التقلبات الإقليمية تدفع لتقوية الروابط الدفاعية في الشرق الأوسط

الأحداث العسكرية الأخيرة تدفع دول الشرق الأوسط إلى تحقيق تطور يكون بمثابة وثبة إلى الأمام في أنظمة الدفاع من خلال تبادل المعلومات والتشاركية العلمية فيما بينها.
الجمعة 2021/01/08
ضرورات تفرضها التحولات الجيوسياسية

اصطدمت النقاشات داخل مراكز الأبحاث طيلة السنوات الأخيرة بحقيقة مفادها أنّ برامج التسليح الأميركية يمكن أن تدفع إلى تقوية الروابط الدفاعية مع حلفائها وخاصة في الشرق الأوسط. ويبدو أن إحدى ثمار التطبيع العربي - الإسرائيلي تتمثل بالأساس في هذه النقطة لدعم بلدان المنطقة، التي تواجه أكبر تهديد من إيران.

لندن- يطرح تواصل الأبحاث العسكرية مسألة معقدة للنقاش بين صفوف الخبراء والمحللين تتعلق بماهيّة المعلومات التي يجب أن تكون مشتركة بين الدول بغاية تحقيق المعرفة الشاملة، فضلا عن الآثار الأخلاقية والمعنوية، التي يمكن أن تترتب عن ذلك.

ومع تزايد التقلبات الإقليمية، ازدادت حاجة صناع القرار إلحاحا للإجابة على هذا السؤال، حيث باتت مسألة الإعلان عنها ومشاركتها مع الآخرين في ظلّ ارتباطها بمجالات تطوير الأسلحة وتطور الحروب، تمثّل شاغلا مُزدوجا، خاصة أنّها تكشف عن مُعادلة صعبة التّحقق تصبّ في سياق ضبط أخلاقيات التكنولوجيات المتطورة ووُجوب إحلال السلام.

ويعتبر التعاون لتطوير التكنولوجيات الجديدة أمرا حاسما، حيث أنّ جميع المشروعات بغض النظر عن الغاية منها تتطلب قدرا من تبادل المعلومات والتشاركية العلمية، وهو بالتأكيد ما حصل مع مشروع مانهاتن الأميركي، الذي أدى إلى اخترع القنبلة الذرية في منتصف القرن الماضي وكان وراء كارثة هيروشيما.

ويعتقد مايكل نايتس زميل برنشتاين في معهد واشنطن، أنه من الضروري أن تتمثل إحدى ثمار التطبيع العربي الإسرائيلي في زيادة التعاون الدفاعي الصاروخي بقيادة الولايات المتحدة، بين الدول التي تواجه أكبر تهديد من إيران.

ويرى نايتس، المتخصص في الشؤون العسكرية والأمنية للعراق وإيران واليمن ودول الخليج العربية، أنه كما جمعت واشنطن الحلفاء معاً ضمن “مشروع مانهاتن” لتطوير أسلحة ذرية، عليها أيضاً أن تركز جهداً جماعياً مماثلاً لمواجهة الصواريخ الباليستية والقذائف القصيرة والمتوسطة المدى والطائرات دون طيار.

مايكل نايتس: حلفاء الولايات المتحدة يجب توجيههم نحو الاحتواء الدفاعي لإيران
مايكل نايتس: حلفاء الولايات المتحدة يجب توجيههم نحو الاحتواء الدفاعي لإيران

في منتصف الشهر الماضي، أشار موشيه باتيل، رئيس منظمة الدفاع الصاروخي الإسرائيلية، علناً إلى أن وكالته مهتمة بالعمل مع الإمارات والبحرين، انطلاقاً من التعاون الأميركي – الإسرائيلي القائم في قطاع الدفاع الصاروخي.

وتشكل هذه الدول جماعة ذات مصالح مشتركة واضحة، إذ أن جميعها في مرمى الصواريخ والقذائف والطائرات المسيرة الإيرانية، ليس فقط لدعم شركاء الشرق الأوسط، ولكن أيضا مع قابلية تطبيق واضحة في إطار منافسة القوى العظمى ضد الصين وكوريا الشمالية وروسيا.

وهذه الجماعة التي يمكن توسيعها في الوقت المناسب لتشمل السعودية وقطر وبعض الدول أخرى تقدّم فرصة حقيقية إلى إدارة جو بايدن لبناء تحالفات إقليمية أقوى وتوجيه حلفاء الولايات المتحدة وشركائها نحو الاحتواء الدفاعي لإيران، بدلاً من الكوارث المكلّفة والمدمّرة مثل حرب اليمن، وفق نايتس.

وظهرت الحاجة الملحة لقدرات دفاعية أكبر في العاصمة العراقية بغداد في العشرين من شهر ديسمبر الماضي، عندما تم استهداف السفارة الأميركية بـ21 صاروخاً، وهو أكبر هجوم ضد منشأة أميركية منذ عام 2010.

وتؤكد مراجعة سريعة للأحداث العسكرية الأخيرة سبب أهمية تحقيق تطور يكون بمثابة وثبة إلى الأمام في أنظمة الدفاع. ففي العام الماضي، قُتل ثلاثة أميركيين في العراق على أيدي الميليشيات المدعومة من إيران، وتعرَّض ما يقرب من مئة آخرين لإصابات عندما أطلقت إيران صواريخ باليستية على قاعدة الأسد الجوية رداً على قتل قاسم سليماني.

وفي الحالة الأخيرة، لم يكن لدى الولايات المتحدة ما يكفي من صواريخ باتريوت الاعتراضية لتغطية جميع القواعد في جميع أنحاء العالم. كما لم تخصص بطارية كهذه في قاعدة الأسد، مما يؤكد حقيقة كَوْن أنظمة الدفاع الصاروخي المتواجدة حالياً باهظة الثمن وبالتالي نادرة.

وخلَق هذا الوضع مشاكل أخرى عديدة للجيش الأميركي على سبيل المثال، نظراً لأن المراكز الهامة مثل مركز العمليات الجوية المشتركة في قطر معرضة لهجمات إلى حد ما. فقد اضطرت القيادة المركزية الأميركية إلى نقل جميع مهام القيادة والسيطرة الأميركية إلى مواقع بعيدة مثل قاعدة شو الجوية في ولاية ساوث كارولينا.

ويبدو أنّ وكالة الدفاع الصاروخي الأميركية والمنظمة المشتركة للدفاع الجوي والصواريخ مطالبتان بإنشاء ورشة نقاش للسلطات الأميركية والإسرائيلية والإماراتية والبحرينية للبدء في رسم معالم فرص التعاون. وقد يُطلب من السعودية الانضمام كمراقب، إلى جانب حلفاء الناتو والقوى الآسيوية مثل اليابان وكوريا الجنوبية وتايوان.

وكما هو الحال مع الأبحاث الذرية، وكسر الشفرات، ومجالات أخرى في الماضي، يمكن لحلفاء الولايات المتحدة الأصغر أن يقدموا مساهمات مهمة في مجالات متخصصة مثل الذكاء الاصطناعي، وإدارة المعركة، والروبوتات، وتقنيات الليزر. وربما ساعدت اليابان وكوريا الجنوبية بالفعل دول الشرق الأوسط على تنشيط عملها المتوقف على شبكات الاستشعار المشتركة.

يعتبر التعاون لتطوير التكنولوجيات الجديدة أمرا حاسما، حيث أنّ جميع المشروعات بغض النظر عن الغاية منها تتطلب قدرا من تبادل المعلومات والتشاركية العلمية

ويجدر تشجيع السعودية على التخلي عن مشترياتها الجديدة من الأسلحة الهجومية، وبدلاً من ذلك أن تصب مواردها ضمن جهد مشترك للدفاع الصاروخي. وفي هذا الصدد، أشار جيك سوليفان وأعضاء رئيسيون آخرون في فريق الأمن القومي لبايدن إلى أن تعزيز الدفاعات الصاروخية السعودية قد يجعلها بعيدة عن الدخول في مواجهات مسلحة.

ولا يمكن تحّمل التكلفة الحالية لتبادل التهديدات بين إيران ودول المنطقة. فاليوم تتراوح تكلفة أنظمة الاعتراض الأميركية والإسرائيلية الأكثر قدرة، باتريوت و ديفيد سلينغ، ما بين 2 و4 ملايين دولار لكل إطلاق صاروخ، بينما سعر كل صاروخ إيراني أو قذيفة أو طائرة دون طيار هو عادة عشرات أو مئات الآلاف من الدولارات على الأكثر.

ومما يعقّد المسألة أن شبكة التهديد الإيرانية تشكل الآن تحدياً متعدد الاتجاهات للقواعد الأميركية ولشركاء الولايات المتحدة، حيث يُحتمل أن تنطلق عمليات الإطلاق من إيران ولبنان واليمن وسوريا والعراق وحتى من السفن أو الغواصات. كما أن سلامة الحركة الجوية المدنية معرضة للخطر بشكل متزايد، كما أظهر إسقاط إيران العرضي لطائرة ركاب أوكرانية في يناير العام الماضي.

6