الصعوبات المادية تصيب الأزواج بالبرود العاطفي

أكد أخصائيو العلاقات الزوجية والأسرية أن الصعوبات المادية من أكثر أنماط المشكلات شيوعا بين الزوجين، وهي مشكلات يمكن أن تخلق برودا عاطفيا وجنسيا بين الطرفين، مؤكدين أن التغيرات التي تواجهها الأسرة من الناحية المادية من التحديات الصعبة التي يواجهها الزوجان، حيث يكون الانتقال من الغنى إلى الفقر نقطة اختبار للزوجين.
لندن - تخضع العلاقة الزوجية إلى الكثير من المؤثرات الحياتية التي تنعكس سلبا على مزاج الزوجين وعواطفهما، مما يؤدي إلى صعوبات في التواصل بينهما، ولعل من بين هذه المؤثرات وأهمها الصعوبات المالية التي تعترضهما، والتي تكون لها آثار وخيمة على علاقتهما وتؤدي إلى إصابة علاقتهما بالبرود العاطفي والجنسي.
وتضاعفت الصعوبات المادية التي يعيشها الأزواج في الوقت الحالي بسبب تفشي جائحة كورونا، التي خيمت على جميع مناحي حياة الأسر في جل دول العالم، وفاقمت معدلات البطالة وأدت إلى فقدان الكثيرين لموارد رزقهم، مما كان له أثر مباشر على استقرار الأسر وعلى عواطفهم وعلى علاقاتهم الحميمية، وأدت إلى تزايد الفجوة بين الأزواج.
وأكدت الكثير من التجارب أن الضغوط المالية والصعوبات التي يواجهها الأزواج في توفير متطلباتهم واحتياجات أسرهم المادية، تؤدي إلى فتور العلاقات الزوجية، وفي الكثير من الأحيان تسبب الطلاق العاطفي بين الزوجين.
وأكد خبراء العلاقات الزوجية أن الصعوبات المالية تسبب الكثير من التوتر والقلق لدى الزوجين، ومن شأن ذلك أن يراكم المشكلات، وقد يدمّر العلاقة الزوجيّة في حال لم يتمّ إيجاد الحلول المناسبة بشكل سريع.
وأوضحوا أنه مع ازدياد التوتّر والقلق تهيمن الطاقة السلبيّة على حياة الزوجين وتدمّر العلاقة بين الشريكين بشكل تدريجي، وهذا الأمر من شأنه أن يجعل الزوجين متباعدين عاطفيا وجسديا، ما يؤثّر سلبا على الحبّ الذي يجمعهما ويحدّ من المشاعر التي تربطهما، ويؤدي إلى البرود الجنسي بينهما.
ولفتوا إلى أنه في ظلّ تفاقم المشكلات الماديّة بين الزوجين، تُصبح الشجارات الدائمة أمرا لا بدّ منه. ومع تراكم هذه المشكلات وعدم التعامل معها بعقلانيّة وحكمة، ينعدم الحوار بين الطّرفين ما يزيد الأمر سوءا ويقطع الطّريق أمام المصالحة، وتُصبح عودة الأمور إلى مجاريها شبه مستحيلة.
وقال المختصون “بما أنّ المشكلات الزوجيّة عموما والمشكلات الماديّة خصوصا تُبعد الزوجين عن بعضهما، يبدأ اللوم والغضب وتحميل الطّرف الآخر مسؤوليّة كلّ ما يحصل بشكل دائم وهذا يُضعف الاهتمام بين الزوجين، ما يسبّب الإهمال وعدم الإصغاء وفقدان الحبّ على المدى البعيد”.
وأشاروا إلى أنه في خضمّ كلّ المشكلات والآثار السلبيّة التي تُخلّفها الصعوبات الماديّة على الزوجين، من الطّبيعي أن يمتنعا عن ممارسة العلاقة الحميمة التي تحتاج بدورها إلى الطاقة الإيجابيّة والحبّ والمشاعر، والحوار لتذليل العقبات التي تقف عائقا أمام الاستمتاع بالعلاقة واستمراريتها.
جائحة كورونا فاقمت معدلات البطالة مما كان له أثر مباشر على استقرار الأزواج وعلى عواطفهم وعلى علاقاتهم الحميمية
وشددت الدراسات على أن الحالة النفسية للزوجين تلعب دورا كبيرا في استقرار حياتهما الأسرية والحميمية، لافتة إلى أن الضغوط النفسية التي تسببها الصعوبات المالية وعجز الزوج عن توفير متطلبات أسرته ومستلزماتها المعيشية يجعله يعزف عن ممارسة العلاقة الحميمية، مؤكدين أن الهموم والتفكير المفرط بمشكلات الحياة وضغوط العمل والضائقة المالية والتعب الجسدي والإرهاق، كلها عوامل تنعكس سلبا على مزاج الإنسان وهمته ونشاطه، مما يؤدي إلى التأثير بشكل سلبي في العلاقة الحميمية.
وأكدت أن التوتر والإجهاد الفكري والنفسي يفضيان إلى تراجع الرغبة الجنسية وغياب الرضا الجنسي، والامتناع عن ممارسة العلاقة الحميمية، وهو ما يؤدي في نهاية المطاف إلى الانفصال النفسي والروحي بين الزوجين.
وأكد المختصون على أن العلاقة بين الحالة النفسية والعلاقة الحميمية هي علاقة أقرب إلى أن تكون علاقة وثيقة، فما يمُر به الإنسان من مشكلات وضغوط في الحياة تؤثّر على رغبته في ممارسة العلاقة الحميمية، موضحين أن التوتر الذي يمر به الإنسان وضغوط العمل والحياة المختلفة، تنعكس سلبا على مزاج الإنسان وهمّته ونشاطه ممّا يؤدّي إلى التأثير بشكل سلبي في علاقة الحميمية مع شريكة حياته، وفي مقابل ذلك تزيد الحالة النفسيّة الجيّدة من نشاط الإنسان وقدرته الجنسية، وتؤثر بشكل إيجابي على عواطفه وعلى علاقته الحميمية بشريكة حياته.
وتنعكس الحالة النفسيّة السيئة المتولدة عن الهموم التي تُصيب الإنسان مثل الضائقة الماليّة، والمشكلات الناجمة عن العمل أو حتى أي مشكلة أخرى في الشارع أو المنزل على قدرة الإنسان على ممارسة العلاقة الحميمية، هذا ما يؤكده خبراء العلاقات الزوجية الجنسية، مشيرين إلى أن الظروف المادية القاسية تجعل رغبة الأزواج في ممارسة العلاقة الحميمية تكاد تكون معدومة.
وأكد الدكتور بسام عويل المختص السوري في علم النفس وعلم النفس الجنسي والصحة الجنسية، ويعمل بمنصب بروفيسور أكاديمي في الجامعات البولندية منذ حوالي 23 سنة، أن الإجهاد والتعب، والنظام الغذائي غير الصحي، وعدم ممارسة الرياضة، كلها عوامل يؤدي تراكمها إلى وجود نسبة كبيرة من المشكلات والاضطرابات الجنسية، وذلك لكونها تفقدنا التوازن الجسمي النفسي، وتجعلنا نستنفد قوانا.
وأوضح عويل أنه بالعودة إلى خصائص البنية النفسية العصبية والجسمانية للأفراد، قد يفضي التوتر الناشئ عن ضغوط الحياة عند بعض الأشخاص إلى ارتفاع الشهوة الجنسية لديهم “الليبدو”، وبالتالي زيادة منسوب الحاجة الجنسية، وذلك بخلاف الآخرين الذين يعانون نقصا حادا في هذه الاحتياجات.
وأشار إلى أن البشر متمايزون تبعا للكثير من الخصائص والعوامل، كما أنهم يتصرفون بشكل مختلف في مواجهة الضغوط والتوتر. فالبعض عندما تكون لديهم مشكلات في الحياة أو العمل تتجاوز طاقتهم يستجيبون بردود فعل تتسم باللامبالاة إلى أن تصل إلى حد النفور من ممارسة الجنس. بينما يحاول آخرون تخفيف التوتر عن طريق إفراغ حاجاتهم الجنسية بشكل أكثر حدة من المعتاد.
وأكد عويل أن أكثر من ربع مراجعيه في العيادة يعترفون بأن إرهاقهم وإجهادهم في العمل والتفكير فيه، يعيق حياتهم الجنسية بشكل جدي وكبير، موضحا ذلك بأن الإجهاد يقصر طول الغبطة الجنسية.
وبين أن قائمة منافع العلاقة الحميمية طويلة بالقدر الذي لا يمكن مقارنتها بالتهرب منها، فهي تساعد على تحسين المزاج من خلال زيادة مستوى الأندورفين، الذي يسمى هرمون السعادة، بشكل كبير. بالإضافة إلى أن التقارب الجنسي الحميمي يقوي العلاقة العاطفية بين الشريكين ويبعد شبح الانفصال.