صراع السلطتين التشريعية والتنفيذية معضلة كويتية لا تنتهي

الكويت – قبل أمير الكويت الشيخ نواف الأحمد الصباح استقالة الحكومة برئاسة الشيخ صباح الخالد الصباح التي تم تقديمها الأربعاء بعد شهر من تشكيلها، وسيواصل الوزراء تصريف شؤون البلاد العاجلة إلى حين تشكيل حكومة جديدة.
ويأتي قبول الاستقالة قبل يوم من جلسة مجلس الأمة التي كان مقررا أن يتم فيها استجواب رئيس الوزراء الشيخ صباح الخالد أمام البرلمان، بسبب ما يصفه مقدمو الاستجواب بـ“عدم التعاون مع مجلس الأمة”.
ومع وضع وزراء الحكومة الكويتية رسميا استقالاتهم تحت تصرف الأمير الشيخ نواف، أصبحت حكومة الشيخ صباح الخالد ثاني أقصر حكومة عمرا في تاريخ الكويت بـ29 يوما، من أصل 37 حكومة شكلت منذ العام 1962.
وتمثل هذه الأزمة بين الحكومة والبرلمان أول تحد يواجهه أمير الكويت الذي تولى زمام الحكم في سبتمبر، بعد وفاة أخيه الشيخ صباح الأحمد، وتنذر بتواصل معضلة عدم استقرار السلطتين التشريعية والتنفيذية التي كانت طيلة السنوات الأخيرة سمة بارزة للحياة السياسية في الكويت.
ورغم أن كثيرين توقعوا أن تتم إعادة تكليف الشيخ صباح الخالد بتشكيل الحكومة الجديدة، إلا أن الأمر الأميري لم يشر إلى من سيتم تكليفه بهذا المنصب.
وكان صعود الشيخ صباح الخالد إلى رئاسة مجلس الوزراء بحدّ ذاته نتيجة أزمة حادّة في حكومة سلفه الشيخ جابر المبارك الصباح التي استقالت في نوفمبر 2019، على خلفية اتهامات بالفساد وخلافات حادة بين اثنين من وزرائها.
ولم يسلم وزراء حكومة صباح الخالد من الاستجوابات المتتالية منذ تشكيل الحكومة في ديسمبر 2019 بشأن أسئلة النواب عن أسباب تفاقم أزمة كورونا وفضائح الصندوق الماليزي والتسريبات والتجسس على المواطنين والأزمة المالية العاصفة بالبلد الخليجي، الذي عرف على مدار العقود الماضية بالرفاهية الاجتماعية.
وفي ديسمبر الماضي رأى أمير الكويت الشيخ نواف الأحمد أن يحافظ على خيار سلفه الشيخ صباح الأحمد، ويسند تشكيل الحكومة الجديدة إلى الشيخ صباح الخالد صاحب الخبرة الطويلة بالعمل الحكومي.
وفي سياق متّصل، أعلن رئيس مجلس الأمة مرزوق الغانم أنه تسلم الاثنين اعتذارا من الحكومة عن عدم حضور جلسة مجلس الأمة المقرر عقدها الثلاثاء والأربعاء. وأوضح الغانم أن البرلمان لن ينعقد “إلى حين تشكيل الحكومة الجديدة”.
وتقدم ثلاثة نواب في البرلمان، الذي تم انتخابه في ديسمبر وغلب على تشكيله نواب معارضون، بطلب استجواب لرئيس الحكومة في الخامس من يناير الجاري، وحظي الاستجواب بدعم من نحو 34 من النواب الآخرين وهو ما يعني أن 37 نائبا على الأقل من أصل خمسين يؤيدون استجواب رئيس الحكومة.
ولم تحضر الحكومة جلسة مجلس الأمة التي تلت تقديم الاستجواب، وهو ما تسبب في تعطيل انعقاد الجلسة.
وفي سوابق تاريخية كثيرة، أدى تواتر الخلاف بين الحكومة والبرلمان إلى تغيير حكومات متعاقبة وحل البرلمان، مما عرقل مشاريع الإصلاح الاقتصادي والمالي التي تحتاجها البلاد وأصاب الحياة السياسية بالجمود.
ويدور الاستجواب الذي تقدم به النواب بدر الداهوم وثامر الظفيري وخالد العتيبي حول ثلاثة محاور أو اتهامات لرئيس الحكومة، أولها “مخالفة صارخة لأحكام الدستور عند تشكيل الحكومة… باختياره لعناصر تأزيمية في مجلس الوزراء” وعدم مراعاة اتجاهات المجلس الجديد الذي يغلب عليه نواب من أصحاب التوجهات المعارضة.
ويتعلق المحور الثاني بما يعتبره النواب المستجوِبون “هيمنة السلطة التنفيذية” على البرلمان من خلال دعم الحكومة لرئيس مجلس الأمّة مرزوق الغانم ليفوز بهذا المنصب من جديد، في حين صوت 28 من النواب لمرشح آخر، بالإضافة إلى “التدخل السافر في تشكيل لجان المجلس” من قبل الحكومة.
ويتمثل المحور الثالث في “مماطلة الحكومة في تقديم برنامج عملها لهذا الفصل التشريعي”، وهو ما اعتبره مقدمو الاستجواب “إخلالا بالالتزام الدستوري” الذي يفرض عليها تقديم البرنامج فور تشكيلها.
وخسر ثلثا أعضاء مجلس الأمة مقاعدهم في الانتخابات التي جرت في الخامس من ديسمبر، وحقق مرشحو المعارضة مكاسب في نتائجها التي يقول محللون إنها قد تعرقل جهود الحكومة لتنفيذ إصلاحات مالية في نظام الرعاية من المهد إلى اللحد في الكويت.
والنظام السياسي في الكويت هو الأكثر انفتاحا في منطقة الخليج، حيث يملك البرلمان سلطة إقرار التشريعات واستجواب رئيس الحكومة والوزراء. لكن أعضاء الأسرة الحاكمة يتولون المناصب العليا وللأمير القول الفصل في أمور الدولة.
ومن شأن هذه الأزمة أن تعيق جهود الحكومة لمعالجة أعمق أزمة اقتصادية ومالية تواجه الدولة المنتجة للنفط والعضو في منظمة أوبك، بسبب تداعيات جائحة كورونا وهبوط أسعار النفط.
ووفقا لتصريحات وزير المالية السابق براك الشيتان، يواجه الاقتصاد الكويتي، المعتمد بالأساس على مورد وحيد هو النفط، عجزا يبلغ 46 مليار دولار في السنة المالية الحالية التي تنتهي في مارس 2021، بسبب جائحة كورونا وهبوط أسعار الخام.