أهل المعروف "شرطة دينية" تهدد الحياة المدنية في العراق

تصاعد نسق استهداف محلات بيع الخمور والمطاعم في بغداد تحت يافطة "النهي عن المنكر".
الأربعاء 2021/01/13
تطرف ديني لا يختلف عن داعش

بغداد - تصاعدت خلال اليومين الماضيين سلسلة من الهجمات الجديدة على محلات بيع الخمور والمطاعم في بغداد من قبل جماعات متطرفة تطلق على نفسها "أهل المعروف"، وتستهدف هذه المحال تحت عنوان "النهي عن المنكر".

وقال مصدر أمني لوكالة "بغداد اليوم" الإخبارية الثلاثاء "إن ثلاثة انفجارات استهدفت محلات لبيع المشروبات الكحولية بمنطقة الكسرة التابعة لحي الأعظمية وباب المعظم وشارع السعدون وسط العاصمة بغداد".

وأضاف أن انفجار شارع السعدون كان مزدوجا، حيث استهدف محلا لبيع المشروبات الكحولية بعبوة ناسفة وأيضا سيارة صاحبه بعبوة لاصقة، وقد "أسفر الانفجار عن مقتل عامل يعمل في المحل وإصابة آخر بجروح".

ففي غضون الشهرين الماضيين، استهدفت جماعات مجهولة حوالي 14 محلا تجاريا لبيع المشروبات الكحولية.

وتبنت مجموعة تطلق على نفسها اسم "أهل المعروف" المسؤولية عن انفجار باب المعظم، وانفجار آخر مماثل في الأعظمية، بحسب بيانات نشرت على مجموعات تيلغرام معروفة بمساندتها للميليشيات.

ولم تتبن المجموعة انفجار شارع النضال، لكن المصدر الأمني يقول إنه من المرجح أن المجموعة نفسها مسؤولة عن التفجير.

ومنذ أكتوبر من العام الماضي، تزايد استهداف محال المشروبات الكحولية في العاصمة بشكل كبير.

وتعيد هذه الهجمات تذكير سكان المدينة بالتفجيرات التي كانت تشهدها بغداد يوميا ولسنوات قبل "الانتصار" على تنظيم داعش في أواخر 2017.

ويعلق الشاب ن.ق في حديث لموقع "ارفع صوتك"، "تذكرنها هذه التفجيرات بالأيام الأولى لتنظيم القاعدة"، ويتساءل الشاب الشيعي من أهالي حي جميلة شرقي العاصمة "بماذا تختلف هذه الميليشيات عن القاعدة وداعش؟".

صورة

وقال أحد رجال الأعمال مفضّلا عدم الكشف عن هويته إنّ تجار المشروبات الكحولية يتعرضون إلى "حرب ابتزاز من نوع خاص" لوقف بيع تلك المشروبات.

وأضاف "تعرضنا إلى شتى أعمال الترهيب والقتل والاختطاف واستهداف الشاحنات خلال السنوات الماضية، لكننا لا نزال نقاوم للحفاظ على وجه بغداد الليبرالي".

ولا تصدر الحكومة العراقية تعليقا على هذه الهجمات وتلتزم الصمت في أغلب الأحيان. لكن بعد تصاعد الموجة الأخيرة وظهور جماعات باتت تصدر تهديدات بشكل علني، نشرت قوات من الجيش والشرطة في محيط هذه المحال لحمايتها، إضافة إلى غلق الملاهي الليلة لإبعادها عن أي أعمال من هذه المجاميع.

وتعود أغلب هذه المحال إلى الأقليات المسيحية والإيزيدية التي باتت أعدادها تنخفض بشكل ملفت نتيجة الهجرة خلال السنوات الـ17 الماضية منذ الغزو الأميركي وسقوط نظام صدام حسين وبدء تصاعد سطوة الأحزاب الدينية والمتشدّدة.

وأعلنت وكالة الاستخبارات عن القيام بعملية أمنية لإغلاق القاعات والنوادي الليلية والمحلات الخاصة ببيع المشروبات الكحولية غير المجازة أسفرت عن إغلاق 91 من هذه الأماكن في مناطق متفرقة من بغداد.

وتمنع السلطات المحلية تجارة الخمور في مناطق جنوب العراق وتصادر المشروبات الكحولية عند نقاط التفتيش، ما سمح بتزايد استهلاك المخدرات، بحسب مصادر مسؤولة محلية في عدد من هذه المناطق.

صورة

وذكر أصحاب محال إيزيديون ومسيحيون أن بعض التجار المسلمين دخلوا على خط المنافسة في هذا العمل المصرح به رسميا فقط لتلك الأقليتين بشكل قانوني، لكن محالهم لم تستهدف في الآونة الأخيرة ما يوحي بأن المنافسة قد تكون أحد أسباب الهجمات.

ويقول الكثير من أصحاب المصالح إنهم يتعرضون إلى ابتزاز من جماعات مسلحة مقابل الحماية في المدينة التي تتنافس فيها الجماعات المسلحة، بينما لا تزال تبحث عن هوية موحدة منذ الغزو.

ويشير مسؤول مقرّب من هذه الجماعات إلى أنّ تعدد الميليشيات وتفرّعاتها "هو السبب وراء" الهجمات وعمليات الابتزاز.

من جهته، أوضح قيادي رفيع المستوى في أحد الفصائل المسلحة أن قيادات هذه الجماعات "لا تتدخل في هذه الأعمال إطلاقا، إنما شخصيات صغيرة تدعي الانتساب لبعض الفصائل تتصرف بشكل فردي".

واتهم هذا القيادي بعض الضباط في القوات الأمنية بالوقوف وراء الابتزاز والأموال والحماية لهذه المصالح، مقابل إرغامها على الدفع بشكل شهري مبالغ تصل إلى الآلاف من الدولارات.

ويرى أندريه وهو صاحب مخزن لبيع الكحول وسط بغداد، أن المستهدف الفعلي هو الأقليات في بغداد، حيث تنتشر في العديد من الأحياء التاريخية الكنائس إلى جانب المساجد.

صورة

وتعرّض مخزنه إلى تفجير أسفر عن خسارة مئات الآلاف من الدولارات بواسطة شخصين يستقلان دراجة نارية.

وقال وهو يتابع على شاشة تسجيلا مصورا لمشهد تفجير مخزنه "هذه الجماعات تنوي تهجير ما تبقى من المسحيين في البلد. إنها تستهدفنا".

ووجه اللوم إلى القوات الأمنية، قائلا إنّ الدورية التي كانت تقوم بالحراسة انسحبت قبل الهجوم بساعات "في حركة غريبة". كما أنّ الدراجة النارية وصلت إلى المنطقة رغم حظر حركة الدراجات فيها.

وتابع "السلطات تتغاضى عن المنفذين. هم معروفون باسم أهل القرى وينشرون نشاطاتهم على فيسبوك، فلماذا لا تقوم الحكومة بالقبض عليهم؟ لقد زوّدناهم حتى برقم السيارة التي قامت بتصوير التفجير وأعطيناه إلى السلطات لكنها لم تتخذ أي إجراء".

وغالبا ما تتجنب سلطات بغداد الأمنية المنهكة بعد سنوات من التفجيرات والصراعات المذهبية، الاحتكاك مع مسلحي الجماعات الشيعية المتشددة المدججين بالأسلحة، وليس أصحاب محلات بيع المشروبات الكحولية وحدهم من يخشى التفجيرات.

ورغم تراجع دول إسلامية عن فكرة تشغيل أجهزة شرطة دينية تراقب الناس، مثل هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر السعودية التي تقلص دورها مؤخرا، إلا أن بغداد تشهد تناميا لهذا الأمر، حيث ظهرت جماعة "أهل المعروف" قبل أشهر بالتزامن مع ظهور مجموعات مسلحة أخرى، من بينها ميليشيا "أهل الكهف" التي تبنت في 18 نوفمبر الماضي  عملية استهداف السفارة الأميركية في بغداد بعد اعتقال عدد من عناصرها في مدينة الفلوجة.

وتختص ميليشيا "سرية أهل المعروف" بالتضييق على الحريات الشخصية كما يبدو من بياناتها، إذ هددت المحتفلين برأس السنة الميلادية، وهددت باعة المشروبات الكحولية ومحال الموسيقى.

وسبق أن نشر أنصار الحشد الشعبي على مواقع التواصل الاجتماعي مقطعا مصورا يحمل شعار "السرية" قالوا إن "سرية أهل المعروف" تجري استطلاعا على مجموعة من محال بيع الخمور في بغداد، ويظهر الشريط عددا من المحال وقد رسمت حول بعضها دائرة حمراء في إشارة إلى أنها تبيع المشروبات الروحية.

وظهرت في أوائل العام الماضي على الساحة العراقية مجموعة شيعية جديدة تطلق على نفسها "ربع الله" أخذت على عاتقها ابتزاز أصحاب مراكز التدليك ومحال المشروبات الكحولية والفنادق والمولات، فضلا عن معاقبة كل من ينتقد الحشد الشعبي وقادته.

وتشكلت هذه الميليشيا من مجموعة ميليشيات ولائية تأتمر بإمرة إيران، لاسيما كتائب حزب الله، وعصائب أهل الحق، وحركة النجباء، وكتائب سيد الشهداء، والخراساني. واتهمت تقارير صحافية متعددة ميليشيات العصائب (أهل الحق) بالمسؤولية عن تلك الجماعات.

Thumbnail