استقالة الحكومة الكويتية تثير خلافا حول تعطيل جلسات البرلمان

الكويت – جرّت استقالة الحكومة الكويتية التي جاءت نتيجة خلاف بين السلطتين التنفيذية والتشريعية، وراءها خلافا آخر يتصاعد الجدل بشأنه، ويتمثّل في تعطيل أشغال البرلمان الذي تعذّر عليه عقد جلساته في غياب أعضاء الحكومة عنها.
ورفع مرزوق الغانم رئيس مجلس الأمّة (البرلمان) جلسة الثلاثاء مستندا إلى تفسير لمادة في الدستور الكويتي يرى البعض أنّها تنصّ على عدم جواز عقد الجلسات البرلمانية من دون حضور أعضاء مجلس الوزراء، وأيضا إلى عرف معمول به يدعم ذلك التفسير.
وأثار تعطيل جلسات المجلس غضب عدد من النواب الذين لمّح بعضهم إلى تعطيل متعمّد لعمل السلطة التشريعية، خصوصا وأنّه لا توجد معلومات على موعد تكليف رئيس للحكومة والمدّة الزمنية التي يمكن أن تستغرقها عملية تشكيل حكومة جديدة، في ظلّ توقّع البعض بأن يتمّ التريث في ذلك، الأمر الذي سيؤدي لإطالة مدّة تعطيل عقد جلسات البرلمان الذي أبدى نوابّه المنتخبون حديثا حماسا استثنائيا لإنجاز دورة برلمانية ثرية بالتشريعات التي تصبّ في اتّجاه الإصلاحات التي يطمحون إليها من قبيل تغيير القانون الانتخابي، وإصدار عفو عام على محكومين في قضايا سياسية، ومعالجة ملف عديمي الجنسية المتعارف عليهم محلّيا بـ”البدون”.
وأمام إصرار نواب على عقد جلسة الثلاثاء بمن حضر، طالب الغانم بالاحتكام إلى المحكمة الدستورية لتفسير المادة 116 من الدستور الكويتي قائلا للنواب المطالبين بعقد الجلسات البرلمانية في غياب أعضاء الحكومة “الذين كانوا يرون ضرورة عقد الجلسة حتى لو كانت الحكومة غير متواجدة.. أحترم وجهة نظركم لكننا أقسمنا على احترام الدستور وقوانين الدولة”.
وكان شخص الغانم نفسه سببا رئيسيا في الخلاف الذي تفجّر بين البرلمان الكويتي وحكومة الشيخ صباح الخالد الحمد الصباح وأفضى إلى استقالتها، حيث رغب عدد كبير من النواب في عدم عودة الرجّل المحسوب ضمن معسكر الموالاة للحكومة إلى منصب رئيس مجلس الأمّة الذي شغله في المجلس الماضي، وسعوا إلى إسناد المنصب لمرشّح بديل هو بدر الحميدي، لكن الدعم الحكومي، بحسب هؤلاء النواب، أدّى إلى فرض الغانم مجدّدا على رأس المجلس.
وبحسب مصادر كويتية فإن الاستجواب النيابي الذي تقدم به عدد من النواب لرئيس الحكومة وكان دافعا لاستقالتها لم يكن سوى ردّة فعل على مساندة الحكومة للغانم وحمايتها له.
ودافع الغانم على خيار عدم عقد الجلسات البرلمانية دون حضور أعضاء الحكومة قائلا إنّ الذهاب إلى المحكمة الدستورية يحسم الموقف، ومضيفا أنّ هذا الخيار طبّقه جميع رؤساء المجالس السابقة دون استثناء، وأنّه يرفض تغيير ذلك العرف بقرار شخصي.
وعلى الطرف المقابل قال النائب حسن جوهر، وهو أحد الدّاعين لعقد جلسات البرلمان بمن حضر، إنّ على الحكومة المقبلة أن “تتعظ، لأنها إن استمرأت هذا النوع من التلاعب بالدستور والاستمرار في سرقة وقت الشعب الكويتي فسيكون لنا موقف لن تنساه في المستقبل”.
ويتضمّن كلام النائب إنذارا بأنّ أزمة الخلاف بين الحكومة والبرلمان الكويتيين أعمق من أن تحلّ بمجرّد استقالة الحكومة وإعادة تشكيلها، خصوصا إذا ما عاد الشيخ صباح الخالد رئيسا لها، وهو أمر غير مستبعد من قبل العديد من الأوساط السياسية الكويتية.
وكان أمير الكويت الشيخ نواف الأحمد الجابر الصباح قد قَبِل، الإثنين، استقالة الحكومة التي قدمتها الأسبوع الماضي، وكلّفها بتسيير الأعمال لحين تشكيل حكومة جديدة.
وجاءت الاستقالة إثر تقديم عدد من النواب استجوابا لرئيس مجلس الوزراء يتعلّق بما وصفوه بـ”مخالفات دستورية، ومماطلة الحكومة في تقديم برنامج عملها، وهيمنة السلطة التنفيذية على البرلمان” الذي انتُخب في ديسمبر الماضي وحصلت المعارضة على عدد كبير من مقاعده.
ورغم أن أكثر التوقّعات تشير إلى إعادة تكليف رئيس الحكومة المستقيل بتشكيل الحكومة القادمة إلاّ أن البعض ذهب إلى إمكانية أخذ الوقت الكافي قبل إعادة التكليف، لإفساح المجال لمحاولات تبريد الخلافات بين السلطتين التشريعية والتنفيذية.
وجاءت استقالة حكومة الشيخ صباح الخالد كامتداد لظاهرة عدم استقرار السلطتين التشريعية والتنفيذية، التي أصبحت سمة مميزة للحياة السياسية في الكويت بسبب كثرة الخلافات بين أعضاء البرلمانات والحكومات المتعاقبة.
وترى العديد من الدوائر الكويتية أنّ السلطات الرقابية الواسعة للبرلمان على عمل الحكومة ومبالغة النواب في اللجوء إلى الحقّ الممنوح لهم بموجب الدستور في مساءلة رئيس وأعضاء مجلس الوزراء عن طريق آلية الاستجواب، في مقدّمة أسباب التوتّر الدائم في علاقة السلطتين وفي تعطيل عملهما وإحداث انقطاعات شبه منتظمة في عملية التشريع وأخذ القرار وتنفيذ البرامج.
وتحذّر نخب سياسية وقادة رأي كويتيون من أنّ الفترة الحالية لا تتيح هامشا كبيرا لمعالجة أزمات سياسية مثل الأزمة القائمة حاليا والتي تشتمّ منها، حسب هؤلاء رائحة تصفية الحسابات الفئوية والشخصية، بينما يحتاج البلد لتعاون السلطتين وعملهما بأقصى جهد وسرعة لمعالجة الأزمة الحقيقية المتمثّلة في تدهور أسعار النفط وجائحة كورونا وما نتج عنهما من عجز مالي، فتح الباب أمام الحديث عن إمكانية عدم قدرة الدولة على دفع رواتب موظّفيها.