ضغوط تواجه الحكومات لرقمنة الوظائف ومواكبة التحولات

طرحت جائحة كورونا تحولات كبيرة في عالم الأعمال، حيث فرضت ضرورة الاعتماد على رقمنة الوظائف التي ستكون سمة تقدم المجتمعات مستقبلا مما يطرح ضغوطا على الحكومات لمواكبة هذه التحديات.
لندن - تجمع تقارير دولية أن الحكومات تواجه ضغوطا كبيرة لرقمنة الوظائف، وإذا لم تبذل جهوداً واسعة لمواكبة بقية دول العالم، من الناحية الرقمية، فستواجه في أفضل الأحوال مخاطر انعدام الكفاءة.
عندما تفشى فايروس كورونا المستجد في جميع أنحاء العالم، اضطرت الملايين من الشركات إلى تعديل أساليبها حتى تتمكن من إعداد موظفيها للعمل عن بُعد.
ولولا توافر مهارات محو الأمية الرقمية والمعدات المناسبة والفكر الاستباقي، لكان تنفيذ هذا التحول صعباً -إن لم يكن مستحيلاً- بالنسبة إلى العديد من الشركات.
وربما يمكننا أن نقول نفس الشيء عن الحكومات في شتى أنحاء العالم في العصر الرقمي الحالي، فالعالم يتغير بشكل كبير وبوتيرة سريعة للغاية، وإذا لم تبذل الحكومات جهوداً واسعة لمواكبة بقية دول العالم، من الناحية الرقمية، فستواجه -في أفضل الأحوال- مخاطر انعدام الكفاءة. لنستكشف هذا الأمر معاً من خلال مثال بسيط.
باتت الطريقة التي يتواصل بها كبار القادة الحكوميون والسياسيون والعاملون في مؤسسات القطاع العام مع الجمهور، في العصر الحالي، مباشرة على نحو أكبر مما كانت عليه في أي وقت مضى. على سبيل المثال، يمكننا أن نلاحظ كيف يستخدم هؤلاء الأشخاص حساباتهم على منصات فيسبوك وتويتر وإنستغرام للتواصل المباشر مع المواطنين، أو على الأقل تكليف أحد الأشخاص للاضطلاع بهذه المهمة نيابة عنهم.
هل تواكب الحكومات العصر؟
إن نشاط الحكومات والأشخاص النافذين بها على وسائل التواصل الاجتماعي يتيح لها التمتع بقدر من الشفافية ويضفي عليها صبغة إنسانية، وهو ما يفسح المجال للشعوب التي تخدمها هذه الحكومات لرؤيتها في صورة أكثر جدارة بالثقة. سيساورنا شعور مفاجئ بأن الأشخاص الذين يديرون الحكومات لا يختلفون كثيراً عن أصدقائنا وأفراد عائلاتنا ومعارفنا الذين نتابعهم على وسائل التواصل الاجتماعي.
المثال السابق ليس أكثر من وسيلة بسيطة تستطيع من خلالها الحكومات العمل في العصر الرقمي. ومع ذلك، ولكي تنجح الحكومات حقاً في هذا العصر الرقمي، فإنها تحتاج دوماً إلى البقاء على اطلاع على آخر مستجدات التكنولوجيات والعمليات، وألا تتوقف عند استكشاف كيفية استخدام هذه التكنولوجيات في أعمالها اليومية، وإنما ينبغي عليها التفكير في كيفية إصلاح نموذج التشغيل الحكومي الحالي بشكل جذري.
ونشر موقع هارفارد غازيت في شهر فبراير 2019، مقالة تزعم أن حكومات الولايات المتحدة لم تقم بما يكفي لمواكبة شركات التكنولوجيا. كما وضحت المقالة أنه إلى أن تبذل الحكومة العناية اللازمة، فإن قدرة القوى التكنولوجية الكبرى على تشكيل المجال السياسي والسياسات العامة ستستمر في النمو دون ضوابط مناسبة.
ونقلت المقالة عن سوزان كراوفورد الأستاذة بكلية هارفارد للحقوق، قولها إنه في الوقت الذي ينهار فيه نظام مترو الأنفاق في الولايات المتحدة، تقوم شركة أمازون ببناء مهبط للمروحيات، مضيفة أن “الرعاية الصحية والنقل والاتصالات كلها ضرورية للولايات المتحدة، ومع ذلك يمكن لهذه الشركات العملاقة البناء حولها”. وأشارت إلى أن هذه الأمور توضح وجود أمر ما “خاطئ للغاية” في الحكومة الأميركية.
محو الأمية الرقمية
في هذا العصر الرقمي، لم تعد معرفة كيفية الاستفادة من التكنولوجيا تقل أهمية عن معرفة القراءة والكتابة. ومع استمرار التكنولوجيا في أتمتة العمليات وتحولها إلى جزء لا يتجزأ من حياتنا اليومية، فإن أولئك الذين لا يتقنون استخدامها -على اختلاف مستوياتهم من المواطن العادي وحتى أعلى مسؤول حكومي- لن يتمتعوا بالمهارات المطلوبة لتحقيق الازدهار.
وكانت منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية قد أصدرت تقريراً عام 2019، يؤيد الادعاء الوارد في موقع هارفارد غازيت، لكن نطاق المنظمة كان أكبر بكثير.
ووفقاً للتقرير “ينبغي على الحكومات مضاعفة جهودها بشكل عاجل لتحسين سياساتها التعليمية والتدريبية لمساعدة المزيد من الناس على جني ثمار التحول الرقمي، والحد من مخاطر اتساع نطاق عدم المساواة وزيادة البطالة نتيجة عمليات الأتمتة”.
فضلاً عن ذلك، بحثت منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية أوضاع أسواق العمل على مستوى العالم وكيفية تطورها استجابة للتغيرات التي تشهدها التكنولوجيا. وقد وجدت أن بلجيكا والدنمارك وفنلندا وهولندا والنرويج والسويد من بين الدول القليلة التي تسير في المسار الصحيح نحو الازدهار في عالم رقمي، فيما تتخلف دول أخرى عن الركب.
وعلى سبيل المثال، بالرغم من أن اليابان وكوريا الجنوبية من القوى الكبرى المعروفة في صناعة التكنولوجيا، إلا أنهما لا تبذلان جهوداً كبيرة لضمان قدرة سكانهما المسنين على مواكبة العصر. كما يفتقر سكان تشيلي واليونان وإيطاليا وليتوانيا وجمهورية سلوفاكيا وتركيا إلى المهارات اللازمة للازدهار في عالم تحركه التكنولوجيا، وبالتالي فإنهم في وضع أضعف مقارنة بسكان الدول التي تركز على التكنولوجيا.
ويتمثل الحل الأول والأكثر أهمية للتفاوتات في محو الأمية الرقمية في القدرة على إدراك أن الزمن يتغير وإيجاد الحافز على مواكبة هذا التغير. ويتعين على الحكومات في مختلف أنحاء العالم أن تتبنى عقلية النمو بطرق عديدة، أي فهم أننا أصبحنا أفضل حالاً من خلال البحث عن المزيد من المعلومات الجديدة، وأننا على استعداد للتكيف ونحن نتعلم.
ومع شروع الحكومات في التصدي لمشكلة التفاوت في محو الأمية الرقمية بشكل عام، ينبغي عليها أيضاً أن تقدم حلولاً ملائمة للقوى العاملة بها عبر توفير التدريب المناسب، وتعزيز التعليم داخل الوظائف، وتطبيق محو الأمية الرقمية في الأنظمة التعليمية منذ البداية.
إن تيسير الوصول إلى التكنولوجيا وتطبيقها في العمليات بهدف زيادة الكفاءة، سيمكّن الحكومات من معاملة مواطنيها بإنصاف ووضع كل فرد على طريق النجاح.
وقالت دراسات حديثة إنه من المتوقع أن تنمو النفقات الرأسمالية السنوية على إنتاج معدات الجيل الخامس وتركيبها وصيانتها من 7.5 مليار دولار أميركي في عام 2019 إلى ما يصل إلى 150 مليار دولار أميركي في عام 2025، بينما سيتم توصيل أكثر من مليار جهاز بشبكات الجيل الخامس في السنوات الثلاث المقبلة، وفقا لبنك “يو.بي.أس”.
وفي الوقت نفسه، قد ترتفع الإيرادات السنوية لصناعة التكنولوجيا المالية إلى 500 مليار دولار بحلول عام 2030، من 150 مليار دولار أميركي في عام 2018، مع نطاق نمو كبير في المدفوعات غير التلامسية والهاتف المحمول وكذلك التجارة الإلكترونية، حسبما قال البنك.
85 في المئة نسبة زيادة استخدام الروبوت الصناعي في الشركات في العالم خلال نهاية 2019
وشهد بائعو التجزئة نموا كبيرا في المبيعات عبر الإنترنت، وجذبت أنشطة تجارية متزايدة مثل المطاعم ومحلات البقالة والعلامات التجارية للأزياء المستهلكين من خلال تقديم خيارات عبر الإنترنت.
وأنفق المستهلكون الأميركيون 9 مليارات دولار في الجمعة السوداء عام 2020، بزيادة قدرها 21.6 في المئة على أساس سنوي، وفقا لشركة أدوب أناليتكس.
وقال بنك “يو.بي.أس” إنه “بمجرد أن يعتاد العملاء على استخدام المدفوعات الرقمية بشكل أساسي، لن يعود الكثيرون إلى الوسائل التقليدية”.
وعلاوة على ذلك، تدفع البنوك المركزية في أوروبا والصين وأماكن أخرى إلى تبني العملات الرقمية.
ويمنح تطور سلاسل التوريد العالمية وجائحة كوفيد – 19 والثورة الصناعية الرابعة الأتمتة والروبوتات دورا أكبر.
وتعمل شركات التكنولوجيا والاتصالات عن بعد والإلكترونيات على إعادة تشكيل سلاسل التوريد الخاصة بها، ويلجأ مصنعو السيارات إلى عمليات توريد داخلية مع بقاء المواد الاستهلاكية في الخارج، وفقا لما ذكرته هيلين شياو، كبيرة مديري خدمات الضرائب والمعاملات الدولية في شركة إرنست ويونغ.
وقالت شياو في ندوة عقدت في وقت سابق عن بعد، إن بعض الشركات يتبنى استراتيجية “تشاينا بلس وان” أو تبني سلاسل إمداد إقليمية من أجل الحصول على سعة إضافية والمزيد من المرونة وسط الاضطرابات الناجمة عن التوترات التجارية والتعريفات.
وفي الوقت نفسه، يتم استبدال الملايين من الوظائف التي فقدت بسبب الوباء جزئيا بالروبوتات، حيث تتطلب إجراءات التباعد الاجتماعي في المصانع دورا أكبر للأتمتة.
وكان في العالم 2.7 مليون روبوت صناعي تعمل في المصانع بحلول نهاية عام 2019 بزيادة تصل إلى نحو 85 في المئة عن عام 2014، وفقا للتقرير الصناعي العالمي للروبوتات لسنة 2020 الصادر عن الاتحاد الدولي للروبوتات.

وعلى الرغم من التأثير القوي لجائحة كوفيد – 19، إلا أنها توفر أيضا فرصة لتحديث ورقمنة الإنتاج في الطريق إلى التعافي، وفقا لتقرير الاتحاد العالمي للروبوتات.
وقال التقرير إن “الأتمتة تمكّن المصنّعين من الحفاظ على الإنتاج في الاقتصادات المتقدمة أو استعادته إلى الداخل، دون التضحية بفعالية التكلفة”.
وتدفع الاقتصادات الكبرى مثل الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي والصين والهند إلى الاعتماد على الذات من منظورها الخاص، بينما تكشف جائحة كوفيد – 19 عن ضعف سلاسل التوريد.
وقالت مذكرة بحثية سابقة صادرة عن “بنك أوف أميركا غلوبال ريسيرش” إنه “يمكن تسريع تحول أوسع في سلاسل التوريد العالمية من خلال الاستجابة للحاجة الناجمة عن كوفيد – 19 إلى المرونة التي يمكن أن تؤدي إلى الإلحاح والعودة إلى الطلب على الأتمتة الصناعية”.
ويمكن أن يحقق الإنفاق الرأسمالي الثقيل على تعديل سلسلة التوريد المتعلقة بالصين أكثر من 100 مليار دولار أميركي من عائدات الأتمتة الصناعية في فترة خمس سنوات، وفقا لـ”بنك أوف أميركا غلوبال ريسيرش”.
ويقول بنك “يو.بي.أس” إن أتمتة المستودعات والمصانع سوف تستفيد على المدى الطويل من صعود التسوق عبر الإنترنت وعالم أقل عولمة.
وتركز الاستدامة على اهتمام المستهلكين والشركات والمنظمات الاجتماعية والحكومات في جميع أنحاء العالم، حيث تتكبد البشرية خسائر فادحة ناتجة عن الكوارث الطبيعية هذا العام.
وقد قطع الاتحاد الأوروبي واليابان والصين وعودا بالحياد الكربوني في العقود القليلة القادمة، خاصة مع عودة الولايات المتحدة إلى اتفاق باريس لمكافحة تغير المناخ.
وقال بنك “يو.بي.أس” إنه “على الرغم من أن هذه أهداف طويلة الأجل، إلا أننا نتوقع أن تبدأ الحكومات العمل في عام 2021 لتحفيز نمو الوظائف والنشاط الاقتصادي، مما يساعد على التعافي من الجائحة”.
وسيتم توجيه اللوائح الحكومية والاستثمارات والإعانات إلى استخدام المزيد من السيارات الكهربائية والهيدروجين الأخضر والحلول الرقمية وكذلك الطاقة المتجددة في توليد الطاقة وتدفئة وتبريد المباني، وفقا لبنك “يو.بي.أس”.
ومع تحول العالم نحو الاستدامة، من المقرر أن تكون العديد من فرص النمو الأعلى في العقد المقبل مرتبطة بالاستدامة، بحسب البنك.
وأضاف أن الطلب على قدر أكبر من السلامة والشفافية وسط الوباء قد يؤدي إلى نمو أغذية عالية التقنية مثل الأطعمة النباتية البديلة للحوم.
وفي عام 2020، تجاوزت الأصول الخاضعة للإدارة في الصناديق التي تستثمر وفقا لمبادئ الحوكمة البيئية والاجتماعية وحوكمة الشركات تريليون دولار أميركي لأول مرة، وفقا لشركة الخدمات المالية الأميركية مونينغستار.
وقامت الشركة مؤخرا بدمج عوامل الحوكمة البيئية والاجتماعية وحوكمة الشركات في تحليلها للأسهم والصناديق ومديري الأصول.
وقال هايوود كيلي، رئيس قسم الأبحاث في مونينغستار “بالنسبة إلى الشركات، يعد تقييم مخاطر الحوكمة البيئية والاجتماعية وحوكمة الشركات ضرورة تجارية لتلبية الاحتياجات المتنوعة لأصحاب المصلحة والتخفيف من المخاطر القانونية أو التشغيلية أو المتعلقة بالسمعة”.
ويعود جزء من الاهتمام بالاستثمار المستدام إلى الوباء وتبني المستثمرين للحوكمة البيئية والاجتماعية وحوكمة الشركات كأداة لإدارة المخاطر، وفقا لبنك “يو.بي.أس”.
علاوة على ذلك، تفوقت صناديق الأسهم المستدامة على نظيراتها التقليدية بمتوسط 3.9 في المئة في النصف الأول من عام 2020، وفقا لبحث أجرته مؤسسة مورغان ستانلي للاستثمار المستدام يغطي أكثر من 1800 صندوق من الصناديق المشتركة وصناديق المؤشرات المتداولة في الولايات المتحدة.