لإنجاح الموسم الزراعي، إلى عدد من المشاريع في الجزيرة والقضارف وحلفا والرهد.
وأوضح الشيخ أن أعضاء اللجنة العليا التقوا خلال الزيارة الميدانية بالمزارعين والعمال والإدارات وقيادات اتحادات المزارعين في تلك المناطق، ووقفوا على النجاحات التي تحققت، وتم التطرق إلى المشكلات والصعوبات الموجودة، والمتمثلة في تأخر الوقود وشُحّ التمويل والآفات التي تصيب المحاصيل.
وبين أن “الدولة بذلت مجهودات لحل هذه المشكلات، فيما بذل المزارعون بدورهم مجهودا كبيرا خاصة في مسألة التمويل، حيث أن بعض المزارعين اعتمدوا على التمويل الذاتي، إضافة إلى دخول البنك الزراعي وبعض الشركات في تمويل بعض المحاصيل الزراعية”.
وقال الشيخ إن “لقاء رئيس الوزراء أكد على ضرورة اتخاذ هذه اللجنة كنموذج لآليات التدخل السريع في كافة القضايا التي تهم البلاد، وذلك لأهمية إحكام وتقوية التنسيق بين بعض الوزارات في القضايا المشتركة كالزراعة، مبينا أن رئيس الوزراء أصرّ على تحويل هذه الآلية إلى لجنة دائمة لكل المواسم الزراعية المقبلة، على أن تكون نموذجا لكل اللجان والآليات لأهمية مثل هذا العمل، خاصة في جانبه الشعبي”.
وأبان رئيس اللجنة الإعلامية أن الزيارة لتلك المشاريع أكدت اهتمام المزارعين بزيادة المساحات في بعض المناطق، مستدلا في ذلك بزيادة المساحات المزروعة بالجزيرة من 420 ألف فدان قمح في الموسم السابق إلى أكثر 480 ألف فدان، ومن 63 ألف فدان بمشروع حلفا إلى 80 ألف فدان، ما يؤكد اهتمام المزارعين بزراعة القمح باعتباره سلعة استراتيجية خاصة، وأن الموسم السابق حقق إنتاجية عالية.
وأضاف أن رئيس الوزراء أكد على اهتمام الدولة بالتصنيع الزراعي والحيواني لتحقيق قيمة مضافة.
من جهته أوضح مقرر اللجنة العليا لإنجاح الموسم الزراعي محمد عوض الدور الكبير الذي قامت به اللجنة العليا في ما يتعلق بتكامل الأدوار بين الجهدين الشعبي والرسمي، وجهود اللجان الجهوية التي تكونت لمتابعة ومراقبة الموسم الزراعي في الولايات المختلفة، والمشاريع القومية خاصة في مشروعي الجزيرة والرهد.
وبيّن أن اللقاء استعرض التجربة الناجحة التي تمت في زراعة ولاية الخرطوم، وكشف في هذا الصدد عن تكوين اللجنة المركزية على مستوى ولاية الخرطوم ولجان المحليات ولجان قطاعية على مستوى المحليات.
وتركز الحكومة السودانية على تعميم تجربة زراعة ولاية الخرطوم على كل الولايات. وأكد مقرر لجنة التمويل والسياسات باللجنة العليا لإنجاح الموسم الزراعي، أن الموسم الزراعي ناجح جدا ويبشر بإنتاجية عالية.
وأضاف “رغم كل المعوقات المحلية والعالمية التي تواجه الاقتصاد السوداني أو العالمي، إلا أننا استطعنا بمجهودنا وإمكانياتنا المحلية أن نوفر أغلب مستلزمات الإنتاج من مدخلات وأسمدة وفي طور تغطية كل ما يحتاجه موسم حصاد للقمح”، مؤكدا أن اللجنة العليا استطاعت حل كافة المشكلات التي واجهت المزارعين، وحل مشكلة توفير الوقود التي كانت تواجه المزارعين خلال العشرين سنة الماضية، وتكوين رقابة شعبية قللت من تسريب الوقود للسوق السوداء.
ولعل أهم القرارات التي نفذتها لجنة التمويل والسياسات خلال هذا الموسم، رفع التمويل الأصغر من 100 ألف جنيه إلى 300 ألف جنيه، وتم تنفيذه في كل البنوك التجارية معلنا المضي في رفع سقف التمويل إلى أكثر من ذلك حتى يستطيع المزارع مقابلة تكلفة الزراعة.
كما أقرت الحكومة توفير عملات صعبة للبنك الزراعي لمقابلة استيراد بعض المدخلات الزراعية من أسمدة وخيش للتعبئة، والتنسيق مع وزارة المالية والتخطيط الاقتصادي لسد بعض الفجوات التي تحدث للتمويل الزراعي، وتفعيل دور هيئة المواصفات والمقاييس السودانية في الأسواق المحلية من خلال التواجد الدائم لفحص محاصيل الصادر، والتأكد من جودة المنتج قبل تصديره للخارج، ومراجعة وتأهيل مواعين التخزين والتأكد من مطابقتها للمواصفات وخلوها من الآفات والأمراض.
وتزايد زخم قطاع الزراعة السوداني خصوصا بعد رفع اسم البلد من قائمة الدول الراعية للإرهاب الأميركية، حيث استغلت الحكومة ذلك لزيادة الاستثمارات.
وفي وقت سابق، اتفقت وزارة المالية والتخطيط الاقتصادي في السودان مع الولايات المتحدة، على توطيد التعاون بين البلدين في مجال الزراعة وتطويره عبر التقنيات الأميركية الحديثة.
وسيتم تنفيذ الاتفاق بالتعاون مع الجامعات الأميركية الكبرى، وذلك بفتح آفاق جديدة، لاسيما الاستثمار الزراعي الخاص بالقيمة المضافة وقطاع تكنولوجيا الري للمساعدة على تنمية وتطوير القطاع الزراعي السوداني.
ورغم كل المحاولات لجذب الاستثمارات في القطاع، عجزت الخرطوم عن الاستفادة من الأموال المتدفقة إليها وزيادة احتياطاتها النقدية من العملة الصعبة، التي تعد من بين الأضعف عربيا بواقع مليار دولار، بحسب صندوق النقد الدولي.
ويرى خبراء أن الموارد الحيوانية التي يزخر بها السودان، تنتظر إرادة سياسية ورؤية اقتصادية شاملة للاستفادة منها، بعد التخلص من الأوضاع الأمنية والسياسية التي تعرقل كل عمليات البناء والتقدم.
ويطمح السودان إلى تنمية صادراته التي تمثل أحد روافد النقد الأجنبي الشحيح، الذي تشهده البلاد جراء الهبوط الحاد في العملة المحلية. ويساهم قطاع تصدير المواشي بنحو 20 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي وبنحو 52 في المئة من إجمالي ناتج القطاع الزراعي، حسب الإحصائيات الرسمية.
وتواجه الثروة الحيوانية صعوبات كبيرة تحول دون الاستغلال الأمثل لها، منها فرض رسوم على نقلها بين المحافظات المختلفة، وانتشار التهريب عبر الحدود. ويمثل الإهمال البيطري إحدى الصعوبات الأخرى أمام تصدير الثروة الحيوانية، نظرا لغياب شروط الجودة وعدم وجود مسالخ متطورة، وهو ما يفقد القطاع قيمة مضافة يمكن أن تدر عائدات أكبر على الخزينة العامة للبلاد.