هل بات التغيير من خارج المنظومة السياسية حتميا في العراق

في وقت يستعد فيه العراق لخوض انتخابات برلمانية مبكرة في يونيو القادم، ولا يتوقع مراقبون اختلاف نتائجها عما سبق، باتت دعوات التغيير من خارج المنظومة السياسية تتجذر.
بغداد - يعتقد ساسة مستقلون ومراقبون كُثر في العراق أن تجاوز حالة الفشل التي تعلق فيها البلاد منذ سنوات عديدة، بسبب تغليب أجندات خارجية على المصالح العامة والفساد وسوء الإدارة، يتطلب انقلابا عسكريا يطيح بالطبقة الحاكمة.
ويقول أصحاب هذه النظرية إن التجربة المصرية دليل واضح على أن التغيير في حالات الاستعصاء السياسي، يمكن أن يأتي من جهة العسكر، بالرغم من الفوارق الكبيرة في حالتي البلدين.
ويجادل هؤلاء ردا على حديث الفوارق، بأن الجيش المصري تدخل عندما اختطف الإسلام السياسي قرار البلاد، وهو أمر يحدث في العراق منذ سنوات عديدة.
وعندما انطلقت التظاهرات الشعبية الواسعة في البلاد مطلع أكتوبر 2019، لاستعادة قرار العراق السياسي الذي اختطفته إيران، راهن الكثيرون على إمكانية لعب الجنرال البارز في قوات مكافحة الإرهاب عبدالوهاب الساعدي، دورا مماثلا لما قام به الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي عندما كان وزيرا للدفاع في 2013.
وخرج الساعدي من الحرب ضد داعش بين 2014 و2017 بطلا وطنيا، بعدما علقت صوره، وهو يقاتل عناصر التنظيم المتطرف خلال اشتباكات قريبة تفصل بين طرفيها بضعة أمتار فقط، في أذهان العراقيين، الذين افتقدوا للقائد الذي يعيد الهيبة للمؤسسة العسكرية التي مزقها الفساد وسوء الإدارة.
لكن الحكومة السابقة بقيادة عادل عبدالمهدي عاقبت الساعدي بدل تكريمه تحت حجج واهية، من ضمنها التخابر مع السفارة الأميركية، مفضلة إبعاده عن المشهد من خلال تجميده، لقطع الطريق على أي محاولة التفاف حوله من قبل زملائه في المؤسسة العسكرية.
وبالرغم من أن الساعدي استعاد مكانته سريعا بمجرد تسلم رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي مقاليد السلطة في البلاد، من خلال تنصيبه قائدا لجهاز مكافحة الإرهاب، القوة الضاربة ضمن الهيكلية العسكرية العراقية، إلا أن شعورا شعبيا يتنامى بصعوبة خوض القوات النظامية حربا مفتوحة ضد الميليشيات الشيعية التي تدعمها إيران.
المواجهة بين الجيش والميليشيات، ربما تتأجل إلى مرحلة أخرى، بعدما ازدادت التوقعات بإمكانية حدوثها في عهد الكاظمي
ويقول مراقبون إن المواجهة بين المؤسسة العسكرية العراقية والميليشيات التابعة لإيران، ربما تتأجل إلى مرحلة أخرى، بعدما ازدادت التوقعات بإمكانية حدوثها في عهد الكاظمي.
وجاء الكاظمي إلى موقع رئيس الوزراء في ظرف شديد التعقيد، إذ كانت الخزينة خالية تماما وأسعار النفط في أدنى معدلاتها، بينما وباء كورونا يتفشى في أرجاء الأرض، ليشل السياسة ويعطل الاقتصاد ويؤجل الخطط العسكرية.
ومع ذلك، ارتبط اسم الساعدي بالتحدي الأول الذي قامت به حكومة الكاظمي بُعيد نيلها ثقة البرلمان للنفوذ الميليشياوي المتعاظم في العراق، إذ قاد عملية جريئة أسفرت عن اعتقال عدد من الأفراد وهم يعدون لتنفيذ هجوم صاروخي على المنطقة الخضراء، مقر الحكومة والبرلمان والبعثات الأجنبية، ومطار بغداد الدولي.
وبالرغم من أن نهاية هذه العملية لم تكن مشجعة، بعد خروج المعتقلين بسبب الضغوط الإيرانية الكبيرة على حكومة الكاظمي، التي وصلت حدّ تهديد عوائل الضباط المشاركين فيها بالقتل، إلا أنها تركت انطباعا بشأن ما يمكن أن تقوم به المؤسسة العسكرية فيما لو تم تمكينها وحماية قرارها من التدخلات السياسية.
وعندما أراد الكاظمي الخروج في جولة نهارية في شوارع بغداد عقب يوم واحد فقط من تنفيذ الاستعراض البشري الضخم في ذكرى مقتل قاسم سليماني وأبومهدي المهندس فيها، اصطحب معه عبدالوهاب الساعدي، وتجولا رفقة وزيري الثقافة حسن ناظم والشباب عدنان درجال، بالزي المدني، حيث تناولوا وجبة في أحد المطاعم ثم عرجوا على ساحة التحرير سيرا على الأقدام.
وبالنسبة للكثيرين فإن ظهور الساعدي إلى جانب الكاظمي في شوارع بغداد بعد يوم واحد من احتلالها بشريا على أيدي أتباع إيران، يتضمن إشارات بشأن الدور الذي يمكن أن يلعبه.
ويبدو بالنسبة للمراقبين أنّ تحوّل مهمة حكومة الكاظمي من ضرب الميليشيات الإيرانية إلى إنقاذ البلاد من أزمتي كورونا والاقتصاد، أمر منطقي في ظل التعقيدات المصاحبة.
وعمليا، تعمل القوى السياسية الحاكمة على إعداد الساحة العراقية لضمان استمرار بقائها قوية، إبان وبعد أي انتخابات برلمانية قادمة، من خلال اختراق السلطة القضائية ومفوضية الانتخابات وغيرها من الأجهزة التي تصون المسار الديمقراطي، لذلك فإن أي تغيير للواقع السياسي الحالي عبر الاقتراع لن يكون واسعا أو جذريا، ما يستلزم وجود حلول من خارج هذه المنظومة.
لذلك، يرى هؤلاء أن البلاد قد تشهد في غضون أعوام قادمة احتجاجات جديدة، بحجم التي حدثت في أكتوبر 2019، وربما أوسع، ضد الطبقة السياسية الحاكمة، وعندها قد يكون هناك دور للجنرال الساعدي.
في المقابل، يهمس ساسة مشاركون في الحكم، بأن حلم الانقلاب العسكري في العراق سيبقى بعيدا، لأن الجيش مخترق وبعض ضباطه غارقون في الفساد، وثمة ولاءات حزبية معروفة داخل أجهزة عسكرية وأمنية عديدة.