الفتنة القبلية تستيقظ جنوب تونس في غياب الدولة

قتيل و53 جريحا في اشتباكات بين قبيلتين على "العين السخونة" جنوبي تونس.
الاثنين 2020/12/14
اشتباكات عنيفة

تونس – تحوّل رئيس الجمهورية التونسية قيس سعيد الإثنين، إلى منطقة "العين السخونة" التي تشهد صراعا بين أهالي منطقتي بني خداش التي تتبع محافظة مدنين (جنوب شرق) ودوز التابعة لمحافظة قبلي (جنوب غرب). 

وتشهد تونس منذ نهاية الأسبوع الماضي اشتباكات متصاعدة بين قبيلتين حول قطعة أرض جنوبي البلاد المتاخم للحدود مع ليبيا، وأسفرت الأحد عن مقتل شخص وإصابة 53 آخرين.

واندلعت أعمال العنف باستخدام بنادق صيد وعصي للمرة الأولى قبل نحو أسبوع لكن قوات الأمن تدخلت ومنعت توسع الاشتباكات قبل أن تستأنف الأحد من جديد.

ويعود الخلاف بين المنطقتين المتجاورتين إلى نزاع عقاري بين أهالي منطقة دوز ومنطقة بني خداش، على منطقة “العين السخونة” التي تقع في الصحراء وتضم بئر مياه ساخنة تستقطب الزوار للتداوي، إذ تطالب كل معتمدية بضم المنطقة إليها.

وتعرضت ممتلكات خاصة وسيارات وأكواخ في “العين السخونة” للتخريب والحرق من قبل المتشاجرين الذين تراشقوا بالحجارة واستخدموا بنادق صيد.

ومثل هذه الاشتباكات متواترة في الجنوب التونسي بسبب النزاعات حول ملكية الأراضي والتقسيمات الإدارية، إلا أنّ أطرافا كثيرة ترجح أن تكون جهات خارجية خلف تأجيج الخلاف وإشعال نار الفتنة بين الجيران خاصة وأن المنطقة غير بعيدة عن الحدود مع الجارة ليبيا التي تشهد حالة عدم استقرار أمني وسياسي.

ووصف النائب بالبرلمان عن محافظة قبلي زهير المغزاوي الوضع في "العين السخونة" بالخطير والمؤسف، محملا الدولة مسؤولية ما حدث.

وقال في تصريحات محلية إنّ "هذا ما كان ليحدث لولا تقصير الدولة ومسؤوليها، منتقدا عدم تحمّل رئيس الحكومة ووزير الداخلية لمسؤوليتيهما".

ومؤخرا، تصاعدت وتيرة الاتهامات الموجهة للرئاسات الثلاث في تونس بتجاهلها للأوضاع الاجتماعية والاقتصادية للبلاد، وانشغال رئيس الحكومة ورئيس البرلمان ورئيس الدولة بصراعات لفرض النفوذ والسيطرة على دواليب الحكم.

وأشار المغزاوي إلى أنّ الأحداث انطلقت بعد ورود أنباء عن قدوم مستثمر قطري للاستثمار في الصحراء وعلى خلفية ضغط كبير من جهات لم يسمها، واعتبر أنّ الوضع المحتقن ووجود ''جماعات تمارس الإرهاب في البرلمان وخارجه'' غذّا هذا الصراع.

ورأى عدد من المتابعين للحادثة، وبعضهم من أبناء الجهة، أن الصراع المتفجر حول "العين السخونة" تؤججه رؤوس أموال قطرية، حاولت استغلال مياه العين عبر نشر النعرات الجهوية، وإغراء أهالي إحدى القبائل بعائدات مالية ضخمة سيربحونها من المنطقة الغنية بالنفط.

ورجّح الكاتب التونسي محمد ذويب أن يكون "الأمر أعمق من صراع عروش، فيبدو أن صراع العروش (قبائل) والجيوش بين الحوايا والمرازيق وراءه أياد قطرية".

وكتب في صفحته بموقع فيسبوك "تقول رواية أحد الثقاة إن مستثمرا قطريا قد تحصل على العين هناك بالدينار الرمزي من الدولة التونسية مما أثار حفيظة أحد العرشين الذي قام بطرده فسعى البعض لتأجيج نار الفتنة".

وتابع "ها قد وقعت الفأس في الرأس.. لو فتح تحقيق جدي في الموضوع سيثبت تورط أحد الأطراف السياسية النافذة هناك في الصفقة مع المستثمر القطري".

ويشكل الجنوب التونسي منطقة جيوسياسية خطرة لاسيما وأنه يرتبط بحدود مع كل من الجارتين لتونس ليبيا والجزائر.

ومنطقة "العين السخونة" المتنازع عليها، ترجع إداريا إلى محافظة قبلي، إلا أنها في الحدود مع محافظة مدنين التي تفصلها مسافة نحو 120 كم  عن "راس جدير" المعبر الحدودي مع ليبيا.

ولطالما شهد الجنوب في السنوات الأخيرة توترات ارتبط بعضها باحتجاجات أهال لتوظيف أبنائهم، وبعضها الآخر بعمليات إرهابية شنتها تنظيمات متطرفة على غرار ما حصل في بن قردان التابعة لمحافظة مدنين في العام 2016، فضلا عن عمليات كر وفر بين الأجهزة الأمنية والعسكرية ومهربين ينشطون بكثافة في هذه الرقعة الجغرافية.

وبين تونس وليبيا حدود طويلة، أكثر من 80 في المئة منها صحراوية، تصعب مراقبتها والسيطرة عليها من قبل السلطات الأمنية للبلدين، وهي مناطق بكثافة سكّانية ضعيفة جدا، مما يسهل عمليات التهريب خصوصا تجارة البشر والسلاح والمخدرات والعملات الأجنبية.

ومن جانب آخر تستغل الجماعات المتشددة الأوضاع في تونس وخاصة في الجانب الليبي غير المستقرّ أمنيا، لتقيم تحالفات مع بعض التجّار لتهريب الأسلحة إلى تونس واستعمالها في ما بعد ضدّ وحدات الأمن والجيش، فقد سجّلت السلطات العديد من العمليات الخاصة بتهريب الأسلحة والمخدرات عبر المنافذ الحدودية الرابطة بين تونس وليبيا.

و"العين السخونة" هي عبارة عن مصدر للمياه الاستشفائية بالجنوب، وتتميز بدرجة ملوحة عالية تتجاوز 11 غراما في اللتر، علاوة على احتوائها نسبة كبيرة من الكبريت وارتفاع درجة حرارة مياهها.

ويقصدها الأهالي للتداوي من بعض الأمراض الجلدية وأمراض الروماتيزم اعتقادا منهم بصحّية مياهها ونجاعتها في معالجة هذه الأمراض.