الصراع السياسي يغلب على تغطية الإعلام العراقي للأزمة الاقتصادية

اختصاص قنوات الأحزاب الشيعية الهجوم على الحكومة.
الأربعاء 2020/12/23
أرقام بحاجة إلى ترجمة

تتطلب التغطية الإعلامية للقضايا الاقتصادية خبرة في التعامل مع الأرقام وفهم النظريات والأزمات الاقتصادية عالمياً ومحلياً، وهو ما يغيب عن وسائل الإعلام العراقية التي تتجاهل الشأن الاقتصادي إلا حين يكون متناغماً مع الجانب السياسي، وتغلب عليها الصراعات السياسية وتأجيج الرأي العام، وتبادل الاتهامات حول سبب الأزمة.

بغداد - أخفقت وسائل الإعلام العراقية في تقديم تغطيات واضحة ورصينة حول الأزمة الاقتصادية في البلاد، إذ تم توظيفها في الجوانب السياسية، عبر استعراض تصريحات نواب وسياسيين ومسؤولين غير متخصصين في الاقتصاد، وخرجت التغطيات مليئة بصراعات سياسية تستهدف الخصوم وتأجيج الرأي العام، وتبادل الاتهامات حول سبب الأزمة.

وأفاد تقرير “بيت الإعلام العراقي” الذي رصد التغطية الإعلامية المحلية للأزمة الاقتصادية التي تواجه البلاد منذ انتشار وباء كورونا، وما تبعها من انهيار لأسعار النفط وتراجع التجارة العالمية، أن وسائل الإعلام العراقية تعاني من غياب الخبرة في التعاطي معها، في ظل حاجة الجمهور لأخبار موثوقة وترجمة الأرقام إلى معلومات واضحة ومبسطة يستطيع استيعاب مدلولاتها.

واستحوذت الأزمة الاقتصادية في البلد على اهتمام الرأي العام بشكل لافت، بعدما تراجعت إيرادات الدولة إثر انخفاض أسعار النفط العالمية إلى مستويات قياسية وصل إلى 40 في المئة من سعره، ولكون العراق من الدول الريعية، ويعتمد بنحو 90 في المئة من النفط في دخله القومي، أصبح من أكثر الدول تأثرا بالأزمة، وخلق ذلك أزمة رواتب وضعفا بالمشاريع في البلد.

وشنت القنوات التلفزيونية التابعة للأطراف السياسية العراقية الموالية لإيران هجوما حادا على حكومة رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي، بعد ما قررت خفض قيمة الدينار العراقي أمام الدولار الأميركي، لتجاوز الأزمة.

والهجوم الإعلامي من قبل قنوات الأحزاب الشيعية على القرار الحكومي ليس من أجل المصلحة الاقتصادية للبلاد بل لأنها متضررة أكثر من غيرها بسبب تلاشي أرباح الاستحواذ على الدولار من البنك المركزي، إذ بالرغم من أن هذا القرار سيضر بالموظفين على المدى القريب، حيث تبخّر نحو ثلث قيمة رواتبهم، إلا أنه يسدّد ضربة كبيرة لبعض الأطراف الشيعية التابعة لإيران.

التغطية الإعلامية للوضع الاقتصادي العراقي أخفقت في الوصول إلى الجمهور بترجمة الأرقام إلى معلومات واضحة

وتملك هذه الأطراف مصارف تحتكر عملية شراء الدولار من البنك المركزي وإعادة بيعه في السوق السوداء، مستفيدة من هامش ربح كبير يُترجم إلى ملايين الدولارات بشكل يومي، لذلك استغلت منابرها للدفاع عن مصالحها.

واتسمت التغطية الإعلامية للوضع الاقتصادي بشكل عام، بالإخفاق في الوصول إلى الجمهور بلغة بسيطة وواضحة إذ تضمنت سردا لأرقام ومقارنات اقتصادية بحتة، دون استخدام تبسيط لها عبر جداول إحصائية أو أنفوغراف-فيديوغراف تكون واضحة حول الأزمة الاقتصادية وتداعياتها.

واستند اهتمام الإعلام العراقي في الجانب الاقتصادي على البيانات والتصريحات الرسمية والتقارير المترجمة من دون ملاحقتها بالتحليل والمتابعة أو تبسيطها للقارئ، وغابت التغطيات الخاصة في قضايا اقتصادية حيوية لا تقل أهمية عن التغطية السياسية والأمنية، كما تتجاهل وسائل الإعلام الشأن الاقتصادي إلا حيت يكون متناغماً مع الجانب السياسي.

وأشار التقرير إلى افتقار الصحافيين العراقيين إلى الخبرات اللازمة للعمل في التغطيات الاقتصادية، مقابل عدم اكتراث المؤسسات الإعلامية بالشأن الاقتصادي عبر توفير ورش لتدريب وتأهيل صحافيين وعدم اعتمادها على الصحافي المتخصص فيها.

وغالبا ما يُكلف الصحافي المختص في التغطية السياسية والأمنية بإعداد التغطية الاقتصادية على الرغم من الفرق الشاسع بينهما، إذ تتطلب التغطية الاقتصادية خبرة في التعامل مع الأرقام وفهم النظريات والأزمات الاقتصادية عالمياً ومحلياً، وهو ما يفسر الأخطاء الكبيرة في الأخبار والتقارير المنشورة.

وانعكس ضعف خبرات الإعلام الاقتصادي المحلي على منح آفة الفساد الإداري والمالي فرصة للانتشار شمل الآلاف من المشاريع الاقتصادية التي تراوحت بين سوء العمل والتهرب من إنجازها على الرغم من صرف أموالها، كما انعكس أيضاً على غياب دور الأمن الاقتصادي في ملاحقة قضايا متعلقة بالأمن الوطني، مثل مزاد الدولار وآلية استخراج وتصدير وبيع النفط، وعمل المصارف ومكاتب الصيرفة.

غياب الخبرة في التعاطي مع الأرقام
غياب الخبرة في التعاطي مع الأرقام

واقترح التقرير على وسائل الإعلام معالجة هذا الإخفاق بعد إجراءات، في مقدمتها تجنب زج التغطيات الاقتصادية بالشأن السياسي، والتحقق من صحة التصريحات والأرقام التي يوردها السياسيون والمسؤولون حول الوضع الاقتصادي، ومنع التصريحات العاطفية التي تتضمن اتهامات أو توقعات بأوضاع اقتصادية معينة دون أدلة ووثائق، إذ من شأن ذلك إثارة هلع الرأي العام وانعكاسها على الوضع الاقتصادي العام في البلد، كما حصل مع الارتفاع المفاجئ لسعر صرف الدولار مقابل الدينار العراقي وتوقعات بصعوده أكثر ليعود بعد أيام إلى وضعه الطبيعي، ويتبين أن وراء ذلك تصريحات ومضاربات.

وأوصى المؤسسات الإعلامية بإيلاء التغطية الاقتصادية اهتماماً أكبر عبر نشرات الأخبار والأقسام المتخصصة في الشأن الاقتصادي، ودعم الصحافيين العاملين معهم على تعزيز خبراتهم للأهمية الكبيرة للتغطية الاقتصادية التي لا تقل أهمية عن باقي المجالات السياسية والأمنية، إذ أن غالبية المشاكل السياسية تعد انعكاساً لأزمات اقتصادية.

 ويقع على عاتق الصحافيين المتخصصين في الإعلام الاقتصادي العمل على تعزيز خبراتهم عبر ورش تجريها منظمات محلية ودولية متخصصة، وفهم النظريات الاقتصادية عبر القراءة الأكاديمية، خصوصا تلك المتعلقة بآلية عمل البورصة وأسعار النفط العالمية والمحلية والأزمات المالية، والإلمام بالمصطلحات والمفاهيم الاقتصادية (التضخم، الانكماش، الركود، سعر الصرف، الإفلاس، غسيل الأموال، وغيرها)، والسعي لتحليل وفهم الأرقام والإحصاءات والنسب المئوية الصماء الصادرة عن الجهات الحكومية وغير الحكومية في الشأن الاقتصادي عبر الاستعانة بخبراء وأساتذة في الاقتصاد.

18