هل يتخذ السودان من سدّ النهضة منفذا لمساومة إثيوبيا على الحدود

الخرطوم- تتجه العلاقات السودانية الإثيوبية نحو المزيد من التصعيد في ظل التباينات المستمرة حول ملف سد النهضة، واستمرار التوتر في المنطقة الحدودية على وقع تواصل التعزيزات العسكرية بين الطرفين.
ويقول مراقبون إن هناك تمشيا سودانيا يربط بين ملف سد النهضة وحل قضية الحدود، وهو ما يفسر النبرة العالية للخرطوم في الأيام الأخيرة، حتى بالنسبة إلى القاهرة التي تعد الأكثر تضررا من عدم التوصل إلى اتفاق مع أديس أبابا بشأن السد.
وأعلن وزير الخارجية السوداني عمر قمرالدين الاثنين، عن تقديم بلاده اشتراطات للاتحاد الأفريقي للعودة إلى مفاوضات “ذات جدوى” في ملف سد النهضة، ملوحا بأن الخرطوم لديها “خيارات” أخرى.
الأزمة الحدودية ستبقى أحد أكبر المنغصات في العلاقات بين البلدين ما لم يجري التوصل إلى تسوية نهائية بشأن ترسيم الحدود
جاء ذلك عقب إطلاع رئيس مجلس السيادة السوداني عبدالفتاح البرهان على تطورات المفاوضات حول السد التي يرعاها الاتحاد. وبدا واضحا أنه أصبح لمجلس السيادة ولاسيما المكون العسكري دور أكبر في ملف سد النهضة، ويظهر هذا المكون تشددا لناحية تقديم أي تنازلات لإثيوبيا.
ووفق بيان لمجلس السيادة، قال قمرالدين إن بلاده قدمت “اشتراطات (لم يوضحها) لجنوب أفريقيا باعتبارها رئيس الاتحاد الأفريقي للعودة إلى مفاوضات ذات جدوى حول السد”.
وأضاف “السودان سيكون في عمل دؤوب لإيضاح رؤيته، أملا بأن تكون الدورة الجديدة للاتحاد في فبراير جولة أخرى لتحقيق ما يصبو إليه وإلا ستكون له خيارات (لم يعلنها) في ما يلي هذا الملف”.
وأوضح أن “المفاوضات خلال الفترة الماضية لم تكن ذات جدوى لأنها تركزت بين الدول الثلاث مباشرة والتي تباعدت مواقفها منذ البداية”، مؤكدا تمسكه بلعب خبراء الاتحاد دورا أكبر لتذليل عملية التفاوض.
وأشار إلى احتجاج السودان للاتحاد الأفريقي وإثيوبيا على عزم أديس أبابا مواصلة عملية ملء السد للعام الثاني (في يوليو المقبل) دون اتفاق، واصفا ما يتم بأنه “خرق للقانون الدولي”.
وفي وقت سابق حذرت وزارة الري السودانية من الخطر الذي يمثله سد النهضة على خزان الروصيرص (شرق السودان) والذي تبلغ سعته التخزينية أقل من 10 في المئة من سعة سد النهضة، إذا تم الملء والتشغيل دون اتفاق وتبادل يومي للبيانات.
وكانت الخرطوم رفضت في 4 يناير المشاركة في اجتماع ثلاثي عبر الفيديو كونفرانس مع مصر وإثيوبيا حول سد النهضة، قالت إنه لم يقر مطلبها بخصوص تعظيم دور خبراء الاتحاد الأفريقي والمراقبين عبر اجتماعات ثنائية. قبل أن تعلن الأحد فشل اجتماع سداسي بين وزراء الخارجية والري في السودان ومصر وإثيوبيا، في التوصل إلى صيغة مقبولة لمواصلة التفاوض، ورفع الأمر للاتحاد الأفريقي.
وتخوض الدول الثلاث مفاوضات متعثرة حول السد، على مدار 9 سنوات مضت، وسط اتهامات متبادلة بين القاهرة وأديس أبابا بالتعنت ومحاولة فرض حلول غير واقعية.
وتصر أديس أبابا على ملء السد بالمياه حتى لو لم تتوصل إلى اتفاق بشأنه مع القاهرة والخرطوم، فيما تصر الأخيرتان على ضرورة التوصل أولا إلى اتفاق ثلاثي، لضمان عدم تأثر حصتهما السنوية من مياه نهر النيل سلبا.
ويقول متابعون إن التصلب الذي أظهرته الخرطوم مؤخرا وذهابها بعيدا في انتقادات ممارسات أديس أبابا، يصب في صالح القاهرة التي خفتت انتقاداتها في الآونة الأخيرة حيال إثيوبيا.
ويشير المتابعون إلى أن الخرطوم تحاول ممارسة المزيد من الضغوط على إثيوبيا التي تواجه أزمة داخلية كبرى في علاقة بإقليم تيغراي، لتقديم تنازلات تتعدى ملف السد إلى المسألة الحدودية التي تتخذ منها السلطة الانتقالية السودانية ولاسيما المكون العسكري أولوية.
هناك تمشيا سودانيا يربط بين ملف سد النهضة وحل قضية الحدود، وهو ما يفسر النبرة العالية للخرطوم في الأيام الأخيرة
وكانت مصادر سودانية تحدثت عن استمرار الجيش السوداني والقوات الإثيوبية في نشر المزيد من عناصرهما على طول الحدود. يأتي ذلك في ظل جهود تبذل لإجراء جولة مفاوضات ثانية لترسيم الحدود بعد جولة أولى عقدت منذ سنوات.
وكان الجيش السوداني أعاد نشر قواته في منطقتي الفشقة الصغرى والكبرى، وقال لاحقا إنه استرد هذه الأراضي من مزارعين إثيوبيين كانوا يستخدمونها تحت حماية ميليشيات إثيوبية منذ العام 1995.
وترفض إثيوبيا هذه الخطوة التي تعتبرها استفزازية، ويقول المتابعون إن الأزمة الحدودية ستبقى أحد أكبر المنغصات في العلاقات بين البلدين ما لم يجري التوصل إلى تسوية نهائية بشأن ترسيم الحدود.