أمير سانت إكزبوري عاد كهلا في حياة مثالية

بيروت- بمجرد تصفح متن هذا الكتاب، ينتاب المتصفح ما إذا كان متن النص قد ولد في ذهن المؤلف نبيل أبوحمد الفنان التشكيلي أم السارد!
وبما أن أبوحمد الرسام يتفوق عادة على القاص وإن كان اصدر من قبل عدة مجموعات قصصية وروايات، إلا انه يكتفي بكونه فنانا تشكيليا من طراز خاص قبل أن يكون قاصا، لذلك تغري اللوحات المائية الموزعة بين المتن القصصي على المتابعة قبل الاستهلال بالقراءة التي لن تستغرق وقتا طويلا.
نبيل أبو حمد في كتابه الجديد "شيخوخة الأمير الصغير" قاص أرسطوي بامتياز يتوق الى المثالية في عالم المدينة الفاضلة، لذلك يعبر عن ذلك بسلسلة من الحِكم التي تفتح الخيال على الحلم والفضيلة، وهل بإمكان العالم الوصول اليها في يوم ما!
جسدَ ذلك برسومات معبرة استثمر فيها الألوان المائية التي بدت أقرب الى الطفولة في هذا الكتاب الذي صدر مؤخرا عن الدار العربية للعلوم ناشرون.
هذه الرواية تصنف ضمن كتب الأطفال والناشئة لكنها مفعمة بالحكم المثالية عن حياة تاق لها ارسطو من قبل وبقي الإنسان يحلم بها على مر التاريخ وإن كان يستحيل تحقيقها على الاقل في الزمن المنظور.
أعاد أبوحمد الى الذاكرة شخصية "الامير الصغير للكاتب الفرنسي أنطوان دو سانت إكزبوري، بوصفها الرواية التي لم تتراجع عن القراءة منذ عقود، لكنه تخيل هذا الأمير الصغير كهلا، يعيش على كوكب مثالي مفعم بالحكم الإنسانية.
يستثمر أبوحمد فكرة حادثة ارتطام مركبة أحد روّاد الفضاء الأرضيين إثر تعطلها وخروجها عن خط سيرها. الارتطام ضرب صخور أحد الأجرام الصغيرة العديدة التي تدور بفلك الشمس. وبعد وقتٍ وجد هذا الرائد نفسه وجها لوجه مع "الأمير الصغير" الذي أصبح كهلًا ومحاطًا بمخلوق آت لهذا الجرم المغايرة شكلًا وطرافة وسلوكيات لما نحن عليه على كوكب الأرض.
الكتاب يحاكي رواية إكزبوري فهو مثير للدهشة بتفاصيل حول ما يحصل على كوكب "مونو صانيتو" كوكب "الأمير الصغير" الأصلي، عندما نكتشف كيف يعش أناس هذا الكوكب الذين يحملون رؤوس على هيئة على علامة استفهام وتساؤل، لأنهم جميعا يؤمنون بان الحكمة تكمن في استمرارية السؤال.
يصطحب الأمير الصغير الذي أضحى كهلا، رائد الفضاء بعد أن وعده بإصلاح مركبته خلال ثلاثة أيام، في جولة لاكتشاف مثالية الحياة على هذا الكوكب، بدأ من طعام سكانه النباتي المريح، لأنهم جميعا يؤمنون بان قتل الحيوانات وأكل لحمها يحول الإنسان الى قاتل، حتى طريقة سلوكهم المستقر والمطمئن، فهم لا يمتلكون جيشا ولا استراتيجية دفاع، لأن طبيعة كوكبهم تجعلهم خارج مفاهيم الحرب والاحتلال، وإن كانوا يمتلكون برلمانا ديمقراطيا ومنطق معاقبة المخطئ بطريقة تعيدة الى الصواب.
جولة رائد الفضاء مع الأمير الكهل تثير المزيد من التساؤلات مثلما تفتح الطريق الى حياة مثالية سيحاول رائد الفضاء نقلها الى الأرض عند عودته.
اللوحات المائية التي توزعت بين صفحات الكتاب تكشف قدرة خطوط نبيل أبوحمد على التعبير أكثر من النص الذي لم يتجاوز اللغة السردية المباشرة، وإن كانت مفعمة بالحكمة.
في هذا الكتاب نكتشف نبيل أبوحمد السارد والرسام معا، وكيف أعاد الأمير الصغير كهلا وتخيل العالم المثالي في مدينة ارسطو لكن على كوكب بعيد جدا عن الأرض، لا يحترق وإن كان قريبا من الشمس.