انضباط تام من الميليشيات لأوامر إيران في ذكرى مقتل سليماني والمهندس

فعاليات صاخبة في بغداد صرفت الأنظار عن وعود الانتقام.
الثلاثاء 2021/01/05
البكاء تعبيرا عن المظلومية بديلا عن "الانتقام المزلزل"

جاء إحياء الذكرى السنوية الأولى لمقتل قاسم سليماني وأبومهدي المهندس أقرب إلى الفعاليات الشيعية القائمة على فكرة المظلومية والتعبير عن الندم الأبدي على عدم نصرة الحسين بن علي، وهي فكرة تنطبق على عجز إيران والميليشيات الشيعية التابعة لها في العراق عن تنفيذ وعيدها ضدّ الولايات المتّحدة، ورغبة طهران في التهدئة وتجنّب التصعيد الذي لا تستطيع تحمّله في ظلّ أوضاعها الراهنة وما تواجهه من مصاعب مالية واقتصادية.

بغداد - تحوّلت الذكرى السنوية الأولى لمقتل قائد فيلق القدس في الحرس الثوري الإيراني قاسم سليماني والقائد الميداني للحشد الشعبي العراقي أبومهدي المهندس في ضربة جوية أميركية قرب مطار بغداد الدولي، من استعراض لقوّة الحضور الإيراني في العراق، إلى مجرّد فعالية صاخبة موجّهة بالأساس إلى الأتباع المطالبين بالانتقام للقتيلين بهدف تنفيس احتقانهم.

وعلى عكس ما صدر من تهديد ووعيد عاليي النبرة عن إيران والميليشيات التابعة لها في العراق وعدد من البلدان العربية خلال الفترة التي سبقت ذكرى الثالث من يناير تاريخ مقتل سليماني والمهندس مطلع السنة الماضية، تبيّنت من خلال التجمّعات والمسيرات التي شهدتها العاصمة العراقية بغداد، رغبة طهران في التهدئة تجنّبا لإثارة إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب في آخر أيامها بالبيت الأبيض، كما تبيّن مدى انضباط الميليشيات الشيعية في العراق للأوامر الإيرانية والتزامها التامّ بالتهدئة المطلوبة إيرانيا.

وعبّرت عن ذلك الانضباط كتائب حزب الله العراق أحد أشرس الفصائل الشيعية وأكثرها تبعية لإيران، عندما أعلنت قرارها بعدم اقتحام مقرّ السفارة الأميركية داخل المنطقة الخضراء والتي كانت في أكثر من مناسبة سابقة هدفا لأتباع إيران في العراق خلال احتجاجاتهم على استهداف الطيران الأميركي لميليشيات الحشد الشعبي، وخصوصا على مقتل سليماني والمهندس.

وقال الأمين العام للكتائب أبوحسين الحميداوي في بيان بشأن مشاركة فصيله في فعاليات إحياء ذكرى مقتل سليماني والمهندس إنّ “حضورنا في الميدان هو رسالة تفويض أن عجّلوا بالثأر فدمنا ما زال يغلي”، لكنّه سرعان ما استدرك بالقول “لن ندخل اليوم إلى سفارة الشر (السفارة الأميركية)، ولن نطيح بهذه الحكومة (حكومة مصطفى الكاظمي)، فما زال في الوقت متسع”.

وتابع الحميداوي “سلاحنا أكثر ضبطا وتنظيما من أرقى الجيوش والمؤسسات العسكرية على مر التاريخ.. ولن نسمح لأحد، كائنا من كان، أن يعبث بهذا السلاح”.

وفي إشارة إلى الحرص الواضح من قبل إيران وأتباعها في العراق على التهدئة وحصر إحياء الذكرى الأولى لقتل قائد فيلق القدس الإيراني ونائب رئيس هيئة الحشد الشعبي العراقي، في حدود التجمّع والهتاف ورفع الشعارات والصور الممجدة للقتيلين والمستهجنة للولايات المتحدة وإدارتها، شبّه ناشط عراقي الفعاليات التي انتظمت في بغداد بتلك التي ينظّمها الشيعة بشكل دوري تعبيرا عن الحزن على مقتل الحسين بن علي والندم الأبدي على عدم نصرته.

وقال ذات الناشط طالبا عدم الكشف عن هويته إنّ ثقافة الحزن على “المظلومين” والندم على عدم نصرتهم والبكاء عليهم إلى ما لا نهاية، تناسب إيران وأتباعها في العراق للتعاطي مع مقتل سليماني والمهندس طالما لم تسمح موازين القوى بـ”الردّ المزلزل” الذي توعّدت به طهران الولايات المتّحدة والرئيس الأميركي دونالد ترامب شخصيا.

وردد عشرات الآلاف من مؤيدي الجماعات العراقية المسلحة التي تدعمها إيران هتافات معادية للولايات المتحدة وسط بغداد الأحد إحياء لذكرى مقتل القائد العسكري الإيراني والقيادي العراقي في الحشد الشعبي.

الأوضاع الصعبة لإيران وحلفائها في العراق حتّمت تجنّب استثارة إدارة ترامب في أيامها الأخيرة بالبيت الأبيض

وتزامن الاحتشاد مع تصاعد حدة التوتر بين إيران والولايات المتحدة في الأيام الأخيرة لإدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب وطالب الكثير من المحتشدين بالثأر.

وقتلت الولايات المتّحدة سليماني على خلفية اتهامها له بأنّه العقل المدبر لهجمات شنها مسلحون متحالفون مع إيران على القوات الأميركية في المنطقة، وقد نقل مقتله العداء بين واشنطن وطهران إلى مستوى لم يسبق له مثيل وأثار قلقا من اتساع رقعة الصراع.

ولوح المتظاهرون الذين تجمّعوا في ساحة التحرير بالأعلام العراقية ورايات الحشد الشعبي ورددوا هتافات معادية للولايات المتحدة مثل “أميركا الشيطان الأكبر”.

وتدفق المتظاهرون على ساحة التحرير بوسط العاصمة العراقية استجابة لدعوات من عدد من الجماعات المسلحة تشكل قوات الحشد الشعبي المدعومة في الأساس من إيران. وغصت الساحة بصور كبيرة للرجلين وصور لآخرين قتلوا في الهجوم كما عُلقت صور أخرى على المباني المطلة على الميدان.

وطالب قائد الحشد الشعبي فالح الفياض والسياسي هادي العامري قائد منظمة بدر اللذان شاركا في التجمع وتحدثا إلى الحشود، بطرد القوات الأميركية.

وقال أبوأحمد أحد المشاركين في المسيرات ببغداد لوكالة رويترز “نحن هنا اليوم لإدانة ما فعله العدو الأميركي الإسرائيلي باستهداف قائدي النصر”. وأضاف “ندعو الحكومة لاتخاذ موقف جاد لمحاسبة من قتلوهما”.

وفي انعكاس لمخاوف إيران من التصعيد وحرصها على التهدئة، حث وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف ترامب السبت على تفادي “فخ إسرائيلي” لإشعال حرب بشن هجمات على القوات الأميركية في العراق.

ورفض مسؤول إسرائيلي الاتهام ووصفه بأنه هراء، قائلا إنّ إسرائيل هي التي تحتاج أن تكون في حالة تأهب تحسبا لضربات إيرانية محتملة في ذكرى مقتل سليماني.

ولم تقع هجمات على قوات أو دبلوماسيين أميركيين في العراق، خلال اليومين الماضيين، لكن مسؤولين أميركيين يقولون إنهم يشعرون بقلق بشأن خطط في مراحل متقدمة لشن هجمات.

وقال القائم بأعمال وزير الدفاع الأميركي كريستوفر ميلر إنه عدل عن قراره بسحب حاملة الطائرات نيميتز من المنطقة. وأضاف “بسبب التهديدات التي وجهها زعماء إيرانيون للرئيس الأميركي ترامب وغيره من المسؤولين الأميركيين مؤخرا، أمرت بوقف عملية إعادة الانتشار الروتينية لحاملة الطائرات نيميتز”.

وقال مسؤول أميركي طلب عدم نشر اسمه إنه من المتوقع أن تبقى الحاملة خارج بحر العرب، موضّحا أن القرار إجراء احترازي.

وتتهم واشنطن مسلحين مدعومين من طهران بشن هجمات صاروخية من حين لآخر على المنشآت الأميركية في العراق، منها هجمات بالقرب من السفارة الأميركية. ولم تعلن أي جماعة معروفة مدعومة من إيران مسؤوليتها عن هذه الهجمات.

وأرسل الجيش الأميركي الأسبوع الماضي قاذفتين من طراز بي 52 قادرتين على حمل أسلحة نووية إلى الشرق الأوسط في رسالة ردع موجهة لطهران، لكن القاذفتين غادرتا المنطقة بعد ذلك.

3