كورونا يعرقل مساعي القضاء على ظاهرة تشغيل الأطفال

هل يكفي سنّ التشريعات لإعادة القصّر إلى عالم الدراسة واللعب؟
الجمعة 2021/01/22
اللعب والمدرسة دربان لحياة سوية

تنتشر ظاهرة عمالة الأطفال في الدول النامية بشكل لافت، وزاد من انتشارها تفشي وباء كورونا الذي وسّع من دائرة الفقر، لكن المنظمات والهيئات الدولية تسعى خلال هذا العام إلى القضاء على هذه الظاهرة، بالشراكة مع الحكومات والجمعيات المحلية التي تساهم في توعية العائلات بإعادة أطفالها إلى الدراسة.

الرباط/ القاهرة - تزداد المخاوف من أن يضاعف وباء كورونا من انتشار ظاهرة عمالة الأطفال في عام 2021، الذي يصادف السنة الدولية للقضاء على هذه الظاهرة المنتشرة في الدول النامية خاصة، حيث تسعى الجمعية العامة للأمم المتحدة إلى زيادة الوعي وتحفيز مساعي الحكومات والجهات الفاعلة الأخرى لإعادة هؤلاء الأطفال إلى عالمهم الحقيقي، عالم الدراسة واللعب.

يشمل تشغيل الأطفال من هم دون سن الثامنة عشرة، منهم من أجبرتهم ظروفهم العائلية على ترك فراشهم الدافئ صباحا لينخرطوا في أعمال مرهقة من أجل توفير قوت الأسرة، ومنهم من اختاروا ترك المدرسة والاتجاه إلى العمل على الرغم من أجسادهم الغضة التي لا تحتمل أثقالا ولا مخاطر جسدية أو نفسية.

قال الباحث الاجتماعي المغربي هشام بوقشوش في تصريح لـ”العرب”، “إن تشغيل الأطفال هو شكل من أشكال النشاط الاقتصادي الذي يمس بكرامة الطفل ويضرّ بنموه الطبيعي والجسدي والنفسي، ويعرضه للأذى الصحي والنفسي، والعنف اللفظي والبدني، وأحيانا للتحرّش الجنسي والاغتصاب”.

وبحسب منظمة العمل الدولية التابعة للأمم المتحدة، انخفض عدد الأطفال العاملين في العالم بشكل ملحوظ من 246 مليونا في سنة 2000 إلى 152 مليون طفل، لا يزالون يقضون ساعات طويلة في أعمال مختلفة تتنوع بين ورشات الميكانيك والبناء والفلاحة والبيع في الطرقات والتسول، وربما الارتباط بأنشطة مع منظمات إجرامية وإرهابية تستغل حاجتهم للمال.

الوباء وسّع دائرة الفقر

تشغيل الأطفال هو شكل من أشكال النشاط الاقتصادي، الذي يمس بكرامة القصّر ويضرّ بنموهم الطبيعي والجسدي والنفسي
تشغيل الأطفال هو شكل من أشكال النشاط الاقتصادي، الذي يمس بكرامة القصّر ويضرّ بنموهم الطبيعي والجسدي والنفسي

 تزداد مخاوف المنظمات والهيئات الدولية والمحلية من أن يساهم انتشار وباء كورونا في زيادة انتشار ظاهرة عمالة الأطفال، في ظل إغلاق المدارس وتردي الظروف الاقتصادية خاصة للعائلات الفقيرة، بما يهدد هدف الأمم المتحدة العالمي المتمثل في إنهاء عمالة الأطفال بجميع أشكالها بحلول سنة 2025.

ويحتاج إلى وضع التعليم في صميم جهود التعافي العالمي من ظاهرة تشغيل القصّر.

وأوضحت منظمة العمل الدولية ومنظمة الأمم المتحدة للطفولة (يونيسف) في تقرير مشترك، أن انتشار الوباء سيتسبب على الأرجح في زيادة كبيرة في معدلات الفقر، وشدد التقرير على “أن هذه الأزمة قد تدفع بالأطفال، الذين يشتغلون أساسا، إلى العمل ساعات أطول وفي ظروف أسوأ”.

ودقت المنظمتان ناقوس الخطر إزاء تزايد الأدلة على ارتفاع تشغيل الأطفال خلال الجائحة، مشيرتين إلى أن إغلاق المدارس بشكل مؤقت يطال الآن أكثر من مليار تلميذ في أكثر من 130 بلدا.

شقاء إضافي

عدد الأطفال العاملين انخفض في العالم بشكل ملحوظ من 246 مليونا في سنة 2000 إلى 152 مليون طفل في الوقت الراهن
عدد الأطفال العاملين انخفض في العالم بشكل ملحوظ من 246 مليونا في سنة 2000 إلى 152 مليون طفل في الوقت الراهن

 وفقا للعديد من الخبراء والناشطين، قد يواجه الأطفال الذين كانوا يعملون قبل تفشي الوباء الآن ساعات أطول في العمل وظروفا أسوأ، في حين قد يُجبر آخرون على الخروج إلى سوق الشغل لدعم أسرهم، التي تكافح من أجل البقاء على قيد الحياة بسبب التباطؤ الاقتصادي.

ويشير أطفال مصريون يعملون في مصانع الطوب المدرج ضمن الأعمال الخطرة، برواتب متدنية أقل من نصف ما يحصل عليه العامل التقليدي، إلى أن بعضهم انخرطوا في هذه المهنة مع بداية تفشي كورونا، بهدف مساعدة أسرهم في الإنفاق على شؤون الحياة، ومنهم من فقد والده وأصبح يعول أسرته.

ويظل هؤلاء العمال الذين لا تتجاوز أعمارهم الخامسة عشرة، في العمل الشاق لمدة تقترب من 10 ساعات، يحملون الطوب قبل حرقه، ثم يعودون لتحميله مجددا عقب الانتهاء من تصنيعه ورصه في صفوف طويلة، أحيانا دون وجبات أو فترات راحة، وبعضهم يدخن السجائر بكميات كبيرة في سن صغيرة.

وقال رئيس المنتدى المصري للدراسات الاقتصادية رشاد عبده لـ”العرب”، “إن عمالة الأطفال تتزايد في مصر مع ارتفاع نسبة الفقر وتزايد معدلات البطالة، لأن الأطفال تسخرهم بعض الأسر لتحسين مواردها”.

وأضاف “هناك علاقة اقتصادية معروفة بين عمالة الأطفال والفقر، فكلما ارتفع الأخير نقطة مئوية واحدة تزيد عمالة الأطفال بنسبة 0.7 في المئة، وتعكس تلك العلاقة المشكلات التي تواجه الأطفال في المناطق النامية على مستوى التعليم والصحة”.

ويؤكد المدير المساعد لإدارة حماية الطفل في اليونيسف كورنيليوس وليامز “أن الوباء سلط المزيد من الضوء على كيفية تعرض الأطفال الأكثر ضعفا للاستغلال أثناء الأوبئة، بما في ذلك إجبارهم على العمل. يجب أن يكون ذلك علامة تحذير للحكومات والمجتمع المدني ووكالات الأمم المتحدة، لتكثيف الاستراتيجيات وتحديد أولوياتها للقضاء على عمالة الأطفال”.

من جانبها عبرت الجمعية المغربية لحقوق الإنسان، عن خشيتها من ارتفاع عدد عمالة الأطفال بسبب الانقطاع الطويل عن الدراسة، وفشل التعليم عن بعد، وغياب مقاربة للاهتمام بحقوق الطفل عموما في ظل الجائحة، كما نبهت إلى أن فقدان العمل لفئات واسعة من أرباب الأسر، خاصة العاملة في القطاع غير المهيكل والاقتصاد الموسمي، سيقوي عمالة الأطفال والفتيات.

قوانين وقرارات

لا تدعوهم يكبروا قبل الأوان
لا تدعوهم يكبروا قبل الأوان

يعمل أعضاء الجمعية العامة للأمم المتحدة على زيادة الوعي، وتحفيز مساعي الحكومات والجهات الفاعلة الأخرى، لإنهاء عمالة الأطفال في جميع أنحاء العالم.

وتشكل حماية القصر هاجسا لدى المشرع في أغلب الدول النامية، من أجل الحد من الظاهرة وما يرافقها من تداعيات سلبية على تكوين وصحة وسلامة الجيل الصاعد، لكن يبقى تنفيذ هذه القوانين والقرارات يتراوح بين الحزم والإهمال من دولة إلى أخرى.

ففي المغرب، أكدت وزارة الشغل أن المملكة اتخذت عدة إجراءات في هذا المجال، على المستوى القانوني وعلى المستوى المؤسساتي، وحتى على مستوى التعاون الدولي، وذلك لتحقيق الهدفين الـ7 والـ8 المتعلقين بحماية الطفولة ضمن أهداف التنمية المستدامة في أفق 2025.

وتم اختيار المغرب إلى جانب 15 دولة من طرف التحالف الدولي كبلد “رائد” في مجال محاربة تشغيل الأطفال، وذلك من أجل الوقوف على الطرق والأساليب والبرامج المبتكرة، التي ستمكن البلدان الأخرى من الاستفادة من تجاربه وتحقيق أقصى قدر من الفعالية، بما يتناسب مع المواعيد العاجلة المحددة لإنجاز الهدف المذكور.

وانخرط المجتمع المدني المغربي في فعل اجتماعي لمحاربة تشغيل الأطفال، من خلال القيام بحملات توعية موجهة للعائلات في المدن والقرى، لشرح أخطار التشغيل المبكر على أطفالهم.

هناك علاقة اقتصادية معروفة بين عمالة الأطفال والفقر، فكلما ارتفع الأخير نقطة مئوية واحدة تزيد عمالة الأطفال بنسبة 0.7 في المئة

وشددت الجمعية المغربية لحقوق الإنسان على ضرورة “معاقبة من يستغلون الأطفال دون سن 18 سنة في الأعمال المحفوفة بالمخاطر”، و”سن قانون يسمح بدخول مفتشي الشغل للمنازل لإنقاذ الأطفال من الاستغلال الاقتصادي”.

وأكدت رئيسة فرع الدار البيضاء لمنظمة الطلائع أطفال المغرب خديجة بوكبيدة، في تصريح لـ”العرب”، “أن كل هيئات المجتمع المدني مهتمة بالشراكة مع الحكومة المغربية لمكافحة هذه الظاهرة”، مضيفة “نحن كمنظمة مهتمة بالدرجة الأولى بقضايا الأطفال، فإننا ندعو مختلف المؤسسات والجمعيات إلى تعبئة وتعزيز كافة جهودها للحد وبشكل مباشر من هذه الآفة، تزامنا مع إيلاء الحكومة عناية خاصة بقانون العمال المنزليين، والذي سيعود بنتائج إيجابية على ظاهرة تشغيل الأطفال بالمغرب”.

وقالت بوكبيدة “إن واقع تشغيل الأطفال بالمغرب يشهد منحى تنازليا مقارنة بتسعينات القرن الماضي، لكن لا تزال هذه الظاهرة تشغل الرأي العام وجمعيات المجتمع المدني، باعتبارها تنتهك اتفاقية حقوق الطفل ومجموعة من الاتفاقيات الدولية، كما تحرم الطفل من أبسط حقوقه (حق في التمدرس، التعليم ، واللعب والترفيه..)”.

وتؤكد مديرة المناصرة في قسم حقوق الطفل في هيومن رايتس ووتش جو بيكر، أن “الخيارات التي تتخذها الحكومات الآن يجب أن تكون حاسمة، إذ يمكن أن تقلل من أسوأ آثار الأزمة على الأطفال على المدى القصير وتعدّهم للنجاح على المدى الطويل”.

وفي مصر، وقّع وزير القوى العاملة محمد سعفان ومدير مكتب منظمة العمل الدولية بالقاهرة إريك أوشلان في ديسمبر الماضي، خطة عمل حول مشروع للإسراع بالقضاء على تشغيل الأطفال، وجرى وضع خطة وطنية تمتد حتى 2025 لمكافحة أسوأ أشكال عمل الأطفال ودعم الأسرة.

وحظرت القاهرة تشغيل الأطفال قبل بلوغهم سن 15 عاما، مع جواز تدريبهم متى بلغوا سن الـ13 عاما، بما لا يحول دون مواصلة تعليمهم.

ويلتزم كل صاحب عمل يشغّل طفلا دون سن الـ16 عاما بمنحه بطاقة تثبت أنه يتدرب أو يعمل لديه، لكن هذا الأمر غير موجود في الواقع في غالبية الأحيان.

حلول تطبيقية

 خبراء: القضاء على عمالة الأطفال يتطلب تزويد الحكومات المحلية بالموارد والالتزام بإنفاذ القوانين التي تحمي الأطفال
 خبراء: القضاء على عمالة الأطفال يتطلب تزويد الحكومات المحلية بالموارد والالتزام بإنفاذ القوانين التي تحمي الأطفال

ينفذ برنامج الأغذية العالمي بالشراكة مع الاتحاد الأوروبي والحكومة المصرية، مشروعا لمكافحة عمالة الأطفال في 16 محافظة، استفاد منها 120 ألف طفل، 65 في المئة منهم من الفتيات والباقي من الذكور، عبر مشروع التغذية المدرسية، لكن علاء عبدالتواب، رئيس الوحدة القانونية بالمركز المصري للحقوق الاقتصادية والاجتماعية، يؤكد لـ”العرب”، “أن عمالة الأطفال في العالم الثالث مشكلة متشابكة الأطراف ما يجعل القضاء عليها صعبا، ففي مصر تحظر التشريعات عملهم، لكن في الوقت ذاته لا تضع عقوبات رادعة تحسم تلك المشكلة”.

ويشير الخبراء إلى أن القضاء على عمالة الأطفال يتطلب تزويد الحكومات المحلية بالموارد والالتزام بإنفاذ القوانين التي تحمي الأطفال، حيث دعا المدير المساعد لإدارة حماية الطفل في اليونيسف كورنيليوس وليامز، “إلى حماية اجتماعية أكثر شمولا، وتسهيل حصول الأسر الفقيرة على المساعدات، وتعزيز فرص العمل الكريم للبالغين، واتخاذ تدابير لإعادة الأطفال إلى المدارس، وزيادة الاستثمارات في الخدمات الاجتماعية، والمزيد من الموارد لمراقبة أماكن العمل وإنفاذ القانون”.

ولفتت مديرة المناصرة في قسم حقوق الطفل في هيومن رايتس ووتش، إلى “أن الحكومات والمانحين يحتاجون إلى مساعدة الأسر الضعيفة مباشرة، لمواجهة الضائقة المالية التي تدفع الأطفال إلى العمل. ويمكن للتحويلات المالية المنتظمة لهذه الأسر أن تساعدها في تلبية احتياجاتها الأساسية دون اللجوء إلى عمالة الأطفال”.

المجتمع المدني المغربي انخرط في فعل اجتماعي لمحاربة تشغيل الأطفال، من خلال القيام بحملات توعية موجهة للعائلات في المدن والقرى، لشرح أخطار التشغيل المبكر على أطفالهم

وقال الباحث المغربي بوقشوش لـ”العرب”، “إن أكبر مدخل لمجابهة آفة تشغيل الأطفال، هو تحقيق العدالة الاجتماعية، وذلك بدراسة أسبابها وإصلاح الخلل، وإعادة الاعتبار لهذه الأسر التي يفرض عليها قسرا أن تقود أبناءها إلى أبواب المشغلين، مع ضرورة جعل الفضاء التربوي التعليمي الفضاء الوحيد والأوحد للطفولة المغربية خاصة بالنسبة الذين يعانون من صعوبات تعليمية، واستثمار وسائل الإعلام للتعريف بمخاطر الظاهرة وبشاعتها وتجريمها بعيدا عن المزايدات السياسية”.

ويبقى التصدي لهذه الظاهرة رهن تكثيف الجهود، وتعزيز أدوار الفاعلين في المساعدات الاجتماعية والمجتمع المدني، إضافة إلى أهمية التوعية والتحسيس في تراجع هذه الظاهرة، خاصة بالنسبة للفتيات، فهن أول من يُحرمن من حقهن في التعليم، ويعانين من عبء ثلاثي يتمثل في الأعمال المنزلية والعمل المدرسي والعمل خارج المنزل.

وتحث المنظمات الدولية أصحاب السلطة على إشراك الفتيات، ومجموعات الشباب، والأطفال العاملين الحاليين والسابقين في عملية التوعية، حيث تقول “فمن خلال الاستماع إلى المتضررين، يمكننا إنشاء عالم يتمتع فيه كل طفل بالحق في التعليم”.

وتبقى عملية إنقاذ الأطفال من العمل عملية صعبة التطبيق لكنها غير مستحيلة، ويؤكد رئيس الوحدة القانونية بالمركز المصري للحقوق الاقتصادية والاجتماعية علاء عبدالتواب لـ”العرب”، “أن عمالة الأطفال في العالم الثالث مشكلة متشابكة الأطراف ما يجعل القضاء عليها صعبا، ففي مصر تحظر التشريعات عملهم، لكن في الوقت ذاته لا تضع عقوبات رادعة تحسم تلك المشكلة”.

وأوضح عبدالتواب “أن المشكلة في الثقافة العامة السائدة بالدول النامية، التي تعتبر الطفل ملكية خاصة لأسرته يفعلون به ما يحلو لهم، بجانب تضارب تحديد عمر الطفل في التشريعات، حيث يمتد بعضها إلى 21 عاما، وفي أخرى يقدر بـ15 عاما، وفي ثالثة بـ18 عاما، وكلها تخلق نوعا من التضارب وتحدّ من حماية الأطفال”.

20