عودة المفاوضات مع إسرائيل خدمة للداعين إليها أم للفلسطينيين

أعاد الاجتماع الذي ضم وزراء خارجية كل من مصر والأردن وألمانيا وفرنسا التأكيد على ضرورة الدفع بعملية السلام الإسرائيلية الفلسطينية قدما وفق مبدأ حل الدولتين. ويرى مراقبون أن الجهود التي تبذلها الأطراف الأربعة لا تخلو من براغماتية حيث أن لكل طرف حساباته.
القاهرة- حملت اجتماعات وزراء خارجية مصر والأردن وألمانيا وفرنسا بالقاهرة، الاثنين، بشأن تحريك المفاوضات مع إسرائيل لحل القضية الفلسطينية المستعصية، عناوين تقليدية، وبدت قريبة من أهداف من حضروها، قبل أن تحمل معها طموحات الشعب الفلسطيني الذي بات على قناعة بأن قواعد التسوية السياسية تغيرت.
وأكد وزراء خارجية البلدان المشاركة أن تسوية الصراع الفلسطيني الإسرائيلي على أساس حل الدولتين “مطلب لا غنى عنه لتحقيق سلام شامل في المنطقة”.
واجتمع الوزراء في القاهرة لأجل مواصلة التنسيق والتشاور بشأن سبل دفع عملية السلام في الشرق الأوسط، وخلق بيئة مواتية لاستئناف الحوار بين الفلسطينيين والإسرائيليين.
وثمن الوزراء دور الولايات المتحدة في عملية السلام، وأعربوا عن استعدادهم للعمل معها لتيسير المفاوضات التي تؤدي إلى سلام شامل، بموجب المحددات المعترف بها دوليا، وإعادة إطلاق عملية سلام ذات مصداقية.
ويقول مراقبون إن اللجنة الرباعية، المنبثقة عن مؤتمر ميونخ في فبراير الماضي، تعلم أن الطريق إلى خروج المفاوضات من جمودها عملية صعبة، والتمهيد للعبور عليه لن يتأتى باجتماعات تشمل أطيافا مختلفة، تمثل دولا معتدلة، فتعدد ألوان الطيف واعتدال الدول لا يكفيان للحصول على نتائج ملموسة أو إشاعة أجواء تفاؤل.
وحملت الهوة التي حدثت في عملية السلام الكثير من المعالم الهدامة لأي مفاوضات، ولا تكفي النوايا الحسنة للدول الأربع للقول إن قطار المفاوضات على وشك التحرك، أو أن المجتمع الدولي يرغب في استئناف المحادثات.
ربما تكون هناك توجهات عامة لإحياء المفاوضات كعملية سياسية وكفى، لوقف سيناريوهات التدهور، وتجميد ما يجري من تغيير في التوازنات الإقليمية، حيث أدى توقف العملية إلى فتح المجال لخيارات أخرى لا تتوافق مع مصالح الدول الأربع.
ويوضح متابعون أن الدول المتحمسة للعملية التفاوضية حاليا، قد تتفق على رفض مخلفات صفقة القرن التي طرحها الرئيس الأميركي المنتهية ولايته دونالد ترامب، وتتحفظ ضمنيا على خطة التطبيع بين إسرائيل ودول عربية عدة دون التوصل إلى حل للقضية الفلسطينية، وهو ما يفرض ضبط الدفة خلال مرحلة الالتباس التي تتغير فيها إدارة أميركية وتأتي أخرى محملة بنسمات تميل إلى عدم استمرار الجمود.
وقال الخبير في الشؤون الفلسطينية والإسرائيلية أحمد فؤاد أنور إن لكل طرف حساباته ودوافعه السياسية كي تلتقي الدول الأربع في المحصلة النهائية على استئناف المفاوضات لحل الصراع في هذا التوقيت.
وأضاف لـ“العرب” أن هواجس مصر والأردن من صفقة القرن والتطبيع وملحقات كليهما تختلف عن ألمانيا وفرنسا، حيث تريد برلين وباريس إعادة الاعتبار للدور الأوروبي في المنطقة عبر آلية المفاوضات، والتي تبدو نوافذها مشرعة الآن، وتغليب التسويات على الصراعات، وقد تكون عملية التسوية مطلوب تفعيلها للإيحاء بأن مرحلة طويت وأخرى على وشك أن تبدأ.
ولفت إلى أن هذا التوجه صحيح على المستوى النظري في تقديرات أصحابه، غير أن الواقع المعقد من جوانب مختلفة لا يؤدي إلى النتيجة المطلوبة، فإذا افترضنا أن الدول الأربع عازمة على المضي في العمل، ولديها تطمينات من الرباعية الدولية، المكونة من الولايات المتحدة وروسيا والأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي، فالواقع على الأرض، إسرائيليا وفلسطينيا، لن يخول لكل هؤلاء التحرك إلى الأمام بصورة إيجابية.
وينطوي تزامن الإعلان عن بناء وحدات استيطانية جديدة في الأراضي المحتلة مع اجتماع الرباعية التي ترفض التغيير الديموغرافي، على دلالة غير مباشرة برفض المفاوضات التي يجتهد وزراء خارجية الدول الأربع في البحث عن سبيل لاستئنافها، ويرسل بإشارة مباشرة مفادها “لا مكان لتحركاتكم في ذهن الحكومة الإسرائيلية”.
ويواجه رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو موجة عارمة من الانتقادات السياسية والملاحقات القضائية والشروخ في تحالفه الحزبي الهش، وأصبح قريبا من إجراء انتخابات للكنيست في مارس المقبل، للمرة الرابعة في غضون عامين، وتكفي هذه التطورات وحدها لعرقلة أي حديث عن استئناف المفاوضات، فأحد الطرفين الرئيسيين (نتنياهو) يعاني، وقد تمثل المزايدات والانتهاكات في حق الفلسطينيين إحدى أوراقه الرابحة.
لذلك فالإجابات الهادئة المؤيدة للمفاوضات التي تلقاها مسؤولون في الدول الأربع من إسرائيل لا تعكس الحالة الحقيقية، وهدفها منحهم صكا دبلوماسيا يسمح لهم للترويج بأن التسوية مستمرة وإسرائيل لا تعرقلها، بما يوفر أفقا معنويا لاستمرار الاجتماعات، على أمل أن تتغير المعطيات الراهنة إلى الأفضل، أو لقطع الطريق على التوجهات الخشنة في المنطقة، من إسرائيل أو الفلسطينيين.
ويبدو حال الجانب الفلسطيني عمليا أكثر سوءا من الإسرائيلي، حيث تستعد السلطة الوطنية، بالتفاهم مع حركة حماس، لإجراء انتخابات بالتتابع، تشريعية ثم رئاسية ثم اختيار أعضاء المجلس الوطني، خلال ستة أشهر من صدور مراسيم الانتخابات قبل العشرين من يناير الجاري، بمعنى أن هناك حوالي ستة شهور سوف يبقى خلالها المفاوض الفلسطيني أشبه بـ“البطة العرجاء” مثل نظيره الإسرائيلي.
وإذا تمت مراعاة أن الهيكل العام للانتخابات لا يزال غامضا، ويمكن أن يتعثر وسط الفواصل التي لا تزال بعيدة بين حركتي فتح وحماس، فإن الخمول الفلسطيني سوف يستمر وقتا طويلا، فقد جرى التوافق حول إجراء الانتخابات منذ حوالي عام ولم يتم الوفاء بالوعود والعهود التي صاحبتها، وهو ما يمكن تكراره حاليا.
الهوة التي حدثت في عملية السلام حملت الكثير من المعالم الهدامة لأي مفاوضات، ولا تكفي النوايا الحسنة للدول الأربع للقول إن قطار المفاوضات على وشك التحرك
علاوة على أن المصالحة الفلسطينية نفسها غائبة، وتحتاج عملية فك شفراتها إلى جهود مضنية، فهي كانت أحد أسباب التذرع بوقف المفاوضات، وفشل الجولة المتوقعة للحوار الوطني في القاهرة يؤدي إلى استمرار الانسداد الحالي، ويعيق نتائج التحركات التي تقوم بها الدول الأربع.
وتؤكد مصادر فلسطينية أن ما يجري من تفاهمات بين فتح وحماس له علاقة بترتيب الأوضاع في الأراضي الفلسطينية، وتحديدا تقاسم السلطة بين الضفة الغربية وغزة، بحيث تبقى الأمور على ما هي عليه مع تجديد الشرعيات السياسية في كل جانب.
وهناك حزمة كبيرة من المشكلات الفلسطينية المسكوت عنها، والتي تكفي إحداها، مثل مصير سلاح المقاومة، لنسف التفاهم بين الحركتين، وبالتالي نسف طريق المفاوضات التي تريد قوى إقليمية ودولية ضبط مسارها، حتى لو كانت بغرض بث الأمل في عملية سياسية غير بناءة.