حصيلة اليسار التونسي بعد عقد من الثورة.. انكسارات سياسية وتآكل القاعدة الشعبية

تونس - تجد الأحزاب اليسارية نفسها بعد عشر سنوات من الإطاحة بنظام الرئيس زين العابدين بن علي مهمومة بلملمة ما تبقى من رصيدها السياسي والشعبي الذي عصفت به التحولات العميقة التي طرأت على المشهد السياسي في تونس، والتي عجزت عن مجارات تياراته القوية.
وكانت الأحزاب والائتلافات ذات المرجعية اليسارية منيت خلال السنوات الأخيرة بانكسارات وانتكاسات متتالية أثرت بشكل كبير على حضورها السياسي والشعبي، وآخرها الانتخابات البرلمانية الماضية التي خرجت منها بحصيلة تكاد تكون صفرية، وسط انقسامات تضرب مكوناتها.
وترى نخب فكرية وسياسية أن أحزاب اليسار خيبت آمال التونسيين في الدفاع عن قيم الجمهورية وجردتها انهزاميتها من دورها في الوقوف ضد جماعات الإسلام السياسي، خاصة بعد فشل اليسار في انتخابات 2011 ليفتح الباب أمام حركة النهضة الإسلامية التي استفادت كثيرا من تشتت اليساريين، ونجحت لاحقا في عزلهم شعبيا.
وتقول تلك الأوساط والنخب إن الأحزاب اليسارية تعاني العديد من الأمراض والعلل لعل أخطرها الجمود الفكري والتنظيمي، حيث أن معظمها لا يزال يتمسك برؤى وأفكار "بالية" لا تتماشى والواقع التونسي، فيما أن بعض رموزها لم يتخلصوا بعد من رداء "السرية"، والبعض الآخر لا يزال يصر على التمسك بزعامة واهية، ويرفض ترك المشعل لغيره.
ويرى مراقبون أن المسؤولية لا تقع فقط على عاتق الطيف اليساري، فمنذ عام 2014 لم تنجح العائلة السياسية الوسطية في تأسيس كيان سياسي مهيكل وقوي ينافس حركة النهضة في الحكم، وحتى تجربة نداء تونس التي كانت تراهن عليها القوى المدنية والحداثية، سرعان ما تفككت واضمحلت، ويعود ذلك إلى عوامل عدة بينها غياب مشروع فعلي وحقيقي، يبنى عليه على المدى المتوسط والطويل، فضلا عن أن التقارب المصلحي الذي جرى مع حركة النهضة ساهم بشكل كبير في هذا الانهيار.
ويعمل ائتلاف الجبهة الشعبية الذي يضم أحزابا يسارية اليوم، على إعادة ترميم بيته الداخلي للعودة من جديد إلى المشهد، لكن مراقبين يستبعدون نجاحه، ذلك أن الأسباب التي أدت إلى تراجع اليسار لا تزال قائمة.
وأعربت أعداد من الأحزاب اليسارية بمناسبة الذكرى العاشرة للثورة التونسية عن تمسكها بضرورة توحيد الجهود من أجل مواصلة المسار الثوري وترسيخ قيم الديمقراطية وتحقيق التنمية.
ودعا حزب العمال إلى أن تكون الذكرى العاشرة للثورة انطلاقة جديدة لمسار شعبي ثوري أكثر تماسكا وتجذرا، ولمسار توحيد قوى الثورة من أجل تغيير جذري.
وحمّل حزب العمال مسؤولية النتائج الكارثية التي آلت إليها البلاد في مختلف المجالات، "إلى حكم القوى المعادية للثورة ومنظومة الحكم بكل مكوناتها".
وأكّد حمة الهمامي، أمين عام حزب العمال، أنّه لابدّ من ثورة جديدة تذهب نحو إسقاط منظومة الحكم الحالية، قائلا "أحلم بثورة وطنية ديمقراطية من أجل إسقاط النظام الحالي".
واعتبر الهمامي في تصريحات أدلى بها لإذاعة موزاييك المحلية أنّ "المشكلة الحقيقية في الثورة التونسية هي غياب برنامج وطني مركزي وقيادات مركزية واضحة للثورة، ورغم أنّ النظام تغيّر إلا أنّه لم يتم إجراء إصلاحات حقيقية، حتى إنّ مكسب الحرية أصبح مهدّدا".