سنة عبدالمجيد تبون الرئاسية البيضاء

في 12 ديسمبر 2020 تحل الذكرى الأولى لتعيين السيد عبدالمجيد تبون رئيسا للبلاد إثر انتخابات رئاسية لا ذوق ولا طعم فيها، إذ تمت رغم أنف الملايين من الجزائريين والجزائريات وقد قاطعها أغلبهم. لقد فعل قائد الأركان السابق القايد صالح، لينهض ضده الحراك السلمي الذي انطلق يوم 22 فبراير 2019، حيث فرض على الجزائريين رئيسا لم ينتخبوه ولم يعترف برئاسته أغلبهم.
لم يتوقف الاحتجاج والتظاهر ضد الأمر الواقع حتى شهر مارس 2020، بسبب جائحة كورونا، التي استغلها النظام من أجل التخلص من المظاهرات التي باتت شبه يومية. نزل عليه كورونا بردا وسلاما، فهو الذي خلصه من ورطته الكبرى أمام الحراك الشعبي المتكاثر باطّراد من أسبوع إلى آخر في شوارع المدن الجزائرية على كامل التراب الوطني.
وإذا ما أردنا أن نقيّم السنة التي قضاها تبون في قصر المرادية، فماذا عسانا نقول؟
في الحقيقة لا شيء يثير الاهتمام، سوى الجدل الذي تسبب فيه بقاؤه أكثر من شهر يتداوى خارج البلاد، فلم يتقدم هذا الوافد الجديد بالبلد مترا واحدا إلى الأمام، بل تراجع خلال فترته على رأس الدولة كيلومترات إلى الوراء، في نظر أغلب الجزائريين والجزائريات، حتى بات الكثير منهم يتأسف على الوضع الذي كانوا عليه أيام عبدالعزيز بوتفليقة، الرئيس الذي طردوه شرّ طردة.
تمر سنة كاملة ولا تزال الجزائر تتخبط في مشاكلها الاقتصادية والاجتماعية والسياسية والمالية، بل استفحلت الأمور أكثر فأكثر منذ استلمها تبون، ولم يلُح في الأفق حتى شبح للجزائر الجديدة التي وعد بها. بل العكس هو الحاصل، فهي تعود رويدا إلى سنوات السبعينات وحكم الحزب الواحد، وما انفك الطلاق يترسخ أكثر فأكثر بين نظام الحكم والشعب منذ مجيئه.
ومنذ البداية لم يصوت أغلب الجزائريين في انتخابات 12 ديسمبر 2019 التي فاز بها بطريقة لم تقنع أحدا. والأخطر أنه لأول مرة في تاريخ الجزائر المستقلة لم تشارك منطقة القبائل برمتها، فقد قاطعها كل سكان ولايتي بجاية وتيزي وزو. ولم تتعدّ نسبة المشاركة فيهما الـ39 في المئة، حسب السلطة ذاتها، أما النسبة الحقيقية فلا يعلمها إلا الله والنظام كما يقول الجزائريون المشككون دوما في النسب المقدمة من طرف الجهات الحكومية.
وقد حاول الرئيس استدراك الأمر بتنظيم استفتاء حول تعديل دستور البلد بحثا عن شرعية لم يحصل عليها عبر الانتخابات، مثل ما فعل سابقوه، وكانت النتيجة كارثية والضربة موجعة عندما قاطع معظم الجزائريين الاقتراع وتعديل الدستور. ولم تتعدّ نسبة المشاركة 23.72 في المئة، وهي اضعف نسب المشاركة منذ الاستقلال، ومع ذلك يرى الكثير من الملاحظين أنها مضخمة وأن النسبة الحقيقية لم تتجاوز 10 في المئة.
ولسوء حظه نقل مريضا إلى الخارج إثر تعرضه لفايروس كوفيد – 19، وهو الذي صرح متحديا قبل أسابيع قائلا إن الجزائر تملك أفضل منظومة صحية في أفريقيا والعالم العربي “أحب من أحب وكره من كره”. ومن المحتمل أن يكون هذا الفايروس سببا في إنهاء عهدته الرئاسية.
إنها سنة بيضاء في ما يتعلق بالإنجازات الاقتصادية والسياسية والصحية التي كانت منعدمة تماما بل ازدادت الأمور سوءا ولم يتحسن أيّ شيء. وهي سنة سوداء في ما يتعلق بحقوق الإنسان والحريات، حيث لم يحدث في عهدة أي رئيس جزائري سابق أن وصل عدد معتقلي الرأي والمحاكمين بتهم سياسية، العدد الذي وصل إليه تحت حكم تبون، إذ بلغ عدد الموقوفين حوالي 2000 حسب نشطاء مدافعين عن حرية الرأي ومحامين ومنظمات حقوقية جزائرية.
ولم يسبق أن قاضى رئيس جمهورية مواطنا جزائريا بتهمة الشتم أو القذف، بينما وصل عدد من رفع الرئيس تبون ضدهم شكاوى إلى أكثر من ستين مواطنا ومواطنة.
ولم يكن أداء الرئيس في الشأن الخارجي أفضل حالا، وهو الذي كان يؤكد في أيامه الأولى كرئيس أن الملف الليبي من أولى أولوياته، وأدلى بتصريحات قوية ضد التدخل التركي في ليبيا، ولكنه سرعان ما تراجع عنها بعدما وجد نفسه مضطرا إلى الاتصال شخصيا بالرئيس التركي رجب طيب أردوغان طالبا منه تسليم العسكري الفارّ قرميط بونويرة، أمين سر قائد الأركان السابق القايد صالح، الذي هرب إلى تركيا حاملا معه ملفات خطيرة متعلقة بفساد بعض رجال الدولة في الجزائر وأمور أخرى متعلقة بالأمن الوطني. ومنذ تسليم العسكري الفار لم ينبس السيد تبون ببنت شفة حول الوضع في الجارة ليبيا.
لقد أغلق الإعلام في عهده غلقا محكما، وأصبح مثار سخرية الجزائريين، لأنه غدا بوقا لحكومة فاشلة تعددت هفوات أعضاء جهازها الإعلاميّ وعدم احترافية طاقمه، وذهب وزير الشباب إلى القول: من لا يعجبه الحال فعليه بمغادرة الجزائر!
لا شيء تغير معه وربما يذهب ويترك دار لقمان على حالها. وفي إشارة إلى مشكلة السيولة النقدية، التي استفحلت خلال الأشهر القليلة الماضية، بات الجزائريون ينكتون على تبون الذي وعد في حملته الانتخابية بأنه يعرف كيف يسترد الأموال المنهوبة من الخارج، قائلين في دعابة من دعاباتهم: كنا نطمح إلى استرداد ما نهب من ملايين الدولارات فأصبحنا معه لا نستطيع حتى استخراج بعض ديناراتنا من البنوك.