القوى المدنية تستثمر في قضية "بهاء" لتحجيم نفوذ "الدعم السريع"

تصرّ القوى المدنية في السودان على إبقاء قضية اغتيال الناشط بهاءالدين نوري مفتوحة، في محاولة للضغط باتجاه حل قوات الدعم السريع ودمج عناصرها ضمن القوات المسلحة. ويرى مراقبون أن هذه الرغبة لا تخلو من خلفيات في علاقة بالخشية من طموحات سياسية لزعيم هذه القوات محمد حمدان دقلو.
الخرطوم – لا تزال قضية مقتل الناشط في لجان المقاومة بهاءالدين نوري (45 عاما)، تلقي بظلالها على المشهد السوداني، في ظل إصرار القوى المدنية على إبقاء هذا الملف حيّا في تمشّ لا يخلو من اعتبارات سياسية.
ويشكل نفوذ قوات الدعم السريع المشتبه في تورط عناصرها في حادثة الاغتيال، مثار تحفّظ كبير من قبل القوى المدنية، وهناك خشية من طموحات زعيمها نائب رئيس مجلس السيادة الفريق أول محمد حمدان دقلو المعروف بحميدتي.
وطالب تجمع المهنيين، الذي شكل مع باقي القوى المدنية الجبهة الأمامية للإطاحة بنظام الرئيس عمر حسن البشير في العام 2019، بضرورة حلّ هذه القوات وإعادة دمجها ضمن المؤسسة العسكرية، مع فتح تحقيق واسع في الانتهاكات التي اقترفتها طيلة الفترة الماضية.
وأوضح التجمّع في بيان، أنه رفع مذكرة للنائب العام تاج السر الحبر، ووزير العدل نصرالدين عبدالباري، بخصوص تفتيش كلّ مقار قوات “الدعم السريع” للتأكد من خلوها من “المعتقلين المدنيين”.
وأشار إلى أن المذكرة “تتضمن مطالب بتكوين لجنة من النيابة العامة ونقابة المحامين، لمراجعة مقار الدعم السريع والقوات الأخرى (دون تحديد) وتسليم الموجودين فيها إلى الشرطة”.
ودعا التجمع إلى “تكوين لجنة دائمة لمراجعة الانتهاكات السابقة وتلقي الشكاوى ممن تعرضوا لممارسات القبض والاعتقال والتحقيق من قبل الدعم السريع أو أي قوات أخرى بصورة مخالفة للقانون”.
وحثّ على ضرورة دمج عناصر الدعم السريع في القوات المسلحة خلال مدى زمني معلوم، وفق تصنيف عادل، يتم عبره دمج من تتوفر فيه شروط الالتحاق بالقوات المسلحة، وتسريح من لا تتوفر فيهم الشروط بموجب قانون المؤسسة العسكرية.
وتأتي هذه المطالب إثر مقتل الناشط بهاءالدين نوري بعد أيام من توقيفه في 17 ديسمبر الماضي للتحقيق بأحد مقار قوات الدعم السريع، وسط تحقيقات قضائية وجهت تهما بينها القتل العمد لأفراد من تلك القوات.
وقال المحلل السياسي السوداني خالد الفكي، إن الانتقادات الحادة من قوى سياسية ومنظمات مدنية تجاه قوات الدعم السريع لا ترتبط فقط بحادث مقتل نوري، فهناك خلفيات لسوء تعامل هذه القوات مع المواطنين في حوادث عدة.
وتواجه “الدعم السريع” اتهامات بارتكاب انتهاكات عديدة، أبرزها مقتل العشرات من المحتجين خلال فض اعتصام أمام مقر قيادة الجيش بالخرطوم، في 3 يونيو 2019، وهو ما تنفيه تلك القوات.
وكانت قوات الدعم السريع إحدى أذرع البشير العسكرية الضاربة، وراهن الرئيس المعزول على هذه القوات في مواجهة أي تمرد ضد سلطته، حيث لعبت دورا في إخماد الحراك الاحتجاجي في العام 2011.
وظهرت بصمات الدعم السريع بوضوح في الصراع الذي شهده إقليم دارفور في العام 2003، حيث كان يعول عليها البشير للقضاء على التنظيمات المسلحة في ذلك الإقليم ليتوسع دورها لاحقا.
ورغم أن هذه القوات قفزت مبكرا نسبيا من مركب البشير في الانتفاضة التي اندلعت في ديسمبر 2018، وقرر زعيمها محمد حمدان دقلو حينها الانحياز للمتظاهرين، بيد أن الشارع السوداني لم ينس لتلك القوات تاريخ نشأتها واستخدامها.

وأوضح الفكي لـ”العرب”، أن تلك المشاهد عالقة في أذهان القوى السياسية والمواطنين، الذين يعتقدون أن الدعم السريع امتداد لجهاز الأمن والمخابرات في عهد البشير، بجانب أن الجزء الأكبر من هذه القوات غير محترف وغير مدرب عسكريا، ويفتقر للمعرفة القانونية الدقيقة، ما أثر على الأداء المهني العام على الأرض.
واستدركت قيادة القوات الحالية خطورة استمرار عملها على هذا النحو، ونظمت خلال الأشهر الماضية دورات تدريبية لأعضائها لكيفية التعامل مع المواطنين واحترام مبادئ حقوق الإنسان، وأصبح لها قانون يجرم الاعتداء على المواطنين، وبدأت تتخذ إجراءات ضد أي فرد فيها يتورط في انتهاكات، ما حدث في قضية مقتل الشاب بهاء.
ويرى مراقبون أن تصعيد المدنيين ضد الدعم السريع، في جانب منه سياسي، لاسيما وأن هناك مخاوف من طموحات سياسية لزعيمها دقلو، الذي حاول الظهور منذ تسلم المؤسسة العسكرية لزمام المبادرة بعد قرار عزل البشير رغبة في القيادة، وقد سعى على مدار الفترة الماضية إلى ربط شبكة علاقات واسعة في الداخل والإقليم.
ولعب دقلو دورا محوريا في اتفاقيات السلام مع الجماعات المسلحة، رغم أن بعضها أعلن رفضه الجلوس معه على طاولة المفاوضات، على غرار الحركة الشعبية قطاع الشمال قبل أن تتراجع عن موقفها.
ولم ينف خالد الفكي في تصريح لـ”العرب”، وجود أبعاد سياسية وراء الحملة الحالية في إطار المناكفات المستمرة بين المكونين المدني والعسكري، ومحاولة كل طرف فرض شخصيته الاعتبارية على الآخر، ويجري استغلال كل خطأ تقع فيه قوات الدعم السريع من قبل قوى الحرية والتغيير ومنظمات المجتمع المدني، للضغط على نائب رئيس مجلس السيادة لكبح جماح قواته ودفعه نحو دمجها داخل قوات الجيش الوطني، المقرر الشروع في إعادة هيكلته بعد دمج جيوش الحركات المسلحة.