مصر تراهن على دعم السودان في مواجهة إثيوبيا

الخرطوم – حملت الزيارة التي قام بها مدير المخابرات المصرية اللواء عباس كامل للخرطوم، الكثير من المعاني السياسية والأمنية، حيث جاءت في خضم تقارب لافت بين البلدين على مستويات مختلفة، وتنسيق صاعد في ملف سد النهضة الإثيوبي، الذي يستعد مفاوضو الدول الثلاث لاستئناف اجتماعاتهم المتعثرة حوله الأسبوع المقبل.
وعقد رئيس مجلس السيادة الفريق أول عبدالفتاح البرهان، ونائبه محمد حمدان دقلو (حميدتي)، ورئيس الحكومة عبدالله حمدوك، كلّ على حدة الاثنين، اجتماعات مع مدير المخابرات المصرية، لبحث تعزيز علاقات التعاون بين البلدين.
وقال بيان لإعلام مجلس السيادة مساء الاثنين، إن لقاء كامل والبرهان بحث القضايا ذات الاهتمام المشترك في إطار جهود البلدين لتطوير العلاقات وتعزيز التعاون.
وأكدت مصادر سودانية ومصرية لـ”العرب”، أن ملف سد النهضة أسهم في زيادة التقارب، حيث باتت الرؤية متقاربة إلى حدّ بعيد، في جهة حضّ إثيوبيا على توقيع اتفاق ملزم حول السد، يحفظ حقوق جميع الأطراف.
وتخلفت الخرطوم الاثنين، عن حضور اجتماع على مستوى وزراء الخارجية والري في الدول الثلاث، اعتراضا على النهج التفاوضي لإثيوبيا، وتوصيل رسالة رفض للطريقة التي تتعامل بها مع الخرطوم في هذا الملف، بجانب ملف الحدود الملتهب.
وأوضح وزير الري المصري الأسبق محمد نصرالدين علام لـ”العرب”، أن زيارة كامل استهدفت طي التباين في وجهات النظر بشأن الاعتماد على الخبراء الأفارقة في حلحلة تعثر مفاوضات سد النهضة.
ولدى مصر قناعة بأن ما فشل فيه خبراء البنك الدولي والولايات المتحدة لا يكمن حلّه عبر خبراء أفارقة يحتاجون زمنا طويلا لفهم أبعاد الأزمة، ما يعني إضاعة المزيد من الوقت، حيث ترى القاهرة أن الوقت الحالي مناسب للضغط على إثيوبيا.
وأضاف علام في تصريح لـ”العرب”، أن مصر حريصة على تنسيق المواقف مع السودان، بعد أن لاحظت أن وساطة الاتحاد الأفريقي لم تشر بشكل مباشر إلى نتائج المباحثات السابقة، وجاءت بيانات الدول الثلاث عقب الاجتماعات الأخيرة مختلفة، ما يتطلب سد الفجوة لإجهاض محاولات إثيوبيا لإحداث وقيعة جديدة بينهما.
ويصب تأخر حسم آلية المفاوضات في صالح إثيوبيا وليس مصر والسودان، ما يدفع القاهرة للتحرك سريعا للتوصل إلى تفاهمات أكبر مع الخرطوم تضمن السير في طريق مشترك، مع وجود ما يشبه اليقين بأن أديس أبابا لن توقّع اتفاقا مُلزما.
وتريد مصر أن تقيم الحجة أمام العالم وتثبت المراوغات الإثيوبية، استعدادا للقيام بتحركات دبلوماسية جديدة، تشمل هذه المرة تنسيقا متينا مع السودان، كي يكون المردود إيجابيا.
ولفت المحلل السياسي السوداني شوقي عبدالعظيم، إلى أن زيارة اللواء عباس كامل ناقشت التعنّت الإثيوبي بشأن التعامل مع نهر النيل في المستقبل، وأن القاهرة والخرطوم تتوافقان حول ضرورة وضع حد لهذا التعنت بشأن تقسيم حصص المياه، ما يعني أن المشكلة أكبر من مسألة الخلاف حول طريقة إدارة مفاوضات سد النهضة.
وأشار في تصريح لـ”العرب”، إلى أن هناك موقفا موحدا معلنا بين مصر والسودان، أقرب من أي وقت مضى، سوف يسهم في حفظ حصة البلدين في مياه النيل مستقبلا.
وأعرب اللواء عباس كامل عن استعداد بلاده الكامل لمساعدة السودان لعبور المرحلة الانتقالية، في إشارة توحي بأن الزيارة لا تتضمن محتوى أمنيا كما هو متعارف عليه في زيارات مديري المخابرات.

ويقول متابعون، إن مسؤولية مدير جهاز المخابرات في مصر لا تقتصر على الجوانب الأمنية المباشرة، بل تعتني بكل ما له علاقة بالأمن القومي، وفي المقدمة المياه، وهو ما يمنح من يشغل هذا المنصب مساحة كبيرة من الحركة في ملفات مختلفة.
واحتفت القاهرة إعلاميا بالعيد الوطني للسودان في الأول من يناير، وجرى تبادل رسائل التهنئة بين كبار المسؤولين في البلدين، كدلالة على التقارب مع السلطة الانتقالية، ودعمها في الخطوات التي تتخذها للحفاظ على أمن واستقرار البلاد.
ويحرص النظام المصري على توسيع أطر التعاون مع السودان وتنويع مجالات الشراكة، ولا يبالغ في الميل نحو الجسم العسكري على حساب المدني، ويعلم مدى الحساسية التي يمثلها الانحياز للجيش السوداني لدى قوى مدنية عديدة في السودان.
وكشفت مصادر مصرية لـ”العرب”، أن الزيارة عكست في مجملها أيضا مخاوف القاهرة من تأثير التباين بين المكونين المدني والعسكري على موقف السلطة السودانية من مستقبل التعامل مع أزمة سد النهضة، والعلاقة مع إثيوبيا، فلا تزال هناك جهات ترى أن أديس أبابا أقرب للخرطوم من القاهرة.
وأكدت المصادر ذاتها، أن الزيارة ناقشت تنسيق المواقف العسكرية بشأن التعامل مع الأخطار في الإقليم الشرقي في السودان، خاصة على الحدود مع إثيوبيا، حيث تعهدت القاهرة بتقديم المساعدة اللازمة لتأمين تلك المنطقة، وحدود السودان على البحر الأحمر في ظل تحالفات إقليمية جديدة، سوف تكون مصر والسودان جزءا منها.
ومن المتوقع أن يلبي رئيس الحكومة عبدالله حمدوك، دعوة نظيره المصري مصطفى مدبولي، لزيارة القاهرة خلال الأيام المقبلة، كتأكيد على عمق العلاقات وتطوير التعاون، وتنسيق المواقف في القضايا ذات الاهتمام المشترك مع جميع القوى المؤثرة.